صدى الناس

التدخين بين المواطن والقانون

أيها المشرعون قد كانت جهودكم عظيمة عندما جهدتم لصياغة وتشريع أي قانون هدفه خدمة الوطن والمواطن وتعزيز دساتيره تماشياً مع تطور المجتمع والحاجة الماسة لإصدار تشريعات تفيد بالنهاية الوطن والمواطن وتؤمن له أمنه واستقراره ..

و لكن أجد أن من هذه القوانين التي تصدر لا تفي بالغرض ولا تحقق المطلوب , من حيث أنك إذا أردت أن تطاع عليك أن تطلب المستطاع .. بعض هذه القوانين التي تصدر هذه الأيام لا يمكن أن تطبق في أغلب الأحوال إلا بعد عقود من الزمن !!!

في هذه الحالة علينا إيجاد آلية دستورية لتثقيف المواطن أولاً وأن ننزع عن كاهله فكرة الجهل والتخلف , والتخلص من ثقافة أنا معي مال إذاً أنا ( !!؟؟ ) أتجاوز وأخالف ولا أخاف !!!

هناك خياران إما تطبيق شريعة الغاب فالقوي يأكل الضعيف أو التطبيق السليم للقانون الذي يحمي المجتمع ويرفع من سويته .. التنظيم صفة ملازمة للنشاط الإنساني والقانون لكي يكون قانوناً بالمعنى الإنساني الصحيح له ، يجب أن يعبر عن إرادة الشعب , ويجب أن يطبق على الجميع , فالقانون ليس قانوناً إذا لم يطبق على الجميع ..

وعلينا خدمة التنمية الاقتصادية وتوعية الأفراد " رؤوس الأموال " بأن القانون لا يستهدف مصلحة فئة محدودة من الناس على حساب الآخرين فالكل سواسية , و إذا طبق القانون بالشكل السليم أدى إلى رفع سوية الوطن والمواطن , لأن المجتمع نسيج واحد وتقدمه ككل دليل على رقي الشعوب وتطورها , ومحاربة الجهل ليست دورة محو أمية ولكنها مجاهدة النفس كي تتعلم وتنقاد إلى صحوة علمية اجتماعية اقتصادية تثقيفية تجردنا من الأنانية وحب السيطرة والفردية والتفرد بالرأي والمباهاة بثقافة الجهل ..

ومن القوانين التي لايمكن تطبيقها إلا بنطاقها الضيق في أحسن الأحوال , قد يكون المرسوم 62 القاضي بمنع التدخين في بعض الأماكن والتي هي بالأساس خلقت ووجدت لتكون محلات وأمكنة للترويح عن النفس والتسلية ..

هنا ممنوع التدخين وهناك مسموح التدخين , وإذ بنا نعيش واقعاً غير مكتمل النضج والوعي الفكري والثقافي , معظم مثقفينا من الشباب مازال ينقصهم تثقيف أخر , وهي ثقافة الوعي العام وترك الثقافة الخاصة التي تعلمها , والتي تعود عليها لأن مخلفات الجهل والوعي الغائب مازال يئن ويصرخ من أثار الجهل الذي اختزنه عقله أو انتقل إليه عبر الوراثة أو التأئر والتأثير بالمحيط العام الذي يلف من حوله , يمكن أن يكون قانون الحد من التدخين غير مجدي بالوضع الحالي للشعب ..

هل يعقل أن يخرج الرجل من بقاليته أو من محله ليقف بالشارع لكي يدخن ..؟ , وعندما يدخل أي زبون إلى المحل أو البقالية فإن صاحب المحل أو البقالية يتوسل إليه لكي يطفئ سيجارته لكي لايعاقب هو الآخر بجرم قد اقترفه الزبون بحمل السيجارة ..

إني لأجد ذلك صعوبة في التطبيق والتطبيع والتنفيذ , والقائمين على تنفيذ القانون هم بحاجة إلى دورات تدريبية بحسن السلوك وتعلم حسن الكلام مع باقي أفراد الشعب وشرائحه وكل مكلف بهذا العمل يقوم بتطبيق المخالفة ومنعها ويدعي إلى الله أن يكثر من المخالفين , لكي يزداد نعيماً فالقانون حوله بعض القائمين عليه إلى نعمة يستفيدون من تنفيذه ونقمة على باقي أفراد الشعب , لأن عليه أن يدفع للموظف ويصرفه بالحسنى , وبالتالي فهي أفضل من تطبيق القانون على المخالف ..

عندما يطبق القانون بدراية وتثقيف ورعاية وعندما يفرغ المواطن من همومه نلتفت إلى توعيته من خطر السجائر ولكن مازال المواطن يعاني ويعاني من الحياة اليومية والفقر والفاقة وأمور كثيرة , ولن يكون تطبيق القانون بمنع التدخين هو رفع لسوية المواطن والارتقاء به ولكن سيكون عليه عالة وعليه الاحتراس وتجهيز المبالغ لدفعها في حال ضبط متلبساً بجرم التدخين ..

والقائم على تطبيق وتنفيذ القانون تسعيرته أرخص من العقوبة القانونية , وهنا يعود لاستغلال الدور الذي أوكل له بمراقبة تطبيق القانون إلى أن يكون أكثر قانونية وأرخص من دفع المال للحكومة , " ونيالك يا من أوكل إليك بتنفيذ المهام اجتك رزقه من السما ويغافل إلك الله " ..

بعض الصور والمشاهد اليومية التي نراها من بعد تطبيق القانون ..

موظف في أحد الجمعيات التعاونية يحكي قصته من بعد تطبيق القانون فيقول " لقد قمنا بوضع إعلانات كبيرة الحجم في مقر الجمعية , بعضها كان ممثلاً بصور عن أضرار التدخين والبعض الأخر يوجه بعدم التدخين ولوحات أخرى تنفرد بذكر مواد المرسوم رقم 62 , وحينما بدأ تطبيق القانون امتنعت عن التدخين بمقر الجمعية , لكنني فوجئت بأنني الوحيد الذي لا أدخن ..!! .. وحينما أدركت ذلك فقد شعرت بنفسي وكأنني شاذ عن المجموعة لذا فقد تركنا اللوحات جانباً .. فمن القادر على أن يمنع الإدارة عن التدخين ويلزمها بتنفيذ المرسوم , أنا بالنسبة لي مجرد موظف , لا يحق لي التطاول على مجلس الإدارة " ..

صاحب مقهى انترنت في أحد مناطق الأثرياء بحلب يقول " لقد عملت على طباعة ونشر المرسوم على جدران المقهى وطلبنا من الزبائن عدم التدخين أثناء العمل في الإنترنت , وحينما حاولت منع أحد الزبائن من التدخين فكان جوابه : ( وقت حدا بجيك أنا بعرف أتصرف ..! ) , وحتى أتجنب مسألة العراك الكلامي مع الزبائن وحتى لا نخسر زبائننا فقد تعودنا على رشوة الموظف حينما يأتي لمخالفتي وإذا اشتدد الأمر فبض الزبائن مدعومين وقادرين على تخليصي من المآزق أما الموظف فهو غير قادر على تعويضي بالزبائن إن خسرتهم " ..

صاحب صالة ألعاب أفصح عما بداخله من أوجاع ليقول " الحمد لله كنا نلحق لدوريتين الآن صاروا ثلاث دوريات وعلى في حدا عبدخن ولازم نطبق القانون ومن هالحكي لحتى نعطيهم كم ليرة لحتى يحلوا عنا ويتركونا بحالنا , يعني المشكلة مو بتطبيق القانون بس المشكلة شي من الزبائن وشي من الموطفين المكلفين بتطبيق القانون , يعني بدك تأخد وتعطي وجع رأس وعلى مابدي وبدي وأحياناً منطر لإخراج الزبائن حرصاً على عدم المخالفة بس والله شعبنا لسى لحتى الآن ما استوعب القانون .. "

بين مطبق للقانون ومخالف له كان لنا حوار مع مختص قانوني ليعبر عن وجهة نظره تجاه تطبيق المرسوم ( 62 ) الخاص بالحد من ظاهرة التدخين حيث أفادنا برأيه ..

عبرت سنوات طويلة والمواطن قد اعتاد على التدخين حينما يمتلكه المزاج , والمسألة أن أغلب المواطنين غير مثقفين بمبادئ احترام القانون والاعتراف به , وللأسف عدد منهم يعتقد أن مخالفته للقانون تعطيه قوة اجتماعية أمام زملائه ومعارفه , حيث يدعى باسم " وصلان " أي أنه " مدعوم " وهذا المصطلح العامي له مؤشرات خطيرة على صحة القانون , لذلك يجب أن يطبق القانون بدءاً من رأس الهرم الوظيفي ..

المشكلة ليست بالقانون , فروح القانون ملبية للعادات والتقاليد الاجتماعية الصحيحة , ملبية لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف , وملبية لتوصيات ومقترحات الأطباء لتحسين الأوضاع الصحية لأفراد المجتمع , كما أنه يأتي تكريس للعديد من الأسس والمبادئ التي نسعى لتكريس في قيم واحترام المجتمع ..

لكن المشكلة الحقيقة في آلية التطبيق , وفي فهم وثقافة المواطن للقانون , فعندما لا يطبق القانون على فئات وشرائح اجتماعية متعددة بسبب وجود المحسوبية والاستثناءات فهنا تسقط شرعية القانون لأن القاعدة القانونية هي مجردة وعامة لا استثناء فيها إلا ما ورد في النص القانوني , لكن حينما لا يطبق القانون بسبب أن شخص ما مدعوم وأخر دفع رشوة لقاء عدم تطبق القانون فإننا نقول بأن الجهة التي أوكل لها تنفيذ القانون قد أفرغت النص القانوني من شرعيته ..

حتى يتم تطبيق المرسوم بنصه وروحه يتوجب السعي بالعمل على محورين أساسين ..

الأول اختيار الجهة النزيهة والقادرة على تنفيذ القانون بنصه وبروحه ووفق أسس احترام المواطن وبعيداً عن المحسوبيات والواسطة والرشوة حرصاً على عدم إفراغ القانون من شرعيته ..
المحور الثاني وهو ملازم للمحور الأول والذي يفترض العمل من خلاله على تثقيف المواطن بثقافة القانون حتى تتمكن الجهة المنفذة للقانون من متابعة مهامها ببيئة قانونية صحيحة , وعملية التثقيف قد تكون غاية في الصعوبة بسبب أن شرائح المجتمع متنوعة ومن ثقافات متعددة لكنه الحل الوحيد لتطبيق القانون ..

ننتظر من الجهات المسؤولة السعي والعودة إلى تطبيق القانون بروحه لأن آليات التطبيق وفق الأسلوب الحالي لن تجدي نفعاً ولن تصل إلى تحقيق الهدف من القانون بل ستكون عائق أمام المجتمع في الكثير من مهامهم ..

إن القانون هو حضارة المجتمع يعكس تطوره وتخلفه وإن مدى تقدم الدول يقاس بمدى تطبيقها القانون مما له من أهمية في حياة الأفراد , وعلينا أن نسعى جاهدين إلى تثقيف المجتمع ونعرض عليه ثقافة وحضارة المجتمعات التي تألقت ونحذو حذوهم ونتعلم منهم وننهل من حقيقة الآليات التي اتخذوها حتى أخذت بهم إلى هذه النتيجة التي من خلالها امتلكوا العالم بالعلم والمعرفة والحداثة والتقيد بالقوانين والطاعة الكاملة للدستور والقوانين لنرتقي بأنفسنا ولنكون فاعلين في تطور الحضارات ولنجعل العالم يصغي إلى روعة حضارتنا صامتاً ..

بواسطة
أحمد دهان / نزار جبسة
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫11 تعليقات

  1. نعم للاسف ليمكن تطبيق مثل هذا القانون في وقتنا الحالي والمخضحك عند قرئتي للموضوع جاء رفيق لي وخبرني بقصته مع شرطي المرور الذي حاولا مخلفته بسبب التدخين داخل سيارة الاجرة التي كان يستقلها للوصول الي وجدله مع الشرطي لينتهي بدفع مبلغ من المال وقدره 1000 ليرة سورية ليحل عنه حسبنا الله ونعما الوكيل

  2. من جهتي اقول يسلمو ايده الذي وضع قانون منع التدخين وهو جدير جدا بالاحترام لانه خلصنا من غلاظة المدخنين وروايح سيكاراتهم المعتة والمزعجة وشكرا

  3. لم يعد لدينا هموم غير التدخين والمحافظة على صحة المواطنين
    اظن ان هناك الكثير من الامور يجب ان تعطى لها الاولوية فرعاية الصحة انفسية للمواطن والتدخين ياتي علاجه فيما بعد

  4. اذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع نحن لاننكر الآثار السلبية للتدخين لكنها لاتشكل الا أقل من ١.% من الأسباب المؤدية للأمراض بينما الحالة الاقتصادية والشدات النفسية هي السبب الحقيقي والمباشر للأمراض والوفيات لذا حلوا عن ربنا وخلونا ننفخ

  5. المرسوم رائع, ولكن خلف الأبواب المغلقة في المحافظةو الدوائر الأخرى, يبدأ الموظفون بالتدخين, وبعدها يفتح الباب , الجالس معهم يختنق ولكن …
    ينقصنا الوعي , بأن السيجارة ليست مدعاة للفخر , بأن التدخين بعد المرسوم ليس قوة,بأن الشباب أحلى بلا تدخين , سيد العمل يجب أن يقتنع, رئيس الوردية, المدير , المشرف , لأنهم هم القدوة

  6. يعني المحافظة على المواطن ما بتجي غير بمنعه من التدخين والله حرام شعب مسكين نحنا مع القرار بس مو هيك ولا بهاالطريقةلازم يكون في تحديد للاماكن يلي يتمنع فيها التدخين واماكن للمدخنين ماقلنا الدوائر الحكومية بس مقهى يتمنع التدخين فيه وين صارت بعدين لازم يكون فيه لجان خاصة بهاد الموضوع مو الشرطة لانه هيك بتكونو فتحتو باب جديد لرشوة

  7. انا شخصيا بحب التدخين …………….

    بالنسبة الى قانون منع التدخين الجديد فقد كان لا بد من وضعه ولكن قد يكون اصحاب المحلات او المؤسسات هم الاكثر ظلما فمثلا هناك ثار قديم بين فلان وفلان يملك محل او متجر او او ……….. الخ
    حيث ياتي المنتقم ليدخل المحل واضعا السيكارة في فهمه قاصدا الاذية
    هو مستعد ان يدفع 2500 على ان يشفي غليله من صاحب المحل بتغريمه على دفع 25000 (والقى ازا بتلقى ياحراام )لذلك اين العدل
    (ديرو بالكون من شي عدو ذات حقد دفين لا يغرمكون ب25000 )
    وشكرا

زر الذهاب إلى الأعلى