صدى الناس

ثقافة المواطنة واحترام الموطن عبارات افتقر لها موظفون في شعب النفوس بحلب

لا نبالغ حينما نقول بأننا قد نتوجه بعض الأحيان لأماكن قد تكون أكثر ملائمة لدفن الموتى أو أود الموطنين , وكلنا يعرف بأن الأود قد مضى عليه زمن طويل لم يشرق عليه الشمس ..

لكن حينما يطلب منك إصدار إخراج قيد نفوس أو بيان عائلي من أمانة السجل المدني عندها تدرك ما أعني به , فالموظف قد اعتاد التبجح على نفوس المواطنين , وتعلم كيف يصبح رزيلاً تجاه كبار السن والنساء والمحترمين , لأنه بطريقة أو بأخرى قد لا يكون جاء نتيجة مهارة عمل أو ديمومة ومرونة التعاملات مع الناس ..

في كثير من الأحيان يخلع الموظف عباءة أنه مواطن ويتعامل مع المراجعين على أنهم نخب عاشر , وكأن العالم فئات والمواطنين ذو جودة منخفضة أو عالية , حيث تشعر بالإحباط وأنت تعرف نفسك بأن شيب رأسك اشتعل علماً ويداك يابستان من العمل , وجاء آخر النهار ليتملح بك قليل الوجدان وعديم الضمير ..

في يوم ليس كعادتي بعد أن جلست في مكتبي أرتب أوراقي , وإذا بالذاكرتي تعصفني وتذكرني بأن هناك ورقة هامة يجب الحصول عليها من إحدى دوائر الدولة … إنها إخراج قيد نفوس .. فالمسألة ليس صعبة ولا تحتاج للواسطة أو الرشوة أو المحسوبية , فكل مافيه شخطة قلم بعد طباعتها بشكل تقرير ورقي على الكمبيوتر …

هرعت إلى السجل المدني في مدينة حلب عند السبع بحرات , حيث جموع المواطنين ترقد تحت ظلم الشمس وعرق الحرارة المرتفعة في الدائرة الرابعة للنفوس , وكالعادة فكل مراجع عليه أن يقف عند الحاسب ويعطي " ضارب الكمبيوتر " رقمه الوطني فيعطينا ورقة مطبوعة حسب الطلب , منهم من طلب إخراج قيد للطلاق … وهذا دليل على أن هذه الحالات ماتزال مستمرة وسارية , ومنهم من يطلب بيان قيد عائلي إما بقصد حصر الإرث أو لتسير معاملة الوحيد , والطرف الأخر قد يطلب إخراج قيد للمغادرة خارج القطر .. وهنا أيقن تماماً هذه الدوافع التي يحملها صاحب الطلب والتي تدفعه لذلك ..

كل هذه الطلبات تقف طابور أوراق أمام ما سميناه " ضارب الكمبيوتر " ليقوم بفترة وجيزة بمنحها للمواطن دون أن يتأبى أو يتلكع … أمام إن لم تكن قد حصلت على الرقم الوطني , فما عليك إلا بالتوجه إلى النافذة الأولى تحمل عنوان " الاستعلام " حيث يجلس وراءها شابٌ وسيمٌ يحمل في عيونه محبة الواطن والسعي لخدمة المواطن , فقد علم في ذاته قيمة الوطن والمواطن وحمل ثقافتهم , فعندما تطلب الرقم الوطني فإنه لا يقصر بالنقر على " الكيبورد " حتى يعطيك إياه بسرعة ويسر ..

أمام منسق السجلات والذي ينادونه " أحمد " فهو منغمس إلى أبعد الحدود في فتح السجلات ومطابقتها وإرجاعها إلى مكانها بعد أن يشاهدها الموظف المختص , إلا أنه معرض للذهاب والإياب من بهو مكاتب الموظفين إلى مكتب المدير , الذي يطرق الجرس منزعجاً حينما يأتيه مواطن يشكوى على أحد الموطفين ..

ضمن هذه الدوامة الكبيرة , وبين السجلات والنقرات كان لي أن أقف كمواطن سوري له حقوق المواطنة بأن يحصل على أي وثيقة من دائرة السجل المدني بحلب , وبعد دقائق من الانتظار أمام جهاز الحاسب وصلت هويتي إلى يد " ضارب الكمبيوتر " ليسجل الرقم الوطني ويقوم بطباعة " وثيقة إخراج قيد " قد طلب مني تأمين , وإلى هذه المرحلة لم تبدأ المعاناة وكل شيء يسير على مايرام ..

بعد ذلك حصلت على الوثيقة فكان عليَّ أن أتوجه إلى موظف يدعى باسم " محمد ف. ب " وهو المسؤول عن توقيع الوثائق التي تخص مناطق المعادي والكلاسة والغاير وإلى ما هنالك من مناطق أخرى , حيث ينتظر عنده مالا يقل عن عشرة أشخاص وهو في بداية الدوام .. حينها أدركت بأنني وقعت في مطب .." الله يكون بعوننا " ..

انتظرت لدقائق ثم تجاوزت المدة النصف ساعة وهو يجلس يتسأب قليلاً ويتلكع مرات أخرى , يزجر وينفخ ويتأفف من صيام رمضان مرة ومن المراجعين مرات أخرى , وكل وثيقة تحتاج دقائق طولاً فالمسألة تستدعي من سعادته البحث عن السجل الذي يحمل المنطقة ورقم الخانة وهذا الأمر بالنسبة له روتيني لأنه تربى منذ أعوام طويلة على موضع كل سجل , لكن برودته كانت لتشعر المواجع بأنه لا يرغب بالعمل , " يخبط " السجل الطاولة ليبحث بين الأوراق عن الاسم والكنية واسم الأب والأم ثم بعد تأكده من ذلك " يطج " بحافره … عذراً .. " يطج " يخاتمه الذي يحمل اسمه القذر ليلطخ سمعة الوطن بقذارته المعفنة ثم يوقع بتوقع الأمي الأعمى الذي إزالة الله عن بصيره الرحمة ..

نعم .. إنه ذلك الموظف الذي ما إن تقف دقائق عند نافذته حتى تشعر بأنك تلقائياً تسير معاملة دفن الموتى أو أنك قد توأد وأنت حيا .. دقائق وساعة تصرف من وقت كل مواطن من أجل هذا السفيه المنحط الذي رسم على وجهه علامة أذيال الرأسمالية , وكأنه يشير بحركات غير واهية بأنه لا يتحرك إلى برشوة ..

وبالطبع لايمكن أن تمضي الدقائق وأنت تقف أمام هذا السفيه دون المرور بمسرحية كوميديا يكون فيها هذا المتخاذل بطلاً فيها , ففي مشهد درامي يطلب الموظف ( م.ف.ب ) من السيد أحمد بأن يأتي له بسجل معين , فيرفض الآخر طلبه ويبدأ التهريج أمام المواطنين , وكل واحد يقول للآخر " عيب عليك مشي هالمواطنين , شو ماعندك شرف " لكن للآسف يتحدثون عن شيء فقدوه ..

بين أخد ورد تفاعل الموظف الذي يقف أمام نافذته مئات الأوراق ويهرع لرئيس الشعبة ليبلغه بتقصير المستخدم " أحمد " فقد جاءته فرصة طيبة للذهاب والإياب وتفعيل السياق الدرامي أمام الموطنين , ثم يعود بعد ذلك من عند رئيس الشعبة منتظراً , فيجلس على طاولته ويسحب ورقة بيضاء يكتب في مقدمتها " السيد المدير العام … " حينها أيقنت تماماً بأن هذا السفيه " عبجظ تقرير " أي أنه يعَّد تقرير من تحت الدسة بحق هذا الموظف الذي نطق بكلمة حق أمام انحلال أخلاق مثل هذا الوضيع …

أثناء هذه الفترة يتدخل موظف مجاور له ويبدأ بتسيير أمور المراجعين لحين الانتهاء من كتابة زميله للتقرير وما أن ينطق أحد المراجعين بكلمة " مشينا يا أستاذ " حتى يرمي الأوراق ويبدأ بتلقين محاضرة دسمة للمواطنين يقول فيها " هي موشغلتي الحق عليَّ عبعمل خير لهيك شعب ؟؟؟؟؟ " طبعاً حجبت أخر كلمة بسبب ورود كلمات نابية لا يمكن ذكرها في جسم المادة …

وبعد أن سمع المواطنين محاضرة قيمة شملت ألفاظ نابية ما كان عليهم إلا أن ينتظروا جناب الوالي المعظم حفظه الله … الموظف المعتمد لهم , مئات المواطنين يقفون والنساء تحمل أولادها والرجل الكاهن بالسن يصعب عليه الوقوف , وما يزال عديم الضمير " يجظ بالتقرير الذي طال به خياله إلى حدود مستمرات الكيان الصهيوني ..

وسط جوقة من الموظفين منهم من يستشرف ومنهم من يبيع المواطنين وطنيات , والمواطنين عليهم أن يحترم كل وقاحة تظهر من هذا السفيه لأنهم مطرون لذلك وإلا فرقبتهم بيده , فقد يحرمهم من حقهم في الحصول على الوثائق التي منحها لهم وطنهم , أما أنا فكان نصيب أنه وبعد عدة محاولات يعود الموظف الذي انتهى من التقرير وسلمه ليرمي بوثيقتي على الطاولة ويقول " لا يوجد السجل الذي فيه اسمك " ثم يعود مرة أخرى وينظر إلى السجلات التي يعرفها جيداً فترة لا تقل عن خمس دقائق ليكمل المسرحية الدرامية أمامنا ويقول " لا يوجد هذا السجل " ..

هنا لم يبقى أمامي إلا الذهاب إلى مديره المباشر الذي هو رئيس الشعبة ليقرع الجرس طالباً فيه المستخدم للحضور , وما إن يحضر حتى يطلب منه إيجاد السجل .. يذهب المستخدم وفي عجلة العمل يسحب سجلاً ويضعه أمام الموظف السفيه , حينها قلت " الحمد لله انتهينا " لكن للآسف السجل يحمل نفس الرقم ونفس الخانة لكن يحمل اسم غير منطقة .. وبالطبع لا توجد مبادرة المحاولة أبداً فالخيار إما أن تنتظر حتى نهاية الدوام وربما تعود في اليوم التالي صباحاً أو مراجعة المدير مرة أخرى …وفعلاً لم أقصر بالمراجعة مرة أخرى , ليقرع الجرس نفسه الذي اعتدنا على سماعه ويأتي المستخدم ويعود ليصحح الخطأ وإذا بالسجل يشاهده بين يد الموظف السفيه الذي لا يحترم شعور المواطن ..

للآسف .. لقد أصبحت الوظيفة الحكومية احتكاراً وتسلطاً على المواطن بعد أن كانت منصباً وعملاً لخدمة المواطن والوطن .. ثقافة المواطنة ما تزال تحتاج للكثير من الوعي لدى الموظفين , فالكثير منهم إما أن يعمل بالرشوة أو أن يتقاعس دون رقيب والحالة تستمر بالتفشي والتوسع دون حدود لتترك أمامنا سؤال يستحق الإجابة .. متى نستطيع تعلم ثقافة المواطنة و متى يمكن للموظف أن يحترم المواطن والوطن الذي يعمل فيه ؟؟؟ ..

بواسطة
أحمد دهان / رئيس التحرير
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. للاسف … البعض يتأفأف من صيام هذا الشهر …شهر الخير والبركة…
    سبحانك يارب “”شلون متحمل هالناس””
    اتمنى من “محمد ف.ب” أن لايصوم .. لأنه لايستحق ذلك الثواب..

    لأسف هذا الموظف بتصرفه هذا يسيئ لسمعة للدولة ..
    فتخيل يارعاك الله… مواطن سوري مغترب عاد بعد 40 عام من الاغتراب..وجاء لعند هذا الموظف .. ؟؟؟!!
    ما هو الانطباع الذي سيأخده عن هذا البلد.؟؟!!

    شهدنا في الفترة الاخيرة حملة مكافة للفساد والمفسدين..
    نسأل الله أن يأخد بأيدي سيد هذا الواطن السيد الرئيس بشار حافظ الأسد الى ما فيه خير هذا الوطن ..

    ونعاهده ان نبقى جنوده الاوفياء .. وأن لا نسكت عن الخطأ..
    وكما قال القائد الخالد حافظ الأسد
    ” لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ أو أن يتستر عن العيوب والنواقص “‏‏‏‏

    وشكر خاص لزهرة سورية على تسليطها الضوء على تلك الظاهرة التي يشكو منها أغلب الناس ..

زر الذهاب إلى الأعلى