تحقيقات

مشاريع أنان… ولعبة الوقت الضائع

ماذا يريد كوفي انان من الاصرار على متابعة دوره كوسيط دولي وعربي في الازمة السورية، بعدما أثبتت مرحلة اعتماد المراقبين الدوليين للاشراف على تنفيذ خطة النقاط الست فشلها الذريع؟ وهل يمكن ان تؤدي مقررات اجتماع جنيف الدولي الى نتائج ايجابية على طريق انشاء
حكومة انتقالية، في الوقت الذي يستمرّ فيه تصاعد العنف وتعميمه الى العاصمة دمشق وريفها المباشر، والذي وضع البلاد على شفير حرب اهلية شاملة؟
في محاولة للبحث عن جواب على السؤال الاول يمكن ادراج مجموعة من الملاحظات حول خطة أنان الاولى، وحول الظروف والاسباب التي افشلتها، وابرزها:
اولاً: شكلت خطة النقاط الست مقاربة «طموحة» لانهاء الصراع المسلح بين النظام والمعارضة دون ان تأخذ بالاعتبار مدى التعارض بين اهداف الفريقين، حيث باتا يقفان على طرفي نقيض في رؤيتهما لمستقبل سوريا، بين ان يستمر بشار الأسد في السلطة، او ان يسقط او يتنحى بما يفتح الطريق امام نظام ديموقراطي تعددي. لم تقتصر الخطة على بند تحقيق وقف لاطلاق النار، بل تعدت ذلك لمطالبة النظام بسحب قواته المسلحة من المدن والاماكن الآهلة، وهذا يعني بالنسبة للرئيس الأسد فتح المجال امام المعارضة للسيطرة على جميع المدن، واحتلال جميع المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية من قبل جماهير المعارضة، وبالتالي تحقيق هذه المعارضة لكل اهدافها لاسقاط النظام دون اي جهد او عناء. كان يمكن ان يؤدي تنفيذ المبادرة الى سقوط النظام قبل بدء الحوار والعملية السياسية التي نصت عليها الخطة في اخر بنودها.
ثانياً، اراد النظام السوري من خلال اعلان قبوله بخطة أنان وبدخول المراقبين الدوليين الى سوريا ومباشرة عملهم الميداني اظهار قدر من المرونة مع هذا القرار الدولي الجامع، والذي صدر بدعم من مجلس الامن، شارك فيه حليفيه الاساسيين الصين وروسيا. ولكنه كان يدرك صعوبة تنفيذ الخطة، وخصوصاً بندها الاول الذي ينص على وقف تام لاطلاق النار في ظل عدم وجود آلية فصل بين المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة وبين خطوط انتشار قوات النظام التي تطوّق هذه المناطق في حمص ودرعا وادلب وغيرها، ويمكن الاستنتاج بأن النظام قد عوّل على ان تحول التعقيدات الميدانية و المخاطر التي يواجهها المراقبون في مهماتهم لاستطلاع ما يجري على جبهات الاشتباك، دون امكانية استمرار المراقبين في مهماتهم الميدانية، وبالتالي اعلان وقفها بقرار ذاتي، يوافق عليه انان شخصياً.
ثالثاً، من المؤكد بأن انان لم يتفاجأ بقرار الجنرال روبرت مود بتجميد مهمة المراقبين، وذلك على خلفية معرفته العميقة بطبيعة النظام السوري وقدرته على المناورة، وجمع التناقضات، على ان يستعمل الوقت المتاح لاعادة فرزها، واستعمالها لصالحه في الوقت المناسب، ووفق اجندته القائمة على تخويف اللاعبين الآخرين من السقوط ضحية المجهول او البديل الاسوأ. ويدرك أنان، منذ بداية قبوله لمهمته، وذلك استناداً الى خبرته في معالجة الازمات الاقليمية الاخرى عندما كان اميناً عاماً للامم المتحدة بأن الخلاف الدولي داخل مجلس الأمن حول ما يجري في سوريا يجعل من المستحيل امكانية نجاح اية مبادرة ديبلوماسية او عسكرية، وبأن اية مبادرة يمكن ان يعتمدها أنان لن تتعدى كونها محاولة لكسب الوقت، واتاحة الفرصة لمزيد من المشاورات الدولية والاقليمية من اجل ايجاد ارضية صالحة لقرار يتخذه مجلس الامن تحت الفصل السابع يشكل ايذاناً ببداية الحل المنشود. لكننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن امكانية تحقيق مثل هذا التوافق الدولي في المستوى المنظور، وهذا ما أكدته التناقضات التي عبّر عنها كل من وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف اثناء وبعد اجتماع جنيف يوم السبت الماضي.
بعد وصول خطة النقاط الست الى الحائط المسدود وبعد خيبة الأمل الذي اصيب بها فريق المراقبين الدوليين، لماذا يستمر أنان في الاصرار على ايجاد مقاربة جديدة لتنفيذ خطته؟
من المفترض ان يكون انان قد ادرك سواء من خلال احتسابه اثناء المحاولة الاولى، او من خلال مشاهدات وتحقيقات واستنتاجات المراقبين الدوليين بأن الرئيس الأسد قد قرّر الاستمرار في معركته ضد المعارضة الى حين استئصالها، وبأنه يعتبر بأن نظامه قد انجز كل الاصلاحات السياسية والدستورية اللازمة، وبأنه لن يهادن الارهابيين والمجرمين، وهو لن يدخل معهم في اي مساومة او حوار. هذا ما اعلنه الرئيس الأسد في خطابيه امام مجلس الشعب الجديد، وامام الحكومة الجديدة.
في تحليلنا لمقررات اجتماع جنيف الاخير نرى بأن الامر لا يتعدى كونه محاولة جديدة، ولكن غير مقنعة، لتمديد مهمة انان، وهي ستؤدي الى اعطاء النظام المزيد من الوقت من اجل اعادة سيطرته على بعض المدن والمناطق الخارجة عن سلطته. فالمقررات ما زالت تعكس غياب التوافق الدولي والاقليمي للبحث جدياً عن حل ملزم للنظام والمعارضة لوقف العنف. كان من الواضح من خلال التعارض الكلي بين الموقفين الروسي والاميركي بأن هذه المقررات لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، وبأنها لن تؤدي الى اية نتيجة ايجابية على المستوى الميداني او على المستوى السياسي، بما فيها افساح الفرصة امام المراقبين الدوليين لاستئناف مهماتهم.
لم تترافق المقررات مع اية آلية تسمح بتنفيذها، بالاضافة الى ان الحديث عن تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة والنظام من الذين لا تثير مشاركتهم اية اعتراضات او ادانة على اعمال ارتكبوها( هو كلام نظري، وهو أقرب الى الأمنيات منه الى المقاربة الواقعية في ظل التعقيدات السياسية التي يمكن ان يولدها بقاء الرئيس الأسد في موقعه، مع كل وشائج الولاء والارتباط المباشر لجميع الاجهزة الامنية والقيادات العسكرية به بصورة مباشرة. نحن نعرف كما يعرف أنان ولافروف وغيرهما الصلاحيات الامنية المطلقة التي يملكها الرئيس، ومن هنا فان الأمل بتشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات هو حديث «خرافة يا ام عمرو».
في الاستنتاج العام لن تكون مهمة انان في المرحلة الجديدة سهلة، ولن يكون مصيرها بأفضل من مصير سابقتها، وان كل المعلومات المتوافرة تؤشر الى رغبة الطرفين في الاستمرار في المواجهة الراهنة، لا بل تسعيرها بهدف حسمها لصالح احدهما، خصوصاً بعدما اشتد ساعد المعارضة من خلال الاسلحة والاموال التي تتلقاها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى