مقالات وآراء

حنان أم .. أحلى الأمهات أمي .. بقلم أحمد دهان

لا تستغرب حينما تسأل أحد الأشخاص عن الأم المثالية أو أنك تحاول أن تعرف من هي أفضل وأحلى أم في العالم , فإن الجواب الأكثر سرعة سيكون أمي ..

كل فرد في العالم يعتبر أن أمه أحلى وأغلى وأجمل وأفضل أم في العالم , وهذا الأمر صحيح ولا نقاش عليه , لأننا نحترم كل وجهات النظر وكل فرد في العالم له وجهة نظر خاصة وكلنا نحترم ونجل هذه النظرة ..

أمي يا نبع الحنان .. هذه الكلمة الدافئة التي تعبر عما في داخلنا وحينما نقدس الأم فهذا واجب علينا , لأنها بذلت في طريقنا وحياتنا الكثير من الصعاب , وحاولت أن تحزن وتتألم لكي يعيش أبناءها في رغد الحياة , لم تكن مقولة " الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق " عن عبث , لأن إعداد الأم وتأهيلها وتدريبها على أساليب المعيشة والتربية الصحيحة , هو إعداد للأجيال التي ستعمل على تربيتهم , فلكتن مدارسنا مؤهلة , لتكون قادرة على مواجهة تغيرات العالم الذي يتطور بسرعة فائقة قد لا نستطيع إدراكها ..

تعالوا لنسمع شاعرنا الكبير والذي أجله وأحترم كل كلمة من كلماته " الشاعر العربي الكبير محمود درويش " تعالوا لنسمع ماذا قال لنا في الأم ..

أمي .. أمي .. إلى أمي
أحنّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني ،إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ،فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع.. لعشّ انتظارك!

لنتابع مسيرتنا في التعرف على فضائل الأم ولننتقل إلى الدين الإسلامي الحنيف والذي لا يعرف التاريخ ديناً ولا نظاماً كرَّم المرأة باعتبارها أماً وأعلى من مكانتها وشأنها ، مثل الإسلام الذي أكد أن الإحسان إليها ورعايتها وإكرامها مرتبط بتوحيد الله وعبادته ، وجعل من هذا الأمر أحد أصول الفضائل كما جعل حقها أولى من حق الأب : لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية .. وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم .. حيث جاء قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم : " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنْ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير " ، وقوله أيضاً بعد بسم الله الرحمن الرحيم " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ، حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ، وحمله وفًصاله ثلاثون شهراً " ..

وفي عصر النبي العربي ونبي الإسلام " محمد عليه السلام " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال أمك , قال : ثم من ؟ قال : أمك , قال : ثم من ؟ قال: أبوك ..

ويروا عن صحابة النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً كان بالطواف حاملاً أمه يطوف بها ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل أديت حقها ؟ قال : لا ، ولا بزفرة واحدة ، .. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها ..

وقد رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يحمل أمه على ظهره وهو يطوف بها حول الكعبة فقال : " يا ابن عمر أتراني وفيتها حقها ، قال : ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ، ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً " ..

مكانة الأم الاجتماعية ..

إن للأم مكانة غفل عنها جُل الناس بسبب ضعف الوازع الديني وهذا الأمر الذي دفعهم للوقوع في الإثم والمغبة ، وعلينا جميعاً أن نعلم أن الأم بحر من الخير والعطاء ، فالأم لطيفة المعشر ، ونبع من الحنان لا ينضب ، تحتمل الجفوة وخشونة القول ، تعفو وتصفح قبل أن يُطلب منها ذلك ، تسهر على راحة الأبناء .. تفرح لفرحهم وتحزن وتألم لمرضهم ولحزنهم ، وتجوع ليشبعوا , لا تنام حتى ينام كل أبنائها , تراقبهم حين الذهاب وحين العودة إلى منزلهم , وحتى وهم يكبرون فإن شعورها وعاطفتها تكبر معهم , تراها تتألم قبل أن يتألموا , وتبكي قبل أن تزرف دمعة واحدة على عيون أبنائها , إنها الأم التي ينطلق اللسان تبجيلاً لها قبل أن نتحسس بمشاعرنا أو بقلوبنا , لأننا ولدنا من قلبٍ حنون , فيبقى الحنان للأم وليدٌ فينا دون أن نتدخل في ذلك ..

ربما تأخذنا في بعض الأحيان غرور الحياة وكنوزها , وقد تعتم على عيوننا حب الأم والتضحية من أجلها حينما نلتمس ملذات الحياة , وقد ننسى في بعض الأحيان تضحيات الأم تجاهنا , وقد لا نكترث بذلك لأن المال يغير الكثير من أطباعنا , لكن علينا أن لا ننسى بأن الأم ومهما كنا قد قسونا عليها أو جرحناها ونحن لا نشعر , فهي تحمل القلب الكبير الذي يتسع لضمنا , وحينما لا نجد الصدر الرحب والحنون ليسمع أوجاعنا وآلامنا , فلندرك حينها بأن الأم هي الصدر الحنون الذي يشفينا من آلامنا ..

لا أريد أن أبعدكم عن الواقع , لأننا قد نجد في مجتمعنا الحالي من يقصر بواجبه اتجاه أمه , وفي بعض الأحيان قد يكون مغالط ومتكبر في رأيه وقراره , لنقرأ معنا ماذا فعل أحد الشباب في أمه ..

" أحد الشباب يعيش وسط بيئة فقيرة أمه تعمل في الخياطة وهي فاقدة لأحد أعيونها , ووالده متوفى , ولديه أخ وأخت أصغر منه سناً , درس في الجامعة حتى تخرج منها وبعد نجاحه أوفد ببعثة خارجية , حيث سافر لمتابعة دراسته وخلال هذه الفترة تزوج من أحد زميلاته اللواتي كان معه في البعثة , إلا أنه تتصف بالتكبر والتعجرف , وبعد أن عادوا إلى بلدهم واستقر في منزل مع زوجته وولديهما , حينما سمعت أمه بقدومه أرادت أن تفاجئه بمجيئها , فطرقت عليهم الباب وهي تحمل لهم بعض الهدايا , لتفتح زوجته الباب فتصرخ بوجهها , تنادي على زوجها الذي هو ابن هذا المرأة الأم .. يقف الابن متعجباً بين صراخ زوجته وبين حنان أمه , يلفها ويقبلها ويقول لها , لماذا جئت إلى هنا , لتعاود المجيء وسوف آتي إليكم حينما أفرغ من عملي , لا داعي للقدوم مرة ثانية كي لا تحرجيني أمام زوجتي وأولادي ..

وعندها انصرفت الأم والحزن والحنين يقطع مشاعرها والدمعة انحصرت بين جفونها .. بينما أبناؤه وزوجته باشروا بالتهريج عليها وتقليدها , بينما زوجته لم تقل سوا " لم ينقصنا غير أن نفزع بالمرأة الأعور " .. أما الابن فقد صرفته هموم الدنيا والعمل عن أمه حتى جاءه اتصل من أخيه يطلب منه القدوم لتشيع جثمان أمه التي فارقة الحياة , وآلامها تملأ القلب .. بين البكاء والحزن على الأم الحنون التي فارقة الحياة , قدمت أخته بعد أن شيع جثمان أمها إلى هذا الأخ الكبير المتعجرف , لتقول له حقيقة كان يجهلها , همسة في أذنه .. هل قصرت بواجبك تجاه أمك بشيء .. فأجابها : لا .. بل كانت محرجة لي وعار عليَّ أمام أسرتي .. فقالت له أخته : بالطبع لو كنت تعرف فضل أمك عليك لما تصرفت هذا التصرف .. فأجابها : طبعاً أنا لا أنكر فضلها في الولادة والرضاعة وتربيتها لي .. لكنها لم تقدر بأنني سأحرج أمام أبنائي وزوجتي حينما يرونها بدون عين .. زوجتي منذ ذلك اليوم لم تحلم إلا بالكوابيس … فحينها صارحته أخته بقولها : ألم أقل لك بأنك تجهل حقيقة بأن الفضل في هذا المكان الذي وصلته هو لأمك .. يا أخي .. لقد حاولت أمك طيلة هذه السنوات إخفاء الحقيقة وهي تعاني من ألمٍ في عينها , فهي تملك عينتان , لكنك في طفولتك حينما كنت تلعب في الحديقة سقطت على غصن شجرة يابس أصيبت عينك بالتهاب شديد جعل الأطباء يستأصلونها , وحينها لم تبخل أمك بأن تستغني عن أحد عيونها , لأنها أدركت بأنك ستعيش كل حياتك مشوه , فكانت قناعتها بأن تشوه نفسها لكي لا تعيش يوماً واحداً مشوه , وطلية هذه السنوات وهي تخبئ عليك هذا الألم , لكن والدتك رحمه الله قص لنا هذه القصة حينما سألنا عن عين أمنا وطلب منا أن لا نتحدث مع أحد فيها , حفاظاً على مشاعر الأمومة التي للأسف تجهلها ..

وحينها خرَّ الابن بالبكاء وسارع إلى جوار أمه يتلمس منها المغفرة , فجاءه رجلٌ يدعى " بالتربي " قال له .. لا يجوز البكاء بل قم بالدعاء , لقد ذهبت إلى جوار ربها , ولن ينفعك الندم , ذهبت وذهب معها كل مشاعرها وحنانها ولا يجوز عليها إلا الرحمة .. فحينها أترك بأنه قد أخطأ خطأً لن يستطيع طلية حياته أن يصلحه , وأدرك تماماً أن القطار حينما يفوت موعده لن يقدر أحد بإعادته إلى نفس المحطة ..

لنقتبس من هذه القصة العبرة وأن نعمل على إرضاء الأم والدعاء لها وإطاعتها , لأن هنالك حقائق كثيرة في حياتنا سببها الأم ونجاحها يكون بدافع الأم لكننا نجهل هذه الحقائق , وسيأتي يوم نعرف هذه الحقائق فحينها قد لا يفيدنا ندم أو نصح أو حتى دمعة وبكاء … لنجل لأمهاتنا قدر المستطاع ولنعمل على أن تكون الأم مدرسة نموذجية بكل معاني الكلمة , من احترام وتقدير وولاء وتهذيب وتربية …

تقول عائشة رضي الله عنها : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله فقال : " إن الله قد أوجب لها الجنة – أو أعتقها من النار" رواه مسلم ..

أما في الديانة المسيحية فقد كان للأم مكانة عظيمة ..

حيث أن الديانات السماوية و تعاليمها تأمر بتكريم الأم وإطاعتها وتبجيلها كقول الكتاب المقدس " أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك " ( لاويين 19 : 3 ) وجاء أيضاّ في الكتاب المقدس " امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ " ( أمثال 31:10 ) , " أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح , أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب " ( أمثال 31 : 30-31 )

ما هو سبب عيد الأم ؟

لقد أشيع في العصر الحديث بأن عيد الأم يعود ببدايته في عصرنا الحديث إلى فتاة أمريكية من بلد ( جرافتون ) في ولاية ( فرجينيا الغربية ) تسمى ( جان غارفس ) كانت أمها معلمة سابقة , غرست في قلبها مودة لا تبلى وثقافة لا تنسى فلما شبت هذه الفتاة ، كانت تشعر أنها ثمرة من ثمرات أمها الطيبة وأنها لو لا تلك الأم الفضلى لم تكن شيئاً ففي سنة ( 1907 ) م دعت جماعة من نساء قومها إلى احتفال تكرم فيه ذكرى الأم ..

على أن تذكر كل فتاة أو سيدة ذلك اليوم السعيد ، أمها التي جاءت بها , استجاب لدعوتها قومها وقدروا شعورها وتفكيرها ، كانت أزاهير القرنفل شعاراً لذلك اليوم الموعود ، فمن كانت في الحفل وأمها في الحياة زينت صدرها بزهرة حمراء ، ومن غيب أمها الموت حملت زهرة بيضاء , وقد حيرت المحتفيات إحدى السيدات إذ كانت تزين صدرها بزهرتين من اللونين ، فلما رأت الحيرة والعجب في بعض الوجوه قالت : إنني أتجمل بالزهرتين لأن أمي وإن غاب عني جسمها فهي معي بروحها ! ولما رأت الفتاة " غارفس " أن دعوتها هذه تلقى القبول والرضا ، مشت في البلاد تبشر به حتى اعترفت حكومتها بقداسة هذا اليوم وقرر مجلس النواب أن يكون الأحد الثاني من شهر أيار في كل عام عيداً للأمهات يشترك فيه الشعب والحكومة ..

لقيت هذه الدعوة الحميدة شيوعاً في البلاد العربية ، وأول دولة عربية استجابت لهذا العيد هي مصر ، وكذلك سورية الحبيبة فالقائد الخالد حافظ الأسد أقر بتعطيل كل الدوائر والمؤسسات الرسمية في يوم عيد الأم اعترافاً لها بالفضل ، ففي (21) آذار نحتفل بعيد الأم ، وهو أول أيام الربيع فالأم ربيع دائم وعطاء متجدد ، أحببناها قبل أن نراها ، غذتنا قبل أن تتعرف علينا ..

لو حاولوا تقدير الجهد المادي للأم من الزواج حتى الممات من ( حمل – ولادة – تربية – طهو – خياطة – تنظيف – ترتيب ) مهما كانت صحتها ووضعها ، ولو حاولوا حساب أجر لساعات عملها مثلما يحاسب العمال والغير لهرب الرجال والأولاد خوفاً من الأجرة الكبيرة المطلوبة , ولكن بعد قليل سيرجعون مطمئنين باسمين لأنهم عالمين لا مطالبة ولا محاسبة , ولأن الأم دون الناس تقوم بأية عمل أو مهمة أو خدمة بدون أن تريد حتى كلمة شكر فهي لا تريد لهم إلا السعادة والهناء والتوفيق ، الأم تؤثر أولادها على نفسها ، تعيش لهم وتجود بنفسها من أجلهم ليسعدوا ، ترضى بالقليل ليفوزوا بالكثير ، وتعفو عن كبائرهم مهما تعنتوا وضلوا فمن هنا ينبغي أن تقدس الأمهات وأن نعترف لهن بالفضل ..

لقد مرت الأم في خطوب الزمن محفوفة بقداسة الدين ، وأكب الشعراء والحكماء على معنى الأم وسرها ، وتغنى الشعراء بذكرها ورويت عنها الأعاجيب في القصص والحياة , ففي عهد سليمان الحكيم اختلفت اثنتان على أمومة طفل ولا ريب في أن إحداهما ادعت هذه الأمومة زوراً ، فلما احتكمتا إلى سليمان الحكيم ، أمر باجتماع المرأتين والطفل ثم أمر بأن يشطر الطفل شطرين وتأخذ كل منهما نصيبها فرضيت المدعية الكاذبة ، وأما الأم الصادقة فقد بكت وصرخت : إنه لها .. دعها تأخذه ولا تشطره , فأعطى الطفل لأمه ، الأم الصادقة ..

ولعل العرب كانوا من أصدق الأمم شعوراً في حب الأم وبرها ، وإذا تتبعنا لغتهم … واللغة مرآة للحياة الروحية والاجتماعية في كل أمة , وجدنا فيها من الألفاظ ما يعبر عن العلاقة بالأم والشعور نحوها حتى كان من كلامهم : إن اليتيم من فقد أباه وحده ، فهو لا يشعر بيتم حقيقي إذا كانت أمه في الحياة ، أما إذا فقدها فيوصف باللطيم ، إشارة إلى اللطم وصك الوجه حزناً عليها ، فقد تكون له بحنوها و إيئارها وفدائها أماً وأباً , فما أبلغ كلمة نابليون في الأم حين قال : الأم التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها ..

بواسطة
أحمد دهان / رئيس التحرير
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. كل عام والأمهات بالف خير , وشكراً لكاتبنا على هذه المقالة النادرة التي أثلجت قلوبنا .. وفعلاً ما خفي عن أعيوننا من حنان وعطف الأم ربما يكون أعظم .. نتمنى لكل الأمهات عيد سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى