تحقيقات

عيد الحب في حلب.. أعاد ذكريات مزقت جروح, وواقع نأى بالمدينة عن فرح اعتبره البعض “فقط للأغنياء”

أحمد بعمره الذي لم يتجاوز الثلاثين عاماً لم يحتفل بيوم عيد الحب هذا العام مع من اعتاد الاحتفال معها, والسبب رصاصة طائشة أخذت حياة زوجته وأخذت معها السعادة التي لم يبقى لها مكان في حياته هذا ماتذكره أحمد في هذا العيد,
 يتابع أحمد ويقول " بعد استشهاد زوجتي التي اعتدت وإياها الاحتفال بهذه المناسبة بمقصف على طريق دمشق له طقوس خاصة بهذا الاحتفال, تحول هذا العيد إلى جرس كلما أتى قرع علي باب الذكريات ليعيد تمزيق جراحي التي أحدثها رحيل زوجتي وفي بطنها أول أبنائي" .
الاحتفال بعيد الحب أو مايعرف ب"الفلنتاين" في مدينة حلب لم يغب فقط عن أحمد, بل تلاشى بأجوائه المميزة التي كانت في كل عام تعم المدينة باختلاف مستوى طقوسها بين طبقة وأخرى عن ما تبقى من أحيائها, فالصراع المسلح الدائر منذ شهور في المدينة والذي أودى بحياة المئات وأجبر عشرات الألاف من سكانها على هجرت منازلهم نأى بها عن أي مظهر من مظاهر الابتهاج والفرح,لما سببه من ألم سيبقى مرافقاً لمن فقد أحد أفراد عائلته أو قطن الشارع برأي أبو علاء, كما رمت الظروف المعيشية القاسية بثقلها على من هم من الطبقة المتوسطة والفقيرة, ففي حين كان أفراد الطبقة المتوسطة كموظفي القطاع الخاص في سابقات هذا العيد يقضون وقتهم في المقاهي أو المقاصف التي تنتشر في أحياء محددة من المدينة, اكتفوا هذا العام بالاحتفال داخل المنزل بقالبً من الحلوى مع زينة بسيطة ووردة بيضاء كما احتفل هيثم وزوجته التي قالت " لم أنشر زينة عيد الحب في منزلي كالمعتاد وقد طلبت من زوجي عدم إحضار الورد الأحمر, فلم أعد أرى باللون الأحمر رمزاً للحب, بل تحول إلى كابوس يذكرنا بمشهد الدم الذي بات مسلسلاً يومياً على شاشات التلفاز الفضائيةوأبطاله هم أبناء بلدي ". ولم تختلف حركة الأسواق التي باتت محدودة في مركز المدينة في هذا اليوم عن الأيام السابقة, وغاب اللون الأحمر عن جامات محال الألبسة والأحذية مع عدد خجول من الزبائنخلافاً لما هو معتاد في كل عام, كما انخفضت نسبة المبيعات في محال قوالب الحلوى إلى أقل من النصف عن مبيعات العام الماضي, مع ارتفاع في الأسعار وصل إلى الضعف, وأغلقت العديد من محال الورود أبوابها لعدم وجود "مايباع", في حين اعتمد من تبقى منها على الورود الصناعية وبدا شبه خالي من أنواع الورود الحمراء الطبيعية كما باقي الزهور, وانخفضت نسبة المبيعات فيها إلى الربع بنصف كمية العام الماضي, أبو ظافر صاحب محل بيع ورود في الجميلية يقول "اعتمدت على الورود الصناعية لأفتح باب رزقي, ولم أتمكن من إحضار الكمية ذاتها من الورود الطبيعية التي كنت أحضرها في كل عام, لأن ماتبقى سليماً من المزارع معظمه خارج المدينة والوصول إليه شبه مستحيل ".
حال مقاهي ومطاعم المدينة التي كانت تعج سابقاً بالمحتفلين لم يختلف كثيراً عن حال محال الورود, فمنها من أغلق لعدم وجود مرتاد لها ومنها من فتح أبوابه بخجل دون بروز أي زينة . كما كان لهذا اليوم مايميزه لدى من نزح من بعض القرى المجاورة إلى المدينة, فبعضهم ممن تمكن من الوصول لقريته وجنى بعض الزهور وعاد إلى المدينة وباعها, حصد مبلغاً يصنع له غطاءً لخيمته يقيه من خيرات السماء كأبو مهران " الحمد الله اليوم رزقت بمبلغ جيد بعد أن بعت كل الورود التي أحضرته من حديقة منزلي في القرية, وهذا المبلغ يكفيني اليوم لأطعم أولادي ولأشتري سقفاً بلاستيكياً لخيمتي ". أما أغنياء المدينة فلم يختلف احتفالهم بهذا اليوم عما كان عليه سابقاً ولكنه تقيد, فبدلاً من قضاء ليلة عيد الحب خارج المدنية في الفنادق الفخمة, اقتصرت على المطاعم المرموقة والمقاهي الراقية, كان ذلك على عكس الأسر الفقيرة التي كان لزوجاها سابقاً احتفال متواضع بقطع من الحلوى وكلمات جميلة يتبادلها الزوجين, والتي ابتعدت في هذا العام حتى عن كلمات جميلة, فالبحث عن لقمة العيش والمأوى بات همها الوحيد, فهو يبكي يقول هيثم ساخراً " فالفرحة والابتسامة لم تعد بعد الآن من نصيبنا بل باتت مخصصة لمن فاضت عليه أموال الدنيا " .

بواسطة
محمود برصه مبيض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى