مقالات وآراء

مخاوف جدية من عمليات اغتيال سياسي في سورية

اصدار الرئيس السوري بشار الاسد مرسوم تشكيل لجنة التعديلات الدستورية وتحديد مهلة اربعة اشهر لانجاز عملها، مؤشر لا يقبل اي التباس حول اطمئنان النظام السوري لمسار التطورات،
ودليل على ان عامل الوقت لا يعمل ضده، وهو يريد من خلال هذا الامر ايصال رسالة الى من يعنيهم الامر في الداخل والخارج الى ان الاصلاحات مستمرة بسرعة وليس بتسرع،ووفق اجندة السلطة وتوقيتها بعيدا عن مواعيد يضربها البعض وتتحدث بتفاؤل عن قرب سقوط النظام.
اهمية الحديث عن عامل الوقت في الازمة السورية مهم للغاية، لان الجميع في سباق مع الزمن لتحقيق المكاسب على الارض قبل الاضطرار للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد،او التفاوض من تحت الطاولة، على اعادة ترتيب المنطقة التي لا يمكن ان تحتمل حالة الا استقرار مدة طويلة، خوفا من خروج الاحداث عن سيطرة كافة القوى المعنية في نهاية المطاف بالتعامل مع الوقائع ووفق منطق حماية «المصالح» او ما تبقى منها، وهذا الامر لا يمكن ان يحصل دون اعادة فتح قنوات الاتصال مع القوى التي اثبتت قوتها على الارض واثبتت ايضا انه يصعب تجاوزها في اي ترتيب جديد للمنطقة.
ولكن هل وصلت القوى الغربية ومن معها من دول عربية داعمة الى قناعة نهائية بضرورة عدم الرهان على سقوط النظام السوري واضعاف الموقف الايراني وموقف حزب الله والتسليم بان «اللعبة» قد انتهت؟ لا يبدو كذلك، ولكن الامور وصلت الى المرحلة الاخيرة من الرهانات، ووفق معلومات موثوقة مستقاة من اوساط مطلعة على مسار الاحداث، هناك نصائح جدية قدمت من اجهزة استخبارات غربية وعربية وتركية بعدم الاستعجال في فتح بازار التفاوض لان الرهان على سقوط النظام السوري لا يزال قائما وخلال فترة وجيزة لن تتجاوز عيد الاضحى الشهر المقبل.
هذه التقارير تشير الى استمرار الضغوط على وتيرة مرتفعة في هذه المرحلة على النظام السوري وعدم اعطائه اي اشارة على وجود تسليم بأنه خرج من «عنق الزجاجة»، لان تطورات غير محسوبة وغير متوقعة مرجحة ان تحصل في الفترة الفاصلة التي لا تتجاوز الشهرالواحد، وذلك بالتزامن مع تصعيد الموقف تجاه ايران،في رسالة واضحة الى ان زمام المبادرة لا يزال في يد هذه القوى التي تملك الكثير من الاوراق غير المستخدمة بعد، وهي في طور العمل على تسريع الضغط من خلالها لحسم الامور على الارض.
فما الذي يمكن ان يقلب الطاولة خلال هذه الفترة الوجيزة؟ وما الذي يمكن ان يغير مجرى الاحداث بهذه الطريقة الدراماتيكية؟ هل تسريب هذه المعلومات جزء من الحرب النفسية على النظام في سوريا؟ ام ان لها حيثيات يجب الركون اليها وعدم اهمالها، والتعامل معها بجدية مطلقة؟
المرحلة الراهنة «لا تحمل اي نوع من المزاح والاهمال»، لاي معلومة مهما بلغت درجة مصداقيتها،تقول اوساط معنية بمتابعة هذا الملف، وهي تشير الى ان هذه المعلومات لم تكن مجرد تسريبات مستقاة من مصادر غير موثوقة، ولكنها خلاصات تقارير وضعت من قبل اكثر من جهة تعمل على زعزعة الاستقرار في سوريا ولذلك يجري التعامل معها بجدية تامة، رغم غياب المعطيات الموضوعية على الارض والتي لا تشير الى امكانية حصول تدهور دراماتيكي في الازمة السورية، حيث يحقق النظام المزيد من النقاط على حساب خصومه، وبات يتحكم بالكثير من مفاصل الازمة، واستعاد المبادرة التي فقدها في الايام والاسابع الاولى لبدء الاحداث.
وفي السياق نفسه لا يبدو ان الرهان على حصول انشقاق كبير في الجيش السوري في مكانه، فقيادات الجيش وعناصره اثبتت ولائها للنظام، والمنشقين ليسوا الا افراد غير مؤثرين في مجرى الاحداث ولا يمكن التعويل عليهم لقلب الطاولة، وتفيد المعطيات الحسية ان هذا الوضع غير قابل للتغيير في المدى المنظور، وغير المنظور»، و«لو بدا تشتي غيمت»، اما الرهان على خروج المدن الرئيسية على السلطة فيبدو رهانا على سراب لان الاصعب قد تم تجاوزه، واثبتت تطورات الاشهر القليلة الماضية ان نقطة قوة النظام تكمن في الدعم الشعبي الواضح الذي لا يزال ملتفا حوله، وهذا الامر هو ما يؤخر حصول المجلس الانتقالي السوري على اعتراف دولي به والاكتفاء باعطائه ترحيب خجول، فهو لا يملك الارض ولايحظى بدعم شعبي وليس هناك اجماع حوله من قبل اطياف المعارضة . ولذلك لا يبدو قادرا على تنفيذ الانقلاب المطلوب في الداخل السوري.
ومن خلال وضع هذه المعطيات على طاولة «التشريح» يظهر بوضوح امساك النظام السوري بالوضع الداخلي، ولا يبقى امام خصومه سوى الرهان على حرب اهلية في الداخل، او تدخل عسكري خارجي، وهذين الخيارين لا ترى المصادر نفسها انهما واقعيين،لان الحرب الاهلية اذا ما وقعت، وهي مستبعدة بعد القضاء على غالبية المجموعات المسلحة الفاعلة على الارض، فان نتائجها لن تكون سقوط النظام وانما حرب مفتوحة دون حدود زمنية او جغرافية،يعرف الجميع كيف تبدأ ولا احد يعرف كيف ستنتهي، اما التدخل العسكري الخارجي فهو ليس على اجندة القوى المناوئة لسوريا لان ظروفه غير متوافرة، لان الحصول على غطاء الشرعية الدولية غي متوفر في مجلس الامن نتيجة الموقف الروسي والصيني، كما يدرك الجميع مخاطر هذه المغامرة، فالغرب غير جاهز لهذه الخطوة واسرائيل غير قادرة على ذلك، وتركيا لن تدخل في هذه المغامرة غير المحسوبة، وقد سمعت كلاما ايرانيا واضحا في هذا السياق، العراق موقفه واضح والاردن اخذ مسافة من الاحداث، اما القوى المناوئة في لبنان فهي غير قادرة على حماية نفسها، وبالتالي لا يعول عليها لاحداث اي تغيير دراماتيكي على الساحة السورية.
اذا على ماذا تراهن هذه القوى؟ وما الذي تبقى لها من اوراق؟ باختصار… «العمليات القذرة»، وهي تسمية يطلقها العاملون في مجال الاستخبارات على عمليات الاغتيال السياسي، حيث يصبح التخلص الجسدي من العدو اقصر الطرق لتحقيق الانتصار عليه، ومحاولة اغتيال الرئيس اليمني علي عبدالله صالح تشــكل النموذج الاكثر تعبيرا عما يمكن ان تصل اليه الامور اذا ما وجدت القوى المناوئة للنظام الســوري ان لا حل لمشــكلتهم المستعصية الا بالتصفية الجسدية لاركان النظام، وهذا سيكون تطورا خطيرا ولكنه غير مستبعد، وقد لا يمكن تحقيقه بسهولة، لكن النقـــاش اليوم ليس في القدرة على التنفيذ، لكن وجود النية يتطلب الحذر وزيادة الحيطة ورفع مستوى الاستعداد لان اكثر الاوقات خطورة هي «ربع الساعة الاخيرة»، وهذا الامر تدركه جيدا القيادة السورية والحــلفاء في المنطقة، ولذلك فان الكثير من الاوراق لم يتم استخدامها بعد «وكل شيء بأوانه احموا بشار الاسد».

بواسطة
ابراهيم ناصرالدين

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. سيبقى الاسد .. وستبقى سورية .. قليلاً من الصبر .. وسترون سورية دول عصرية .. وسيتمنى العالم الحصول على الجنسية السورية .. فقط انتظروا قليلاً . محب بشار الاسد

زر الذهاب إلى الأعلى