ثقافة وفن

(الخط والزخرفةالإسلامية) معرض يدافع عن هويةالخط الدمشقي

اعتمد الفنان هيثم قسومة في معرضه الذي افتتح أمس في صالة ثقافي كفرسوسة على عدد كبير من الخطوط أبرزها
خط الثلث الجلي والثلث المصحفي والنستعليق الفارسي معتمداً على ميزان عرض الحرف وقياسه وفق المدرسة الفارسية الدمشقية التي كان رائدها الخطاط الدمشقي العريق بدوي الديراني كما استخدم الفنان خط الثلث على الطريقة التركية المركبة.

وضم المعرض أكثر من 28 لوحة اختصت كل منها بموضوع ضمن الإطار الصوفي الإسلامي كلوحة /آخر الزمان/ التي تناولت موضوعاً توجيهياً أخلاقياً لما يوحي إليه هذا الزمان المضطرب إضافة إلى لوحة /درء الفتنة/ والتي اعتمدت على التركيب الكلاسيكي المنهجي للخطوط متكئاً على جمالية موضوع النص القرآني مزاوجاً بين الفهم الجمالي والبصري للزخرفة الإسلامية.

كما تميزت اللوحات باستخدام زخارف ناعمة تحيط بالخط الخشن منعاً للتشويش على بصر المتلقي بغية الوصول إلى عمل فني متكامل تتوافق فيه الكتل الخطية مع الكتل الزخرفية وفق تناغم لوني زخرفي خطي.

وتعتمد الأعمال الفنية في المعرض على تناسق الألوان للخروج من باطن اللوحة إلى إطارها الزخرفي عبر استخدام الإيحاءات المؤثرة كالأرضيات الحمراء والسوداء وهبوط الحروف من السماء وصعودها من الأرض التي أوضحها الفنان في لوحة /الشرائع/ التي قارنت بين شريعة الأرض وشريعة السماء فالأولى كئيبة مظلمة متلاطمة بشكل غير نظامي والثانية منسقة بألوانها الخضراء.

وتميزت من بين اللوحات الثمانية والعشرين لوحة /الواقعة/ التي دمج فيها الفنان قسومة بين أربعين آية من السور القرآنية الكريمة ركبت بألف ولام مشتركة بالخط الكوفي بغية اختصار المساحة على سطح اللوحة وإقامة علاقة فنية شديدة الجمال رائعة الاتساق لتتداخل الحروف حرفاً من خلف حرف وذلك وفق تقنية الخط الكوفي السلجوقي والخط الديواني للوصول إلى غابة من الحروف التي تضافرت وتناسقت لإبراز المعنى القرآني وجلالة القول الإلهي.

واتسمت اللوحة السابقة باعتمادها على الخط الديواني الذي خفف ببساطته من الفخامة ما أشاع توازناً وسكينة في نفس المتلقي ناقلاً ثقلاً بصرياً مريحاً مستخدماً الحرف الكلاسيكي للتعبير البصري والمعنوي في آن معاً.

وقال الفنان قسومة في تصريح خاص لسانا: إن إقامتي لهذا المعرض نابع من رغبة شخصية في إثبات حيوية الإنسان السوري رغم الأزمة التي يمر بها حيث أثبت هذا الإنسان أنه قادر عبر ثقافته وحبه لوطنه أن يقدم الكثير لأهله وأرضه مهما بلغت التحديات.

وأوضح الخطاط السوري أنه مزج بين لوحة الحروفيات واللوحة الكلاسيكية التي لطالما رافقتها الزخرفة بصورة محدودة وبشكل طفيف للغاية أما ما يميز اللوحة التي يقدمها اليوم هي أنه اختار زخارفه بشكل دقيق لتتواءم مع نوعية الخطوط العربية الإسلامية فالخطوط البسيطة رافقتها زخارف شديدة التعقيد أما الخطوط المعقدة فرافقتها زخارف سهلة بسيطة لكن في هذه وتلك كانت الزخارف كثيفة وتعتمد على منهجية علمية للعمل الفني الزخرفي يساعد على إبراز الكتابة لا التشويش عليها.

وأوضح /قسومة/ أن معرضه يختص بالزخرفة الإسلامية الشامية ونستدل على ذلك من خلال اختلاف ما يقدمه عن أنواع الزخرفة الفارسية والتركية معتمدة على الذوق العربي الخالص بعيداً عن الاقتباسات الأعجمية للوصول إلى شخصية الخط العربي الدمشقي.

وبين الخطاط الدمشقي أن واقع الزخرفة اليوم يواجه أزمة خطيرة للغاية تتمثل في دخول متطفلين على هذا الفن يستقون أعمالهم من قوالب جاهزة يأخذونها عن ما هو موجود في السوق على الأقراص المدمجة دون الرجوع إلى أصول هذا الفن ومراجعه وهوءلاء تقنيون أكثر منهم فنانون يعملون على خلط أشكال ومناهج متعددة على نحو فوضوي إذ ترى في أعمالهم دمجاً بين الأنواع الفارسية واليونانية والأندلسية وبدون دراية بقدسية هذا الفن وخصوصيته الجمالية والفكرية.

وأضاف /قسومة/ أن هناك من الذين يشتغلون على الربح التجاري من هذا الفن معتمدين على كثافة بصرية دون موضوع نظامي ومع أن فناني الخط يتبعون لاتحاد التشكيليين السوريين والتشكيليين العرب إلا أن هذه المؤسسات لا تقوم بدورها لحماية فن الزخرفة الدمشقية الذي يتعرض اليوم لهجمة شرسة من مدعي الفن وتجاره ما يتطلب قرار بهذا الشأن يمنع قراصنة الزخارف الإسلامية من الإساءة إليها وإضاعة هويتها.

وقال /قسومة/ في معرض حديثه عن أهمية دعم فناني الخط والزخرفة الإسلامية إن هذا الفن اليوم بحاجة إلى دعم ورعاية من مؤسسات الدولة بحيث نصل إلى صيغة جديدة في دعم الفنانين وإقامة المعارض السنوية والفصلية كما هو حال فناني البلاد المجاورة الذين خصصت لهم رواتب وأجور حمتهم من الانزلاق نحو الذوق التجاري وأخلاق السوق التي لا ترحم أحداً.

وأضاف هذا الخطاط الدمشقي: إن هناك اليوم عدة مدارس فنية في الزخرفة الإسلامية فهناك من خلط الزخرفة بالخط بشكل غير نظامي وغير متوافق أما المدارس الحقيقية الملتزمة بالمنهج العلمي فلم يخلطوا الحروفيات ببعضها إلا من خط واحد ووفق انسجام وقواعد وتقاليد اعتنت بميزان الحرف ما يسهم بالابتعاد عن الخلط الذي يجري اليوم بين عدة حروفيات كالكوفي الأندلسي والثلث الريحاني والفارسي التي تتناقض مع بعضها البعض ولا تؤدي دوراً جمالياً مهما كان الفنان حاذقاً.

بدوره تحدث الفنان عبده أبو حمزة عن أهمية الرسالة الحضارية التي يحملها فن الخط العربي والزخارف الإسلامية في حوار الحضارات وإطلاع الآخر على جمالية واستثنائية الحروفيات العربية كفن قائم بحد ذاته يستطيع اليوم أن يحجز له مساحة هامة بين أنواع الفنون التشكيلية العالمية كما حدث مع الفنان /قسومة/ في معرض المركز الثقافي الإسلامي بدبلن في ايرلندا التي افتتحته رئيسة الجمهورية هناك.

يذكر أن الفنان قسومة من مواليد 1951 درس في كلية الفنون الجميلة وهو عضو اتحاد التشكيليين وعضو جمعية الخطاطين في سورية صمم عددا كبيرا من لوحات الخط العربي بمختلف الخطوط التي انتشرت في سورية والوطن العربي واشترك في عدة معارض ومهرجانات عربية وعالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى