تحقيقات

المراهقون.. بعضهم من آثر الهرب من أحضان والديهم بحثاً عن الحرية

شقّ طريقه وسط الجموع الغفيرة التي كانت تشيّع جنازة والدته.. كانت دموعه الغزيرة قد حفرت لنفسها أخاديد على خدّيه .. صرخ بملء صوته .. ماما .. لماذا رحلتِ ؟؟

لم تكن هذه العبارة الأخيرة التي قالها ذلك الشاب البالغ السابعة عشرة من العمر ..  فلقد جثا قرب نعش والدته وأطلق العنان لقلبه لكي يخاطب روح والدته.. ويطلب منها السماح علّها تصفح عنه.. 
لم يكذب .. لم يسرق .. ولم يرتكب أي خطيئة بحقّها .. ولكن كل ما في الأمر أنه اعتقد أن والدَيه قد سلبا حرّيته ويكثران من النصائح والطلبات .. ويمنعانه من إضاعة وقته الثمين بأمور تافهة لا نفع لها .. فشعر بالظلم وقرر الهرب بحثاً عن الحرية المنشودة حسب زعمه .. 
إلا أنه لم يجد تلك الحرية الضائعة .. بل وجد مكاناً بارداً.. مظلماًً.. وقاسٍ .. حيث أنه لم يدرك إلى أين سيذهب؟؟
لكنه أدرك حينها أنه أخطأ عندما تخلى عن حضن حنون وبيت دافئ ليصل إلى حريته .. ندم .. ولكنه تأخر .. تأخر عن طلب السماح .. لقد كان خبر وفاة والدته كالصاعقة عليه .. وزاد همه هماً ..
رحلت قبل أن يراها ويقبّل يديها ويقول لها : "سامحيني يا أمي " .. رحلت وهي حزينة على ولدها.. باكيةً على تخليه عنها..
لربما أثارت هذه الأقصوصة كوامن شجنكم .. ولكن المقصود منها التعريف بظاهرة تودّ زهرة سورية إلقاء الضوء عليها .. ألا وهي ظاهرة هرب بعض المراهقين من أحضان والديهم إلى غياب القسوة والانحراف ..
إلى أين يذهبون في حال الهرب ؟؟ ما المصير الذي ينتظرهم ؟ وما هي الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى هروبهم ؟؟

رفاق السوء..

ربى ( 15سنة ) حكت قصتها بدون تردد , وأشارت إلى أن مشكلتها بدأت بعد وفاة والدها..

لافتة إلى أن حرص أمها الزائد والكلام الجارح الذي تسمعه منها دائماً هو الذي دفعها إلى الهرب بتشجيع من صديقتها التي دفعتها للكذب والهروب, وأضافت قائلة: (قلت لأمي في أحد الأيام أنني ذاهبة مع صديقتي إلى السوق.. لكنني هربت وأقمت عند صديقتي ثلاثة أيام وكذبت على أهلها حيث قلت لهم أن أهلي اضطروا للسفر خارج البلد .. ولكن اكتُشف الأمر حيث كان والدها على معرفة بعمّي وسمع الخبر منه وأخبره أنني أقيم عندهم..

عندها عدت إلى المنزل بعد أن وعدت أمي أنها لن تسيء معاملتي بعد ذلك ..

قسوة وظلم ..

أما رامي ( 16سنة ) فلهُ حكاية أخرى بدأت بعد أن انفصل والداه عن بعضهما وعاد كل منهما ليتزوج على حدة الأمر الذي أدى إلى انقطاع صلته بهما وجعله يعيش مع إخوته الخمسة في رعاية جدته ..

" فقدت الحب والحنان .. وأهملت دراستي , وسرعان ما هربت من ظلم زوجة أبي التي كانت تضربني بحجة تأنيبي " هذا ما قاله رامي , وأضاف : " اسودّت الحياة في وجهي ولم يبق أمامي سوى الفرار .. لأن الشارع أرحم من عذاب زوجة أبي.. وبصراحة لم أفكر في المشكلات التي قد تواجهني بعد الهروب.. لأن ما يهمني كان الخلاص من الظلم فقط " ..

من سيء إلى أسوأ ..

لا تبدو حكاية رنا أقل تأثيراً من سابقتيها .. فوالدها المتشدد والمتعدد الزيجات , في الوقت ذاته منعها من إكمال دراستها الثانوية وأجبرها على العيش وإخوتها مع إحدى زوجاته التي كانت تضربها وتوجه غليها الإهانات وهذا ما جعلها تفكر في الهرب بحسب ما تقول ..
وحكت لنا قصتها بعد هربها إذ قالت : " من سوء حظي تعرفت على شاب اعتقدت أنه طوق النجاة بعد أن وعدني أنه سيتزوجني فقد كان يسمعني كلام الحب والحنان .. لكنه سرعان ما استدرجني إلى بيته لأقيم معه بشكل غير شرعي وهناك وقعت في مشكلة كبيرة " ..

دوافع .. 

تقول الباحثة الاجتماعية الدكتورة جنان حسن : " تعود حالات الهروب إلى المشكلات العائلية والتفكك الأسري , طلاق الأم , تعدد زوجات الأب .. ما يجعل من بيئة البيت بيئة منفرة بحيث يشعر المراهق بالانطواء والرغبة في ترك الدراسة والمنزل " ..
وتضيف قائلة : " في هذه المرحلة الخطيرة من عمر المراهقة تتفجر مشكلات نفسية كامنة في اللاشعور وتظهر في مرحلة البلوغ , الفتيات معظمهن يقعن في قضايا أخلاقية على الرغم من توفير الأسرة لاحتياجاتهن " ..
كما تحذر من مخاطر رفاق ورفيقات السوء , وتلفت إلى أن المراهق يريد أن يلفت انتباه أسرته من خلال هربه أو من خلال القيام بأي تصرف يعتبره عقاباً للأهل وبمثابة ردّ فعل على طريقة تعاملهم معه ..

إثبات الذات ..

وعن الدوافع والأسباب النفسية التي تجعل المراهق يلجا إلى الهرب يقول الاختصاصي النفسي عادل محمد ..

" إن المراهق يحاول إثبات الذات سواء أكان في المجتمع أم أمام الأفراد في المكان الموجود فيه .. ويكون الهرب أحياناً بهدف لفت انتباه الأسر .. أو إذا كان ينتمي إلى أسرة محطمة تعاني طلاقاً فإنه يهرب منها أو ينطوي على نفسه .. وغالباً ما يكون إهمال الأسرة للمراهق سبباً للهرب مع رفاق السوء الذين يعلمونه السرقة ويدفعونه إلى الانحراف

ما العمل ؟؟ 

من جهتها تتحدث المحامية رغد سليمان عن كيفية التعامل مع المراهق في هذه السن الحرجة , فتقول .. 

" المراهق فضولي بطبيعته والأم لا تستطيع السيطرة عليه بسبب الانفتاح الإعلامي , وهي لا تحول مشاركته في ما يشاهده إنما تريد أن تطبق أسلوب التربية القديم وهذا لا يتحقق .. لأن الجيل الحالي مختلف كثيراً عن الأجيال السابقة " ..

" والمراهق يريد من يفهمه ومن يسمعه وهو يشكو همومه ومشكلاته وإلى من يقوم بمتابعة شؤونه الدراسية " .. 

وتضيف : " من وجهة نظر المراهق أنه ليس مذنباً وأن الهروب هو الطريق الوحيد أمامه , فكل ما يحتاج إليه في تلك السن هو الحرية والانطلاق , فهو يريد أن يعيش حياته على طريقته .. نحن نستطيع توعيتهم بأن الحرية لا تستدعي الهرب وأن نشجعهم على تمضية الوقت في القيام بأمور مفيدة , لكن للأسف المشاهد المنتشرة على الشاشات والتي تتعارض مع ثقافتنا وعاداتنا السائدة تجعل الكثيرين يتأثرون بها " ..

صداقة الوالدين ..

ويتحدث المرشد النفسي والتربوي محمد إسماعيل عن الدور الذي يجب أن تلعبه الأمهات في مثل هذه الحالات لكنه يلفت إلى أن المشكلة تكمن في أن الأم تكون أحياناً صغيرة بالعمر وتفتقد ثقافة تربية الأطفال بالتالي عندما تبلغ الفتاة تعاملها الأم على أنها ناضجة ومسؤولة عن تصرفاتها ويقول ..

" الفتاة تحتاج إلى صداقة الأم .. والولد يحتاج إلى صداقة الأب .. لذلك يجب تقوية الثقة بين الأهل وأولادهم ليصلوا بسلام إلى بر الأمان " ..

أخيراً ..

قبل أن تصبح هذه الظاهرة وباء تعاني منه الأسر .. يجب معرفة كيفية التعامل مع الأبناء في هذه السن الصعبة والمرحلة الانتقالية.. لكي نتقي مأساة هروبهم ونكون معهم في بناء شخصيتهم .. 

بواسطة
زينة حسين
المصدر
زهرة سورية / طرطوس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى