مقالات وآراء

ما هي أولويات الولايات المتحدة القادمة في أفغانستان وباكستان؟ .. بقلم هشام منور

مع اتساع حجم الخسائر التي تتعرض لها القوات العسكرية الأمريكية وقوات الناتو بوجه عام، مع ارتفاع أصوات المعارضين سواء لاستمرار الوجود في المستنقع الأفغاني ..

أو لأسلوب الحرب واستراتيجياتها المتبعة على امتداد المنطقة من أفغانستان إلى باكستان وحتى جنوب القارة الآسيوية ..تبد مراكز البحوث والدراسات وصنع القرار في الولايات المتحدة منهمكة في اجتراح الحلول ومخارج النجاة لجيوش حلفاء زعموا "تحرير" أفغانستان من قبضة "التطرف الإسلامي" كما سموه، فإذا بها على وشك أن تحفر قبرها في بلاد عرفت بأنها "مقبرة" للامبراطوريات الكبيرة عبر تاريخها. 

في هذا السياق يبدو التقرير الصادر عن مركز الأمن الأمريكي الجديد بعنوان "حصر الأولويات: الاثنا عشر شهرًا القادمة في أفغانستان وباكستان" ، أعد التقرير مجموعة من الباحثين المتخصصين في قضايا الأمن والإرهاب والشؤون الأفغانية والباكستانية. يحاول التقرير في بدايته وضع القارئ في صورة حجم المأزق الأمريكي في أفغانستان، وبروز القاعدة وحركة طالبان كمنافسين قويين لقوات الناتو في أفغانستان وعلى طول الحدود الأفغانية ـ الباكستانية المشتركة. ثم يحاول في قسمه الأول تقييم الأوضاع الأمنية الراهنة في كل من أفغانستان وباكستان. وفي قسمه الثاني، يقدم توصيتين لمكافحة التمرد الذي تواجهه الولايات المتحدة وحلفاءها في كلٍّ من أفغانستان وباكستان. فيما يعرض في قسمه الأخير المقاييس والمعايير المختلفة لمحاربة المتمردين. 

يفاجئ التقرير مطالعه بنتيجة خطيرة، وهي أن سياسة الولايات المتحدة في مكافحة التمرد الأفغاني تُعد سببًا من أسباب خسارة الحرب في أفغانستان، وأن السبب وراء الانتصار السريع الذي حققته الولايات المتحدة على نظام طالبان عام 2001 يرجع إلى تحالف قوات العمليات الخاصة والقوات الجوية مع الأفغان المحليين، والتي أعقبها تزايد في هجمات المتمردين عام 2002 ليتخلى الأفغان المحليون عن دعم القوات الغربية. وأوضح التقرير تردي الوضع الأمني في أفغانستان بصورة مطردة على مدى السنوات الماضية، وأرجعه إما لعدم قدرة، أو عدم رغبة الجيش الأمريكي وحلف الناتو في حماية الشعب الأفغاني. فوفقًا للأمم المتحدة، فإن عدد المدنيين الذين قتلوا في أفغانستان قد ارتفع بنسبة 41% من عام 2007 إلى عام 2008. 

بالمقابل، بينت منظمة العفو الدولية أن قوات التحالف مسؤوولة عن 25% من أعمال العنف المرتكبة ضد المدنيين الأفغان مع الحكومة الأفغانية. فالتصدي لحركة طالبان في إبريل 2009، تطلب ما يقرب من 58 ألف من قوات الناتو المنتشرة في أفغانستان كجزء من القوة الدولية (إيسافISAF). بالإضافة إلى تزايد القوات الأمريكية المقاتلة كجزء من القيادة الانتقالية الأمنية المشتركة لأفغانستان (CSTC)، والجيش الوطني الأفغاني. لذلك تعهد الرئيس الأمريكي "أوباما" بزيادة القوات المقاتلة، وأعلن حلف الناتو في إبريل 2009 بنشر قوات إضافية لتأمين الانتخابات الأفغانية. 

وفيما يرى معدو التقرير أن الزيادة في عدد القوات هو أمر ضروري، إلا أنه يعتبره غير كافٍ، نظراً للطبيعة الجبلية لأفغانستان والتي تتطلب تركزًا كبيراً من القوات والموارد، إلى جانب ضرورة توافر دعم من السكان الأفغان، الأمر الذي سيتطلب قيام القوات الأمريكية بحصر الأولويات لتخصيص قواتها إلى المناطق التي تكون فيها عدد قوات التحالف قليلة، لحماية أكبر عدد من الأفغان. وحدد التقرير العوامل التي تزيد من صعوبة تنفيذ عمليات حصر الأولويات، منها: تزايد معدلات الفقر والنمو والفساد، مما أدى لانعدام الثقة في الحكومة الأفغانية في السنوات الأخيرة. سيما مع نظرة الشعب الأفغاني إلى حكومة "كرزاي" على أنها غير شرعية، ولتشكيك في نوايا الولايات المتحدة، والنظر إليها على أنها تدعم حكومة "كرزاي" الفاسدة. 

ويتهم التقرير الحكومة الباكستانية بلعب دور محوري في تعزيز "التطرف" بين قبائل البشتون التي تقطن شمال غرب باكستان، والتي تساعد حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان عن طريق جمع الأموال وتجنيد الرجال للقتال في أفغانستان وفي السيطرة على أفغانستان والتصدي للغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1980 وهزيمتهم. حيث تعد باكستان واحدة من دول ثلاث ـ الإمارات و السعودية ـ معترفة بطالبان كحكومة رسمية لأفغانستان. 

فالسياسة الباكستانية كانت تدعم طالبان سابقًا انطلاقاً من توتر العلاقات بين باكستان والهند، حيث سعت باكستان لإيجاد عمق استراتيجي لقواتها العسكرية في حالة وقوع الغزو الهندي لباكستان، مما يسمح للقوات الباكستانية بالرجوع إلى الجبال الأفغانية وتنظيم صفوفهم لشن هجوم مضاد عبر نهر اندوس. وحالياً توجد شبكات متعددة من المتمردين في شمال غرب باكستان، مثل حركة طالبان الأفغانية وحركة طالبان الباكستانية. مما وفّر الدعم اللوجستي والمالي والتدريب والدعم اللازم لحركات التمرد في كلا الجانبين من أفغانستان وباكستان. وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، فرَّ عديدٌ من أعضاء تنظيم القاعدة إلى شمال غرب باكستان، حيث استمرت التدريبات وخطة العمليات. 

وأنحى التقرير باللوم بطء محاولات الحكومة الباكستانية في معالجة التشدد في الإقليم الحدودي للشمال الغربي والمناطق القبلية من خلال اتخاذ ثلاث خطوات، هي العمليات العسكرية الباكستانية والتي قوبلت بمقاومة كبيرة من القبائل في غرب باكستان، واغتيال ووفاة عدد من زعماء القبائل والعشائر الأكثر دعماً لجهود الجيش الباكستاني، وضعف تكتيكات الجيش الباكستاني التي أعاقت فاعلية الغارات على أهداف تنظيم القاعدة وطالبان، حيث اعتمد على التركيز على أهداف العدو، وقتل وأسر المقاتلين بصورة فردية؛ مما أدى إلى عدد القتلى والضحايا المدنيين، وفرار مئات الآلاف من البشتون من منطقة باجور إلى مخيمات اللاجئين الممتدة على الحدود الأفغانية الباكستانية. 

الخطوة الثانية إبرام اتفاقات السلام، فقد وقعت الحكومة الباكستانية عدة اتفاقات سلام مع الجماعات المسلحة منذ عام 2004. إلا أن التأثير السلبي لتلك الاتفاقات سمح "للمتطرفين" بتوطيد سيطرتها والضغط من أجل تحقيق مكاسب أكبر. ووقعت الحكومة اتفاقًا مع المتمردين بعد 18 شهرًا من القتال بين الجيش الباكستاني والجماعات المسلحة في وادي سوات. وأخيراً الدعم الضمني لهجمات الطائرات الأمريكية بدون طيار. إذ منحت الحكومة الباكستانية موافقة ضمنية للولايات المتحدة لشن هجمات على أهداف في المنطقة الحدودية في شمال غرب باكستان؛ مما أثار غضب الرأي العام الباكستاني. 

ويبدو أن الاستراتجيات الأمريكية الجديدة في أفغانستان، والتي تأخذ في حسبانها الامتداد الجغرافي الباكستاني، لن يكتب لها النجاح ما لم تتخلى عن النهج العسكري الذي أثبت فشله خلال السنوات الماضية، والذي يفضي إلى ضرورة الخروج السريع من المستنقع الأفغاني، والاكتفاء بدور الداعم لجهود التنمية والإعمار في بلاد الأفغان التي لن تقبل الوجود الأجنبي العسكري على ترابها مهما كانت مسمياته أو أغراضه.

بواسطة
هشام منور .. كاتب وباحث
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى