صدى الناس

تأخروا عن مدارسهم، فكانت العدالة لهم بالمرصاد

للوهلة الأولى، قد يبدو لكم العنوان غريباً، وذو معان غير مترابطة ولكني أؤكد لكم وعبر آلاف الكيلومترات التي تفصل بيني وبينكم بأن الواقع قد قام بربط هذه العبارات ببعضها على يد مربي أجيال صالح بالتعاون مع عين القانون الساهرة والتي لا تعرف النوم
نعم يا اخوتي، لم تعد هناك أية جريمة قتل ولا سرقة. لم يعد هنالك موظف مرتش، لامحسوبيات ولا واسطات، لم يعد هنالك من فساد في المدينة الفاضلة، فحان الوقت للتفرغ لأبنائنا في المدارس كي نعلمهم قواعد السلوك الحسن.
قد يتسائل أحدكم، وما هو سوء السلوك الذي يرتكبه أبناؤنا في مدارسهم؟؟ ان الجواب وببساطة شديدة يتلخص في عملية تأخرهم عن بداية الدوام المدرسي. نعم ان هذا التأخير لفتيان في مقتبل أعمارهم هو ليس الا بداية لعملية تهرب و مماطلة في أداء المسؤوليات التي قد توكل اليهم في المستقبل
ما هو الحل اذاً لهذه الظاهرة المرعبة؟ هذه الظاهرة التي تؤرقنا ليل نهار، قد أصبحت عادة مألوفة في مدينتنا. لقد حاول الأساتذة والموجهون والمدير كل الوسائل السلمية الممكنة لردع هذه الظاهرة، ولكن جهودهم قد آلت الى فشل ذريع
و بعد تفكير و تمحيص شديدين، توصل مدير احدى المدارس المعروفة في مدينة السلمية بمحافظة حماه، الى فكرة جبارة، نعم لقد توصل اليها هذا الجهبذ العبقري العظيم. فبعد أن فكر ملياً بالأمر، وبعد أن تأكد من انعدام الحلول، تذكر فجأة مركز الشرطة: (أجل ان الشرطة في خدمة الشعب، و كوني مدير فأنا مواطن، والمواطن من الشعب، اذاً الشرطة هي موجودة لخدمتي). تلك هي الأفكار التي راودت ذلك الفيلسوف العظيم عندما قام بمنع الفتيان المتأخرين عن الموعد الرسمي لبدء الدروس من الدخول الى المدرسة. قلة من هؤلاء الفتيان كانوا أذكياء، فاعتبروا هذا الطرد بمثابة تصريح رسمي لهم من ممثل النظام التربوي في مدرستهم، فحملوا حقائبهم على ظهورهم واتجهوا الى أطراف المدينة لينفثوا همومهم ويفرجوا عن كربهم بتدخين بعض السجائر ريثما ينتهي الدوام المدرسي، ويعودوا الى أهاليهم كعودة أي تلميذ قد قضى يومه في المدرسة (لا مين شاف، ولا مين دري). أؤكد لكم ثانية يا اخوتي بأن هؤلاء التلاميذ كانوا أذكى من غيرهم. ولكن من هم غيرهم؟؟ ان غيرهم هم أولئك الطلاب الذين بقوا بجانب أبواب المدرسة بانتظار رحمة المدير، عله يرأف لحالهم ويقبل منهم اعتذاراً أو تعهداً خطياً، أو حتى استدعاء أولياء أمورهم. ولكن لا وألف لا، ان هذا المدير رجل صارم ولا يقبل المفاوضات، فان هذا الأمر قد ينقص من هيبته أمام زملائه من مدراء المدارس الأخرى، فم يعرف! ربما سيعتبر المدراء الآخرون بأن هذه المفاوضات ليست سوى تعبير عن عجزه عن حل الأمور يشكل فردي. وتتالت الأخبار الى ذلك العبقري بأن هؤلاء الفتيان مازالوا مصرين على مواقفهم وينتظرون سماحه لهم بالدخول، فأرسل لهم التهديد التالي عبر الوسطاء: (ان لم ترحلوا فوراً من هنا، فاني سوف أتصل بالشرطة للقبض عليكم). ولكن هؤلاء الفتيان ظنوا بأن المدير يحاول اخافتهم بأساليب تستخدم مع أطفال دونهم سناً، فهم يعتبروا أنفسهم كشبان في الخامسة عشرة والسادسة عشرة من أعمارهم، قد توصلوا الى مستوىً من الوعي يؤهلهم للتميز بين الترهيب الخيالي وبين منطق الواقع. ثم جاءهم الانذار التالي وتجاهلوه أيضاً. هنا اشتعل غضب المدير، واعتبر مجرد بقائهم أمام الأبواب هو بمثابة تحد لقراراته، وعدم تصديق لقدراته، فثارت ثائرته واتصل بقسم الشرطة (وللأمانة فان الشرطة لم تكن تعرف السبب الحقيقي لطلب المدير هذا، والدليل على ذلك هو النقاش الذي دار بينهم وبين الطلاب في المخفر). نعود الآن الى هؤلاء الطلاب الذين كانوا بموقف المصدق والغير مصدق لما يحدث، فقد جاءهم الخبر التالي: (ان الشرطة قد وصلت، فسارعوا بالهرب)، ولكونهم لم يكونوا يوماً من أصحاب السوابق، فلم يفهموا المغزى من ذلك القول، فتجمدوا بأماكنهم مذعورين، واستسلموا لارادة العدالة، وتحملوا ما يمكن أن يتحمله كل متهم حتى تثبت براءته من قبل بعض العناصر الذين لم يكونوا على علم بالسبب الذي يدعوهم للقبض على هؤلاء الطلاب المجرمين
و ما ان وصل الطلاب الى القسم حتى صرخ أحد العناصر: (خذوهم الى النظارة)، هنا سمعهم المسؤول المناوب، فصرخ بعناصره: (الى أين تأخذونهم يا …)، فقالوا له: (الى النظارة يا سيدي، فهؤلاء هم الطلاب الذين اتصل بنا مدير مدرستهم من أجل تأديبهم)، هنا استدعى المسؤول الطلاب، وسألهم عن سبب وجودهم، فشرحوا له القصة، فاستدعى على الفور مديرهم، ولم يعلم الطلاب ما دار من حديث بين المسؤول والمدير. ثم قام الشرطة بالاتصال بأهالي الطلاب لاستدعائهم من أجل أخذ أبنائهم الى منازلهم: طبعاً أترك لكم أعزائي القراء تصور ردة فعل الأهل عندما يعلموا بوجود أبنائهم في قسم الشرطة من دون معرفة السبب!!
عاد المدير الى مدرسته مزهواً بنفسه، نافخاً صدره، ورافعاً رأسه، كيف لا!! وقد حقق نصراً عظيماً على هؤلاء الطلاب، الذين أيقنوا الآن بأن مديرهم يقول مايفعل، وويل لمن يفكر مجرد تفكير بمفاوضته على قراراته
و عاد التلاميذ الى منازلهم بقمة الندم، لم يك ندمهم على تأخيرهم عن المدرسة، ولكن على غبائهم الذي دفعهم للاصرار على طلب الصفح والمغفرة من المدير، فلقد أضاع كل منهم فرصة تنفيث علبة من السجائر في جو هادئ على أطراف المدينة، بتصريح شبه رسمي من المدير، ودون علم من أهاليهم
أعزائي الأهالي، ان شعرتم بأن أبنائكم قد تأخروا عن دوام المدرسة المقصودة، فأوصلوهم الى قسم الشرطة فوراً أو اشتروا لهم بعض السجائر و أوصلوهم الى أطراف المدينة، عسى أن توفروا على أنفسكم وعليهم عناء الطريق مرتين
أعزائي المدراء، ان شعرتم بأن زمام أمور الادارة في مدارسكم تكاد أن تفلت من أيديكم، فوفروا على أنفسكم عناء التعب والتفكير، واتصلوا بمدير المدرسة المقصودة أعلاه، فهو سوف يدلكم على الطريقة الأمثل لردعهم
أعزائي القراء، شكراً لتحملكم عناء قراءة هذه القصة الواقعية

المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى