تحقيقات

في حلب ترى العجب .. حكومة للمواطن وحكومة للمسؤول

مازالت مدينة حلب تمر بأسوأ ازمة شح بالمياه في تاريخها المعاصر ومازالت ذات المشكلة تطل براسها و بملامحها التي لا تخطئها العين ، ونبقى نحن نحمل هم المواطن و نجأر بالشكوى،
ونضرب كفاً بأخرى دون جدوى ، ودون الوصول إلى حل جذري لقضية هي أم المشكلات على الإطلاق وخاصة اننا في فصل الصيف ، ونبدأ في تشريح القضية، وننتظر رد المسؤول دون جدوى ايضا ولا يظهر لنا أّنّ لديهم نوايا جدّية باتجاه الحلّ ، ونبحث عن الحلول ولكن كما يقال ((العين بصيره واليد قصيرة )) واولي الامر تصلهم المياه الى منازلهم فيغرقون في نوم العسل بعيدا عن هموم المواطن البائس المسكين ،والمدينة تعيش حالة يصحّ وصفُها بالمأساة الإنسانيّة بعد مرور كل هذه الفترة دون ظهور اي حلول جديدة او بديلة لحل هذه المشكلة والمسؤولين والمدراء مشغولون على كافة الصعد والقطاعات و تحت الاضواء الباهرة وفي ظل المكيفات ، والكل يعرف وعلى يقين ان المواطن صابر وسيصبر و لا يملك الا الصبر ونقل المياه تحت اشعة الشمس الحارقة .
وفي ظل الحلول الغائبة لحل المشكلة يلجأ المواطن الى الاستعانة بالعديد من الوسائل من أجل الحصول على الماء، ابتداءً بنقل المياه بالأوعية البلاستيكيّة بعد تعبئتها من ابار المياه الجوفيّة التي غالباً ما تكون مياه مالحة غير صالحة للشرب أو كلسيّة غير صالحة للاستحمام ، ويستعين البعض الى جلب صهاريج مياه كبيرة لتملأ لهم خزانات المياه، مقابل مبالغ مالية مرتفعة والازمة اخضعت سوق المياه الى نظام البورصة وحاجة المواطن هي من تحدد السعر وأصبح ( الصهريج ) للمقتدر ماديا سلعة أساسية مثله مثل الخبز والمواد الغذائية الأخرى .
وقد شهدت شوارع حلب تجمّعات للأهالي في طوابير أمام المساجد والكنائس والحدائق وبعض الفيلات التي يملك اصحابها آبار قاموا بفتحها امام ابناء جلدتهم وشركائهم في بعض الهم من أجل الحصول على الماء وهو ما يشكّل الآن الهاجس الأوّل بالنسبة للحلبيّين.
والمواطن الحلبي الذي ادمن الازمات واستطاع في الفترات السابقة من ايجاد وتأمين البدائل لحاجته من مادة المازوت للتدفئة والطاقة الكهربائية للإنارة وقف عاجزا هذه المرة ، ولم يجد سوى ترك مصدر رزقه حتى يتفرغ لنقل حاجته من المياه ، في ظل بعض الحلول المرحلية وغياب اي بارقة امل تلوح في الافق لإنهاء هذه الحالة المأساوية .
ولأننا لا نملك اي حل الا الوقوف الى جانب المواطن في محنته ونقل همومه ولان شعارنا وقرارنا منذ البداية كان الانحياز للمواطنين والوقوف معهم وسـط ‫‏خجل‬ الإعلام الرسمي من التحدث عن هذه الأزمة .‬
نزلنا الى الشارع لنتلمس همومهم ونعيش مأساتهم ووقفنا في الطوابير فوجدنا نظرات شاحبة, وكلمات ترحاب ممزوجة بشجن وحزن, وألم عميق, ودموع كبرياء وإحساس بالاضطهاد, هذا جزء بسيط مما شاهدناه أمام ناظرنا في عيون رجال ونساء واطفال يتكدسون إلى جانب بعضهم البعض يئنون من صرخات عوزهم, ويحتاجون الى من يملك قلب لاستيعاب همومهم وحل لأنهاء مأساتهم المستمرة ، ورغم خلافاتهم احيانا على الدور او الكمية الا انهم يجمعهم هم واحد قادر على ما يبدو لصهر معاناتهم توحيدهم ، ناهيك عن الخطر الذي لا يمكن لاحد ان يتوقعه حيث وصلتنا معلومات عن سقوط قذيفة بالقرب من أحد طوابير المياه امام مشفى الأندلس مما ادى الى وقوع شهداء .
وايمانا منا من ان التأمل المتعمق للمشكلة القائمة، والتعامل معها، بإشراك أصحاب الخبرة والمعرفة، في تشخيصها، وإجراء دراسات تفصيلية عنها، والدخول في مناقشات حول البدائل الممكنة للحل، ثم اختيار الأفضل والأنسب منها، على ضوء الإمكانات المتاحة مع ضرورة إحاطة الرأي العام صاحب المصلحة الأولى في الحل، والمتأثر قبل غيره بالمشكلة ووضعه بحقيقة الوضع، في وضوح تام وشفافية كاملة. وخلافا لبعض المسؤولين في مدينتنا الذين انتهجوا عادة الدوران من بعيد حول المشاكل، دون الاقتراب منها، مما يخلق شعور وهمي بأن المشكلة قد تلاشت، في عيون من ينظر إليها بهذه الطريقة، وكأنها في نظره غير موجودة، والنتيجة هي تفاقم الوضع، وضياع القدرة على الحل قررنا الذهاب الى مؤسسة المياه للوقوف على ارض الواقع لتلك المشكلة وحين وصولنا فوجئنا بمنظر طوابير المواطنين والبيدونات وكـالعـادة طوابير للصهاريج‬ التي خصصت لتنقل الماء للمسؤولين وذويهم وغيـاب كامل لسيارات الإطفاء والدفاع المدني والتي كان من المفترض ان تنتشر لتلبي حاجة المواطنين حسب الوعود السابقة .
دخلنا لمؤسسة المياه علنا نلتمس حل للمشكلة ولعلنا نرى بارقة أمل او تدخل للمؤسسة تجاه المشكلة وخاصة بعد تصريحات العديد من المسؤولين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بعد زيارته الاخيرة الى حلب .
وبدخولنا اسوار المؤسسة و احد المكاتب للسؤال والاستفسار علنا نجد بصيص امل اصابتنا الدهشة والاستغراب وانطبق علينا المثل القائل ( بما انك بحلب فسترى العجب )
مشهد بعيد كل البعد عن مشهد الطوابير البشرية والاقتتال بالخارج والتدافع بين البشر و البيدونات مشهد ابطاله مجموعة من الرؤساء والمدراء التفوا حول طاولة فرشت عليها اورق الشدة او (السكنبيل ) كما يحلو للحلبيين تسميته ، وربما لأنك تعرف الاشخاص تزداد مأساتك ، فالمجموعة المتحلقة حول الطاولة للعب الورق و التي كان يجب ان تكون طاولة لبحث حل للازمة تضم رئيس الشبكة – رئيس محطة التعقيم – مدير الوحدات الاقتصادية – رئيس محطة تشرين مدير مكتب الضخ ، فتخيل معنا يرعاك الله هول المشهد حتى هول الصدمة والمفاجأة التي عشنها ، خلية لاهم ازمة تحولت الى شله للعب الورق .
وتحملنا هول المشهد وسألنا السادة المدراء هل هناك اجراءات او قرارات او افكار جديدة او بوادر لحل ازمة المياه ؟.
كان الجواب وباستخفاف ليس لدينا أي حل واذا كان المواطن بحاجة للماء عليه ان ينتظر حتى يأتي دوره بالضخ ، واذا كان مستعجل عليه ان يحضر ما يراه مناسبا ويقوم بتعبئة المياه من المناهل بالخارج ، واستطرد احدهم قائلا اذا كنت تريد الحل فالحل عند حكومتك وعليها ان تخرج المسلحين من محطة سليمان الحلبي حتى نستطيع ايصال المياه الى المواطنين .
جواب يشعرك باستهزاء من يرد عليك بك وبالحكومة ويشعرك بحجم المأساة التي وصلنا اليها ويضعك اما سؤال صعب هل حكومة المواطن غير حكومة المسؤول .
سألت ذلك السيد يا هل ترى حكومتك انت سمحت لك بلعب الشدة في مكاتبها على انها مقاهي تسلية؟؟ ،فكان الجواب نحن خارج الدوام ويحق لنا ان نفعل ما نشاء .
مشهدان متناقضان وقعت عليهم العين يضعان المرء امام حجم المأساة التي وصلت اليها الامور ويجيبك على سؤال صعب ربما بحثت عن اجابته كثيرا (كيف وصلنا الى ما وصلنا اليه ) ولكنه يضعك امام معادلة اصعب ربما تحتاج الكثير من الوقت ليستوعبها عقلك ، مواطن يقف بالطوابير تحت شمس تموز الحارقة للحصول على قطرة ماء ومسؤول حوّل مكاتب الدولة الى مقاهي وتصله المياه الى منزله . وسؤال جديد يبحث عن اجابه هل حكومة المواطن غير حكومة المسؤول . اخي المواطن : انك بحلب فلما العجب

بواسطة
مروان ساروخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى