مقالات وآراء

المبادرات التطوعية .. وفاعليتها المجتمعية

من أهم و أبرز النتائج الإيجابية لأجواء الربيع العربي ذلك الأثر العاطفي العميق الذي زرعته في النفوس،
و ذلك التحول الملموس الذي أحدثته في توجهات التفكير لدى الشعوب عامة و لدى فئة الشباب بشكل خاص.

لقد أسهمت هذه الأجواء في تفجير الكثير من الطاقات الكامنة، و الكشف عن العديد من الدرر المدفونة. كما ساهم بركان العواطف الإيجابية المتدفق في تفتق الكثير من العقول الشابة المبدعة عن مبادرات تنموية و تطويرية متعددة.

هذه الحالة الصحية الإيجابية الغير مسبوقة تحتاج إلى من يقدر أهميتها، و من يحسن استغلالها، و من يسهم في توجيهها في المسارات الصحيحة قبل أن تخفت شعلة الإبداع، و قبل أن يخبو بركان العواطف، و قبل أن يعود تيار الحياة يسحب الناس إلى دواماتها اللامتناهية.

جلست مع نفسي أتأمل و أتفكر في تلك الأخطاء المتكررة التي يقع فيها المبادرون المتطوعون، و التي ربما يؤدي التمادي في الخطأ الواحد منها إلى نسف الحلم و قتل الفكرة و إحباط المبادرة في مهدها و بعد تفكير و مدارسة لتجارب و خبرات قليلة ماضية خرجت بثمانية أخطاء التي تنسف المبادرة أسطرها هنا للتنبيه إليها و التحذير منها، و أكتفي هنا بطرح العناوين العريضة مع تعليق مختصر على كل نقطة.

أولاً: غياب الرؤية الاستراتيجية

كثير من المبادرات التطوعية تكون شرارتها الأولى و باعثها الأساسي عاطفي وجداني، وهذا الاندفاع العاطفي شيء إيجابي و مطلوب و ضروري و لكنه غير كافٍ للنجاح و الاستمرار أي مبادرة تطوعية لابد أن تمتك رؤية واضحة، و رسالة محددة، و غايات منسجمة مع الرسالة و محققة للرؤية، و أهداف دقيقة تخدم الغايات، و استراتيجيات مناسبة لتحقيق الأهداف، و برامج و مشاريع و أنشطة نائشة عن هذا كله و متسقة مع بعضها البعض ليس من الضروري أن تكون هذه الرؤية تامة الوضوح أو مكتملة عند الانطلاق و لكن ما هو ضروري هو أن يتوفر الإدراك لأهمية الوصول إلى مرحلة الوضوح من خلال مراكمة الخبرة و هضم التجارب.

ثانياً: الإخفاق في فهم طبيعة العمل التطوعي

يخلط الكثير من المبادرين بين العمل التطوعي و العمل المهني مدفوع الأجر. الإخفاق في فهم طبيعة العمل التطوعي و خصوصياته تنجم عنه الكثير من التعثرات و الأخطاء في كل مرحلة من مراحل إدارة العمل ابتداءً من وضع الخطط، مروراً بتوظيف المتطوعين و إدارة الموارد البشرية، و انتهاءً بآليات الرقابة و المتابعة و معايير التقييم.

ثالثاً: إغراء الأفكار

تتسم مرحلة اشتعال و اتقاد الشرارة الأولى لأي مبادرة تطوعية بأنها مرحلة طلاقة الأفكار، فكثير من الأفكار لمشاريع و برامج و أنشطة متميزة تتبادر إلى ذهن المبادر و تثير حماسته في تلك المرحلة. و كثيراً ما يحدث أن يقع المبادر فريسةً لإغراء الأفكار فتراه إما أنه يبدأ بالعمل على عدد كبير من الأفكار تفوق ما يتوفر لديه من موارد، أو أن يصبح كالذواقة يتنقل بين فكرة و فكرة و بين مشروع و مشروع يتذوقها فقط دون أن يُتِم أي منها أو أن ينجزه باتقان، أو تجده ينشغل بمشاريع براقة و لكنها أقل أهمية و متأخرة في الأولوية عن مشاريع أخرى. كل هذه الإخفاقات في التركيز تؤدي إلى تسلل إحباط سريع في نفس المبادر، و خفوت عوامل الدفع الذاتي لديه، و نفاذ مخزون العاطفة المحركة له.

رابعاً: ارتفاع سقف التوقعات

الإنسان المبادر المتطوع تجده شديد الاقتناع بفكرته، شديد الحماسة لها، قوي العزيمة على المضي فيها، و تجد مبادرته تملأ عليه الكثير من تفكيره و عقله ووقته، و تنعكس على مجمل حياته في نهاره و ليله. هذه الحالة النفسية لمنشئ المبادرة تجعل سقف توقعاته عالياً جداً سواءً من حيث مستوى تفاعل الناس معه، أو إقبال المتطوعين على مشاريعه، أو سرعة إنجاز البرامج و الأنشطة، أو قوة عوائد و نتائج الجهد المبذول. هذا السقف العالي للتوقعات يصطدم دائماً بواقع يكون دون التوقعات بكثير في أغلب الأحيان.

خامساً: شهوة التوسع و الانتشار

وهذه من الأخطاء المتكررة، فالمبادرة التطوعية تبدأ بشخص أو مجموعة صغيرة من الأشخاص، و غالباً ما تكون أول مهمة يجد قادة المبادرة أنفسهم بحاجة إلى البدء بها هي تجميع متطوعين للتفاعل مع المبادرة والمشكلة الكبرى هنا هي أن هذا التجميع و التكثير للأعداد لا يكون في أكثر الأحيان نابعاً من حاجة حقيقية أفرزتها الخطة أو الرؤية الاستراتيجية، و لا يكون مرهوناً بطاقات الاستيعاب، و لا منضبطاً بمعايير انتقاء و اختيار واضحة للأفراد.

سادساً: أسلوب الإدارة الأخوية

كون العمل التطوعي قائم على المبادرة الشخصية و لا تتوفر فيه أجور أو حوافز مادية لا يعني هذا أنه غير ملزم أو غير منضبط والخطأ هو أنها تجعل قيمة الأخوة و هي قيمة مهمة بلا شك تعلو و تطغى و تحل محل متطلبات الإدارة السليمة الضرورية لنجاح أي عمل و لكن لابد أن تأخذ متطلبات العمل الإداري حقها الكامل من الاحترام و الاتباع، و هذا لابد أن يكون واضحاً لكل الأعضاء و متفاهم عليه.

سابعاً: التقصير في التحفيز

كثير من قادة العمل التطوعي يفشلون في إدارك هذه الحقيقة فيقعون في خطأ التقصير في توفير قدرٍ كافٍ من الحوافز المعنوية للمتطوعين التابعين.والحوافز تأخذ أشكال كثيرة مثل شهادات الشكر أو هدايا التكريم أو حتى مجرد ذكر الاسم و الإشادة بالعطاء أو الترقية في الهيكلية الإدارية للعمل أشكال التحفيز. غياب الحوافز المعنوية عن قاموس قادة العمل التطوعي معناه أنهم سيجدون أنفسهم قريباً جداً يعملون لوحدهم!

ثامناً: الفشل في توفير عوامل الاستمرار

التحدي الأكبر و الأصعب دائماً هو الاستمرارية. مئات ألوف المبادرات تنطلق و في نفوس أصحابها براكين ثائرة من الحماسة و الحيوية، و لكنها سرعان ما تنقطع و تتوقف. السبب الأساسي في هذا هو الإخفاق في إدراك عناصر و عوامل استمرار الفكرة و الفشل في توفيرها .

و من أمثلة عناصر الاستمرارية التي تكاد تحتاجها أغلب المبادرات التطوعية: التمويل، التحفيز، الشراكات الفعالة، القدرة على استقطاب متطوعين كلما دعت الحاجة، اكتساب صفة قانونية، و غيرها الكثير.

بواسطة
محمد زعزوع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى