صدى الناس

يحاربون الحكومة الالكترونية لأنها تكرس الشفافية وتفضح الفساد

مرجعيات رسمية تتباهى بالحواسيب … ومعاملات المواطنين ما زالت محكومة بالورقيات والروتين وقلة الضمير !!

كتبت صحيفة " سيرياستيبس " الإلكترونية بقلم مروان درّاج , بأنه ومنذ ما يزيد على عقد من الزمن والحديث يجري بكثافة حول إمكان ولادة الحكومة الالكترونية , وقد بادرت أكثر من مرجعية رسمية ومن أعلى المستويات في تنظيم ندوات ومؤتمرات وملتقيات تمهيدية على أمل استقبال الوليد الجديد , غير أن هذا الأخير وبرغم الحاجة الماسة لحضوره , فهو ما زال فكرة جميلة يجري تداولها والاحتفاء بها في مناسبات بعينها تستوجب من البعض الظهور بصورة من تأخذه الحماسة للعمل والإصلاح , غير أن الحصاد الفعلي ما زال يتمثل في المراوحة في المكان وكأن جوهر المطلوب حضور النيات الحسنة واللغو الجميل الذي أصبح مكشوفا من جانب الغالبية التي تنشد الإصلاح قولا وعملا .

ما هي الحكومة الالكترونية ؟

كثيرون يتحدثون حول الحكومة الالكترونية ويأخذهم الجدل والنقاش لساعات حول معانيها والقصد من ضرورة الوصول إليها , لكن في معظم الحالات لا يخرجون بنتيجة شافية بسبب اللغط الذي يحيط بهذا المصطلح نتيجة التقصير في شرح المضمون الحقيقي من جانب المنابر الإعلامية على وجه الخصوص , كذلك من النادر العثور على دراسة جادة تعود إلى باحثين بمقدورهم الإفادة في هذا الموضوع , فإذا كان التعريف الحقيقي للحكومة الالكترونية يعني في إطاره العام , تقديم الخدمات من خلال تكنولوجيا الاتصالات المختلفة بهدف تخفيف الأعباء والمعاناة عن المواطنين زمنيا وماديا , فان ذلك يستوجب العمل على توفير الشروط الصحيحة التي من شأنها وكخطوة أولى انجاز البنى التحتية المتكاملة للحاضنة الالكترونية , فشبكة الاتصالات التي نتحدث عنها ما زالت تواجه معوقات ونواقص تستوجب المزيد من الجهد والعمل للوصول بها إلى ما هو قريب من التكامل , انطلاقا من حقيقة مفادها أن خدمات الاتصال الحديثة تشكل العصب الأساسي من الناحية التقنية للحكومة الالكترونية , وفي هذا الجانب ما زال ينقصنا الكثير , بل أن الرحلة تراوح في الميل الأول . ومن بين الأسباب التي تشجع في الوصول إلى هذا الاستنتاج , أولا : خدمات الاتصالات وبالقياس مع دخول الأفراد المالية تعتبر مرتفعة الأثمان في وقت يتم تقديمها بأسعار أقل من رمزية على مستوى العالم , وثانيا وثالثا ورابعا ..شبكة الاتصالات والممثلة ب ( الانترنت ) دائمة الأعطال وقد تكون الأبطأ والأسوأ قياسا بخدمات دول المنطقة , وفيما لو بقي واقع الحال على ما هو عليه , فذلك يعني أن الانتقال إلى الحكومة الالكترونية هو أقرب إلى المستحيل في المدى المنظور , وهذه القناعة تزداد رسوخا في حال علمنا من الإحصاءات الرسمية التي تقول والفم الملآن أن الذين يستخدمون الحاسب الالكتروني على مستوى القطر لا تصل نسبتهم إلى أكثر من ( 3 ) بالمئة من إجمالي عدد السكان , أي إذا كانت الخدمات الالكترونية متعثرة إلى هذا الحد وغير قادرة على تقديم خدمات سليمة وصحيحة لهذه النسبة الضئيلة جدا من المستخدمين …فكيف سيكون واقع الحال لو أن النسبة وصلت إلى حدود طالت فيه غالبية السكان أو شريحة الشباب والمتعلمين والموظفين على أبعد تقدير ؟!

إلغاء القلم والورقة

فيما لو كانت المؤتمرات والندوات الرسمية التي عقدت على مدار سنوات وحملت شعارات الحكومة الالكترونية جادة في المضي خطوة واحدة على هذا الطريق , لكان يفترض بها المبادرة ومنذ وقت بعيد في منع استخدام الورقة والقلم في المؤسسات العامة والخاصة , ذلك أنه ولمجرد شراء الحواسيب وتأهيل الموظفين في العمل عليها وتزويدهم ببرمجيات محددة , فذلك يعني وببساطة أن لا ضرورة لكل ما له علاقة باليات العمل القديمة , غير أن الأمر الملاحظ لا يمت بصلة للأهداف التي نعنيها , ما جعل أجهزة الكمبيوتر التي تتواجد بكثافة على طاولات الموظفين تبدو أشبه بالديكور لا أكثر , فما يجري من أحاديث حول الإصلاح الإداري شيء وما هو قائم على الأرض شيء مختلف تماما , حتى أن من ينظر إلى هذه الأجهزة التي تحدثنا عنها سوف يلحظ وبالعين المجردة كيف أن الغبار يعلوها من كل جانب ولا تستخدم إلا في حالات نادرة , يتمثل أبرزها في لعب الورق أو لاستخدامات شخصية في حال توفر خدمة ( الانترنت ) ..فالأمر الواضح ويتحدث عنه المواطن الذي يراجع المؤسسات العامة بشيء من السخرية , بأن التعامل مع معاملات المراجعين ما زال وفقا للآليات القديمة المتخلفة حيث كل معاملة بحاجة إلى رزمة من الأوراق والطلبات والأختام والتسجيل في الصادر والوارد , إلى جانب تعدد الجهات والمرجعيات الرسمية وبعد كل واحدة عن الأخرى من حيث المكان , مرورا بكذبة فاضحة أسمها النافذة الواحدة , وتفاقم الفساد والمحسوبيات واتساع مساحة الروتين والبيروقراطية , وسواها من الأدلة والبراهين الدامغة التي تؤكد , أن الإصلاح الإداري الذي هو حاضنة الحكومة الالكترونية هو مجرد فكرة تداعب ألأذهان لا أكثر ولا أقل .

جهل المعنى والهدف

قد يقول البعض وخاصة من الذين يقودون عربة مؤسسة الاتصالات ويتباهون بما حققته من حصاد , بأن كاتب هذه الزاوية لا يرى سوى النصف الفارغ من الكأس , وهذا القول غالبا ما سيأتي على أرضية , أن فواتير الكهرباء والماء والهاتف باتت تسدد الكترونيا , وأن هذه الخطوة بمفردها تعتبر نوعية على طريق الحكومة المنشودة … وفيما لو بادر أحدهم بإطلاق هذا الكلام – كما نتوقع _ فذلك يعني وللأسف جهل القائمين على المؤسسة بكل ما تعنيه أبجديات ألف باء الحكومة الالكترونية , فتسديد فواتير الخدمات لا تمت بصلة لهذه الأخيرة وهي باتت من المنسيات في معظم بلدان العالم منذ الربع الأخير من القرن الماضي , بينما الحكومة الالكترونية الحقيقية هي تلك التي – كما ذكرنا – التي تقدم الخدمات للمواطنين من خلال شبكة الاتصالات وكأمثلة سريعة , عمليات البيع والشراء , انجاز معاملات زواج أو طلاق , تسديد ضرائب , إبرام صفقات , توقيع عقود , الحجز في مكاتب السياحة والسفر , التسجيل في المدارس والجامعات , الحصول على جوازات سفر , سمات دخول من السفارات …الخ , وبالمناسبة كل هذه الخدمات يتم تقديمها في الحكومة الالكترونية , دون أي وسيط ودون مراجعة أي موظف أو معقب للمعاملات ودون أن يغادر المواطن منزله أو مكتبه أو تعطيل أعماله , بهذا المعنى فهي حكومة للقضاء على كل ما يمت للفساد الإداري بصلة , ولأنها على هذا النحو , فهناك بالضرورة من يسعى إلى محاربة الإصلاح الإداري من أجل القضاء كليا على فكرة الحكومة الالكترونية

المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى