تحقيقات

أطفال عاشوا في قفص ومرحاض وشقيقتهم الكبرى خادمة لزوجة الأب

ليس بعيدا عن الجامع في منطقة الحيدرية بحلب، وضع أب بالاتفاق مع وزوجته طفلتة(م) في قفص حديدي منذ خمس سنوات، الشرطة اكتشفت الأمر وحبست الاثنين، و سلمت الطفلة إلى القضاء ليحولها بدوره إلى إحدى دور الرعاية.

في رحلة البحث عن الطفلة(م) من دار رعاية إلى أخرى، اكتشفنا بأنها ليست الوحيدة، فأشقائها (طفلين وفتاة) عانوا نفس المعاملة من قبل أبيهم وزوجته ، الأمر الذي جعل الدكتور "عمر ألتنجي " الأستاذ في كلية التربية بجامعة حلب يطالب بمحاسبتهما بشدة ورعاية الأبناء بإشراف أخصائيين تربويين لإعادة دمجهم في المجتمع .

 

 

هربت من القفص..

بعد منتصف ليلة باردة تمكنت (م) – 10 سنوات من الهروب من منزل والدها ،افترشت مدخل أحد المنازل بعيداً عن الحي، لا يغطي جسدها سوى أسمال مهترئة لا تقيها البرد، كان ذلك هروبها الأخير من منزل والدها في حي الحيدرية، حيث لن تعود إلى هناك أبدا.

صباح اليوم التالي عثر عليها " محمد خير"الذي له من اسمه نصيب، فنقلها إلى بيت شقيقه " أحمد " حيث تم " تنظيفها "وإلباسها من لباس طفلة لهم في نفس العمر قبل نقلها إلى قسم لشرطة هنانو .

الطفلة (م) قصت حكايتها على فاعلي الخير،وعلى المحققين فهي ابنة رجل معروف في الحي ،والمفاجأة كانت عندما انتقلت الدورية إلى منزل الأسرة حيث وجدت طفلين آخرين وفتاة في العشرين من عمرها يعانون ما تعانيه مريم ،من ضرب وتحقير وحبس في قفص خشبي وممارسات "سادية" تصل أحياناً إلى درجة الطعن بالسكين.

 

 

رحلة البحث..

في دار الفتاة اليتيمة كانت أولى محطاتنا في البحث عن " م " ، كان الدخول إلى الدار صعبا بسبب التشديد على التعريف بصفة الطارق الذي عليه أن ينتظر أكثر من ربع ساعة على الرصيف، وعند السؤال عن الطفلة نفت مديرة الدار وجود طفلة باسم مريم لديهم ، ورفضت التعريف باسمها، جو الدار لا يوحي بوجود أطفال،حيث يبدو وكأنه بيت مهجور، وقالت "دار الرعاية لا تستقبل إلا اليتامى دون اللقطاء أو أبناء المسجونين أو غيرهم ،وربما تكون موجودة في المجمع الخيري الإسلامي ."

 

في المجمع الخيري الإسلامي أقصى غرب المدينة كان الجو مختلفا تماما,أصوات الأطفال الذين يلعبون ويضحكون مرتفعة وفرحة,وتسهيلات لقيناها عند استفسارنا عن الموضوع ,و بالرغم من أن الجواب جاء مشابها ، لكننا علمنا أن حالة الأطفال الذين يتعرضون لهذه المواقف يحالون على الأغلب إلى دار الرعاية اللاحقة الواقعة في شرق المدينة، و التي تعنى بأبناء المسجونين،وغير المؤهلين اجتماعيا لرعاية أبنائهم.

 

 

الأخوة في دار الرعاية

بعد التأكد من وجود الطفلة (م) في دار الرعاية اللاحقة,كانت المفاجأة الكبيرة هي وجود ثلاثة أخوة معها, طفلان آخران، و فتاة في العشرين من العمر,بصحة جيدة يرتدون ملابس نظيفة،و مرتبة وكانوا قد هموا بالخروج مع رفاقهم لحضور مسرحية قبل وصولنا .

 

مدير جمعية الرعاية اللاحقة " سامي ططري " قال لسيريانيوز " أحيل إلينا الأربعة بموجب ضبط شرطة, وذهلنا جميعا لهول ما رأينا فقد كانوا في حالة مزرية جدا,تطلب تنظيفهم ثلاثة أيام , إضافة إلى الإصابات بكل أنحاء الجسم نتيجة الضرب،و مرضهم الناتج عن سوء التغذية,و الآن هم بحال جيدة نأمل أن نستطيع إلحاقهم بالمدرسة ،و هذا يتعلق فقط بالأطفال ( ر- 8 سنوات ) و (م 7 سنوات ) أما (خ) البالغة من العمر 20 سنة و (م) 12 سنة فلا تسمح أعمارهم بذلك".

و ذكر "ططري" أن العقبة التي تعترض إدخال الصغار المدرسة تتمثل في أن الأب متزوج من أمهم عرفيا و الأولاد غير مسجلين في دائرة النفوس لذلك لا بد من الاستعانة بمحام لرفع دعوة تثبيت الزواج و من ثم النسب , و بالنسبة للفتاتين " خ" تتعلم الآن في ورشة خياطة و هي تتعلم بسرعة و من المرجح أن يتم تعليم "م " الخياطة أيضا " .

 

و أشار المدير إلى أن الحالة التي عاش فيها الأولاد من التعذيب و التجويع و المرض قد انعكست بشكل واضح من خلال سلوكهم و بالأخص في سلوك أختهم الكبيرة و هذا ما أكدته المشرفة على الأطفال "أماني حمصي " التي قالت :

وقعنا في حيرة عند وصولهم فقد كانوا في حالة ذهول لا يعرفون أين هم , منظرهم و تصرفاتهم غريبة, يأكلون بنهم شديد ،و كأنهم لم يروا الطعام في حياتهم "

 

وأضافت المشرفة " الصغيران يعانيان من ضعف في النطق، و أعتقد أن ذلك بسبب الانعزال عن العالم الخارجي، و المعاملة السيئة , أما الأخت الكبيرة (خ) فهي عصبية جدا لا تسيطر على تصرفاتها ,حتى أنها تعرضت للأطفال الآخرين بالضرب و الشتم , كما كانت تفعل بإخوتها بناء على تحريض زوجة أبيها , فكانت لا تترد في ذلك معتقدة أنه الصواب ."

 

 

الضرب خوفا من الضرب

وذكرت المشرفة " أماني " أن تصرفات الشابة (خ) هي ردة فعل على ما كانت تتعرض له من ضرب و إهانة , و قد تحسن الأطفال بعد مدة خمسة عشر يوما من وصولهم للمركز و بدؤوا بالاندماج برفاقهم , فبعد توجيه العديد من الملاحظات، و تنبيههم للسلوك الجيد بدؤوا يقلدون رفاقهم في التصرفات الحسنة .

وروت (خ) لنا قصتها " تزوج أبي منذ أربع سنوات و كنت حينها لا أزال أسكن في بيت جدي و أعامل كخادمة , أتعرض للضرب و التعنيف و أشعر أني منبوذة ثم انتقلت للعيش في بيت أبي و كان الوضع أسوأ,أعباء البيت كلها ملقاة على عاتقي,أعتني بأطفاله الثلاثة من زوجته الجديدة التي كانت تضربني مع ذلك ,و تطلب مني ضرب إخوتي بحجة ضبطهم و تهددني بالتعذيب إن لم أفعل ذلك ."

و ذكرت (خ) أن ما كان يدفعها إلى ضرب إخوتها هو خوفها من زوجة أبيها,و لأنها كانت تنفذ ما تريده منها فقد سمحت لها بالأكل معهم، والنوم في فراش كما سمحت بذلك للطفل(م)ابن السبع سنوات، كونه يعتني أيضا بأطفالها، و يجالسهم عندما تخرج للتسوق .

مع ذلك فإنه لم يكن ينجو من الضرب إلا أن الطفلة ( م ) و الطفل( ر ) كانا محكوم عليهما بأكبر قدر من القسوة و التعذيب,الضرب على الرأس ( بعصا المسّاحة ) حتى الإغماء, ثم يدلق عليهما دلو من الماء ,و كان يرمى للثلاثة نصف رغيف خبز لكل واحد ,باستثناء بعض الأحيان التي كان يسمح فيها للطفل "م " بالأكل مع العائلة ( تقديرا لخدماته ).

 

 

مشاكل أسرية

يعمل والد الأطفال في بيع " السحلب " على عربة متنقلة ،عم الأطفال (و.ش) قال " لا توجد علاقة بيني وبين أخي ،و نحن لا نزور بعضنا ،ولم نكن نعر ف أنه يعذب أطفاله ويحبسهم في قفص ،و نحن لا نعرف شيء عنهم منذ أن دخل أخي إلى السجن ".

وحول عدم احتضان الأطفال بعد اكتشاف معاناتهم ،رفض العم التعليق لكن رفيق له تبرع بالإجابة "هذا يصير عندما يكفون عن تهديد بعضهم بالسكاكين " فبعد شهر من اكتشاف أمر الأطفال وسجن شقيقه (أ.ش)" تشاجر مع أشقائه الآخرين بسبب بيعه السحلب في منطقة تخص أحدهم ، وأشهروا السلاح في وجه بعضهم البعض،وادعوا على بعضهم لدى الشرطة.

"أبو حسين " من الجوار قال "لم نكن نعرف شيء عن هذا الرجل سوى أنه طلق زوجته وتزوج أخرى،وأولاده غير مهذبين وغير نظيفين "

 

بينما قال أحد أصحاب الدكاكين رفض ذكر اسمه أن ابنة جاره ( م ) سرقت أكثر من مرة وتم إخبار والدها ،و أبدى صاحب الدكان تفهمه لأن الطفل عندما يحرم من شيء سيلجأ إلى طريقة غير سوية للحصول على ما يحصل عليه بقية الأطفال وقال إنه غير منزعج من الطفلة وبالأخص بعد أن سمع قصتهم .

وأضاف كنت أحس من منظر الطفلة أنهم فقراء جداً ، و "ما شبعانين الأكل " لكني لم أتوقع أن يكونوا يعيشون بهذا الشكل.

 

 

الأطفال يرون قصتهم

بالرغم من أن (م ) تبدو متعاونة جدا و سهلة التعامل ,تتعلم بسرعة كما قالت المشرفة إلا أنها كانت تترجم تمردها على الواقع بقوة واضحة فهي من تسبب بكشف القصة عندما هربت في الساعة الواحدة ليلا و نامت أمام باب منزل المدعو " أحمد حسين" الذي سارع فيما بعد إلى إبلاغ الشرطة .

 

تقول " م " : كان أبي و زوجته يضربانا كثيرا حتى يغمى علينا , و يقيداننا بالسلاسل و كنا نجوع كثيرا , ولا نأكل غير مرة واحدة كل خمسة أيام نصف رغيف من الخبز لكل واحد , و عدة مرات هربت من البيت ظهرا عندما يكون أبي و زوجته نائمين ( باعتبار أنه كان يفتح الباب لهم أثناء تواجدهم في البيت) ,فكنت أستغل غياب أحدهم عن دكانه وأسرق الطعام و الألعاب,و عندما يعلم أبي يضربني بقسوة " .

لم يكن الأمر يحتاج إلى سبب و حجة ليقوم الأب بضربها كما تقول ففي أحد الأيام قام بإحضار سكين و هجم عليها ,حاولت مقاومته ,فأصيبت إصابة بالغة بيدها,قام على إثرها بإسعافها إلى المشفى ،وعند سؤاله عن السبب أخبرهم أنها وقعت على أداة حادة .

و تتابع " م " أنا سعيدة جدا هنا و أتمنى أن أتعلم في المدرسة " , و هذا ما تمناه الطفلان ( ر ) و ( م ) اللذان لم يستطيعان التعبير عن ذلك إلا بالإيماء برأسيهما مبتسمين .

 

 



د. ألتنجي : جريمة الأهل مضاعفة

من جهته قال الدكتور " عمر ألتنجي " الأستاذ في كلية التربية بجامعة حلب " الأولاد في هذه الحالة و معها الكثير من الحالات المشابهة يكونون ضحية أهاليهم ، وعلى المجتمع ممثلا بجهاته الرسمية أن يتدخل، و يحميهم بحرمان الآباء من رعايتهم لأنهم يثبتون عدم أهليتهم للرعاية بمفهومها الحقيقي، الذي يمنح الطفل كافة حقوقه من تعليم وحرية و حياة كريمة إضافة إلى التربية الحسنة التي تغرس في الطفل القيم الأخلاقية "

و أضاف د. ألتنجي " كلما كان التدخل أبكر كلما كانت النتيجة أفضل لأن كل صفة إنسانية لها توقيت زمني معين فبنهاية العام الأول مثلا من حياة الطفل يجب أن يتعلم الكلام و عندما يتأخر ذلك يصبح تعليمه صعب جدا لدرجة المستحيل "

و عن سلوكهم الاجتماعي قال " في هذه الحالات من الصعب اندماجهم بالمجتمع و إن كان مستحيل أحيانا , فالإنسان من طينة خيرة بالفطرة و نستطيع أن نعجنها كما نريد فإذا قمنا بعجنها بشكل سيئ تنكسر عندما نحاول تغييرها فيما بعد و هذا ينطبق بشكل أكبر على الفتاة " خديجة " التي وجدت منذ صغرها في جو سيء للغاية جعل منها كائن غير اجتماعي يصعب تغييره "

و رأى " ألتنجي " أن الحل يكمن في الإشراف على الأطفال من قبل أخصائيين يتمتعون بقدر كبير من الصبر و أن يتعاونوا مع الدار لتحقيق هذه الغاية , و يجب على الدولة أن تتخذ بحق الأهالي الذين يكونون على هذه الشاكلة إجراءات صارمة و هي أن تطبق عليهم أقسى العقوبات "

بواسطة
سي _السيد
المصدر
سيريانيوز

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. سؤال واحد يدور في خاطري ؟؟؟
    ما هو موقف القانون من هذا الاب وهذه الخالة زوجة الاب ؟؟؟؟؟
    هذا هو سؤالي فقط
    ولو كنت قاضيا لحكمت عليهم بالشنق ومابدي بعدها اي منصب يعني لو كلفتني عملي

  2. من لا يرحم لا يرحمو الواجب علىالسلطات السوريةالنظر في هذه الجريمة بعين الاعتبار و عدم اهمالها من حيث البحث عن امثال هذه الجريمة البشعة لانني اعتقد بل اجزم وجود اشنع منها في مجتمع يفتقد الى الدين و الاخلاق و المعاملة الحسنة الله المستعان على مايصف المبطلون

  3. شوووو بدي احكي مابعرف والله بس الحمد لله اللي عرفت فيهن الدولة مشان تربيهن تربية صح لأنو لو يكونو باقين بهاد الجو كنا كسبنا كم مجرم بهاد المجتمع لأنو اطفال عاشو هي العيشة اكيد رح يكونو مجرمين.
    بس الحق على الاب وهاد مو اب هاد مجرم لأنو ما في اب بيعمل بأولادووو هيك.
    الله يعينن ويصلحن

  4. ما موقف الحكومة السورية من ها الأخبار المزعجة والؤسفة والمؤلمة الرجاء تنزيل اقصى العقوبات في زوجة الأب ولأب معا بيستاهلو مؤبد مع اعمال شاقة قاسية حتى يعرفو لكل انسان حق

زر الذهاب إلى الأعلى