تحقيقات

هل أصبحت رواية دان براون أهم من لوحة دافنشي

لا يتوقف دان براون عن استخدام الأحداث البوليسية والتكنيك الروائي التقليدي المثير ونقاط التشويق التي لا يمكن إحصاؤها في الرواية بل إنه استخدم الأرقام كجزء من الخيال ..

فقد كوّن من الأعداد ( 1- 1- 2 – 3 – 5 – 8 – 13- 21 ) ليجعلها تدل على اسم لوحة ليوناردوفيبوناتشي ، فقد نجح في أن يُطعِّم خياله بألغاز حسابية لتعزيز مخزونه الهائل من شحنات الخيال المشوِّق في الرواية ؛ ولم يقتصر على الأرقام الحسابية ، بل إنه قد استخدم الحروف أيضا فالموناليزا هي ( إيزيس ) زوجة أوزوريس وهي مكونة من ESIS وجعل كل أسرار الوثائق مجموعة من الحروف تحت اسم ( SANGREAL ) كما أن القارئ الباحث عن التسلية سيقع في أسر دان براون للوهلة الأولى عندما يحاصره دان براون في متحف اللوفر ، يحاصره الكترونياًَ بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تحفظ اللوحات الثمينة ..

ومن ثم يفاجئ الكاتب القارئ بقدراته على اختراق هذه التكنولوجيا بأساليب قصصية تكنولوجية جديدة تتفوق حتى على التكنولوجيا المتطورة في متحف اللوفر ، فيقتل دان براون أمين المتحف حامل أسرار شيفرة دافنشي (جاك سونيير) بسلاح روائي جديد لا تفلح التكنولوجيا الرقمية في اكتشافه ..

ويضاعف دان براون جرعة التشويق عندما يتمكن من هزيمة أكبر رؤساء التحقيق المتمثلة في شخصية البوليس ( فاش ) على يد (صوفي ) الأنثى الصحفية التي تمكنت من إخراج الأستاذ الجامعي الخبير في الكأس المقدسة البرفسور روبرت لانغدون الذي كان على موعد مع أمين المتحف المقتول جاك سونيير ! ويغزل دان براون بمغزله القصصي أحداثا مثيرة تأسر القارئ ، مستخدما في ذلك مفاجآت لا يمكن إحصاؤها ، فالبرفسور لانغدون ينصاع لخطط صوفي ويتمكن من النجاة من موت محقق في قصر عالم الكأس المقدسة ( تيبينغ ) بعد أن يسخّر طائرته الخاصة ..

كما أن صوفي تتمكن من إخراجه من البنك الذي يحفظ أحد أهم أسرار جدها جاك سونيير وسط سرد مثير بتكنيك روائي مشوق ، يتخذ من التكنلوجيا حبكته تارة ، ومن البراعة والذكاء الشخصي تارة أخرى , أما القارئ الباحث عن المعرفة ، فهو بلا شك الهدف الرئيس لدان براون ، هذا الباحث سيكتشف بأن دان براون وإن لبس ثوب الساحر وحاول إلباس القارئين هذا الثوب وإن لبس دان براون طاقية الإخفاء الروائية ، إلا أنه لم يكن سوى عالم وباحث عظيم تمكن من فك رموز [ حجر الدين ] وفككه إلى مكوناته الأولى ليعثر من خلاله على المواد التي صنع منها هذا الحجر وعلى الآلية التي جعلت حجر الدين على شاكلته المعهودة ..

لا شك في أن القارئ الباحث عن المعرفة ستصدمه الحقائق التي نثرها دان براون في روايته عن القساوسة والكهنة ممن يستخدمون الدين لتحقيق منافعهم الشخصية بغض النظر عن قربهم من الرب أو بعدهم عنه ، وهم ما يزالون يمارسون طقوسهم حتى اليوم ..

يصف دان براون لطلاب المعرفة قلعة ( كاستل غوندلفو) وهو المقر الصيفي للبابا ، وهي قلعة تعود للقرن السادس عشر ، كانت بيت البابا الصيفي ، وفي القلعة [ المركز الفلكي للفاتيكان ] وهو أكثر المراكز الفلكية تطورا في أوروبا … ودان براون يقول على لسان البرفسور: ما حاجة الفاتيكان للمراصد ، ولماذا يدس الفاتيكان أنفه في العلوم ليخلط بين الدين والعلم ؟! كما أن دان براون يتقمص شخصية المؤرخ ليساعد الباحثين عن المعرفة وليؤرخ بداية ظهور فرسان الهيكل ممن سكنوا في اصطبلات القدس عام 1099م ليحموا الوثائق المدفونة في قدس الأقداس في الهيكل ، بعد أن سمح لهم الملك بلدوين بأن يستوطنوا المكان ، وظل فرسان الهيكل يحفرون بسرية ليحصلوا على الوثائق أو الأناجيل التي تخلص منها قسطنطين والتي تحوي الحقيقة الكاملة عن الدين ..

هل استطاع دان براون بقدراته البحثية العلمية الدقيقة التي امتطت السرد القصصي أن يرسم لنا بريشته لوحة أخرى لدافنشي ، لوحة جديدة على القارئين ؟ أم أنه أراد أن يجعلنا نعيد النظر في كل لوحات دافينشي لنكتشف ما وراء اللوحات ؟! فدافنشي لم يكن سويا ، كان شاذا جنسياً ، يعبد نظام الطبيعة ، كان دافنشي ينبش الجثث ليدرس البنية التشريحية للإنسان ..وكانت لدافنشي لغته الخاصة به ، فكان يكتب بحروف خاصة به غير الحروف المعتادة ، ولا يستطيع أحدٌ أن يقرأ حرفا من حروفه ، كان يعتقد بإمكانية تحويل الرصاص إلى ذهب ، وكان دافنشي يدَّعي بأنه قادر على أن يغُشَّ الرب وذلك بصنع إكسير يؤخر الموت .

كان دافنشي أيضاً سفاحاً يرسم أسلحة حربية وأدوات تعذيب مرعبة , وكان دافنشي أيضاً يرسم لأجل المال ، ويلبي طلبات رجال الدين ، غير أنه يشحن كل لوحة من لوحاته بسرٍِ من أسراره ، فهو عدو الكنيسة اللدود ، وتظهر تلك العداوة في كل لوحاته , ففي لوحة العشاء الأخير المعلقة على جدار كنيسة سانتا ماريا في ميلانو رسم دافنشي ثلاثة عشر قدحا ليس فيها [ الكأس المقدسة ] فالكأس المقدسة اختراعٌ اخترعه رجال الدين وهي الكأس التي تدور على الجميع ، فالكأس المقدسة إذن هي المرأة وليست الكأس .!

وسيعثر الباحثون عن المعرفة والحقيقة في الرواية على حقائق عن جمعية أوبوس داي وفرسان الهيكل ففي كل صفحة من صفحات الرواية تظهر جمعية أوبوس داي وفرسان الهيكل كرمز من رموز التشظي وأيضاً كدليل على حالة الكنيسة منذ فجر التاريخ حيث تزدهر كنائس الظل الصغيرة التي تحاول أن تظفر بالعلا والرفعة من خلال جمع عدد كبير من الأتباع والمريدين .يذكر دان براون قصة تعذيب البابا كلمنت 1307 م لفرسان الهيكل وكيف تمكنوا من تهريب وثائقهم من فرنسا إلى إنجلترا ..

ويحوصل دان براون في النهاية لطالبي المعرفة بأن البابوات والملوك ممن ركبوا عربة الدين كانوا رجال أعمال , كما أنه يتساءل عن الثمانين إنجيلا كيف أصبحت أربعة فقط … فأين الباقي ؟ ولماذا لم يبق سوي إنجيل متى – لوقا – مرقص – يوحنا ؟! لقد أحرق قسطنطين كل ألأناجيل التي لا تتماشى مع إلوهية المسيح ، فالمسيح لم يكن إلها ، فقد كان إنسانا فانيا ، فإلوهية المسيح كانت ضرورية لتوطيد الوحدة في الإمبراطورية الرومانية ولتأسيس سلطة الفاتيكان ، فلم يبق من كل الأناجيل المحروقة سوى وثائق قمران التي تتحدث عن المسيح كإنسان وليس إلها !! ولم يخف دان براون إعجابه بالمسيح يقول : كان يسوع المسيح شخصية تاريخية ذات تأثير مذهل ، فكان يمتلك الحق الشرعي في المطالبة بعرش ملك اليهود ، فهو ينحدر من سلالة سليمان وداود !كان المسيح أبا وزوجا أيضا ، وكانت مريم هي الزوجة وهي [ الوعاء المقدس] !! ولم يبخل دان براون على المثقفين الواعين بخلاصة روايته عندما أرجع الدين المسيحي إلى أصوله الوثنية فهو يقول : اختلطت الوثنية بالمسيحية ، فأقراص الشمس المصرية عند الفراعنة أصبحت الهالات التي تحيط برؤوس القديسين الكاثوليك .ورموز إيزيس وهي تحتضن وترضع طفلها حورس أصبحت هي الصور الحديثة لمريم العذراء التي تحتضن يسوع المسيح .كل الطقوس الكاثوليكية ، كتاج الأسقف ، المذبح ، التسبيح ،طعام الرب ، كلها مأخوذة من أديان وثنية قديمة غامضة !فالخامس والعشرين من ديسمبر هو ذكرى ميلاد أوزوريس وأدونيس وديونيسيوس .وعطلة يوم الأحد هي عطلة عابدي الشمس الوثنين القدماء ..

وأخيراً :

– هل تمكن دان براون من تصميم لوحة أخرى غير لوحة دافنشي ، أم أنه أضاف إليها لونا آخر وإطارا آخر ؟
– أم أن لوحة دان براون الجديدة حلت محل لوحة دافنشي في متحف اللوفر ؟
– أم أن شيفرة دافنشي ضاعفت القيمة للوحة الموناليزا والعشاء الأخير ؟
– أم أن شيفرة دان براون حفرتْ في أعماق أعماقنا مئات المواقع الأثرية المخبوءة فينا منذ الأزل لكي نكتشف أنفسنا من جديد ، ونكتشف كيف يعيش البشر حياتهم وهم منوَّمون مغناطيسياً ؟

بواسطة
لؤي أبازيد
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى