القضية الفلسطينية

قراءة فلسطينية تصحيحية للرواية العربية

قبل ان نفقد ثقتنا بأنفسنا مع عمق وكثافة التحديات التي تجابهنا كشعب فلسطيني، على امتداد طريق الآلام الذي يبدو بلا نهاية، حيث نغرق اكثر مما نطفو في حرب المائة عام، التي نقترب فيها من الاندثار عاماً بعد عام، ويوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة.
 
تجربة بعد اخرى، استوعبنا التحدي الاسرائيلي عن ظهر قلب، وفي غياب ادراكنا لحقيقة علاقاتنا العربية، تعايشنا مع مأساتنا بعد ان قولبناها على انها عدوان صهيوني وانتحار فلسطيني. وانصرفنا عن التعامل الصحي مع ورطة عربية نغرق فيها الى حدّ الاختناق.

لقد واجهنا قضيتنا، القضية الفلسطينية، اعقد قضايا العصر السياسية بعقل بدائي قبلي، قسم حياتنا جيلاً بعد جيل، بين مراحل من الاتكالية والانتظار، ومراحل من اليأس والانتحار، ونحن نتردى في احضان امة لا ندري حقيقة ما هي فيه من بلاء.

في محاولتنا لتصحيح الرؤية، سوف نلجأ الى عرض شواهد من تجارب حية. موجعة، تدهشنا رؤيتها دون ان تقودنا الى الوعي بحقيقتها وما تنبىء عنه من احوال.

لعله لقلة الخبرة، وضعف الادراك، لم يبدأ الفلسطينيون والعرب بالتأريخ للنكبة، منذ صدور تصريح بلفور في ٢/ ١١/ ١٩١٧، او عندما احتل القائد البريطاني الجنرال اللنبي القدس في ١١/ ١٢/ ١٩١٧، حيث ترجع جذور النكبة الى ذلك التاريخ.

اننا لا نريد ان نبتكر امة جديدة، ولكننا نتساءل في سعينا للوحدة العربية: لماذا لم نعد امة واحدة؟

اننا لا نبحث عن اسباب تدعو للوحدة العربية، ولكن عن العوامل التي ادت الى تفتيتها. وان مسؤوليتنا تسبق مسؤولية الغير عن استمرار هذا التفتيت، وان كان قد تم بفعل فاعل.

مثل الحركة الصهيونية، لدينا الديني ولدينا الدنيوي، فلديها الديني لتبرير الغزو الاستيطاني، ولديها الدنيوي لتأمين مصالح القوى الاستعمارية التي تمدها بأسباب القوة العسكرية لأداء المهمة، فغزت واقامت وتسلطت.

لدينا الديني، المتمثل في اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهد المسيح وكنيسة القيامة، ولكن مشاعر المسلمين لم تثمر حمية وحماساً، ومشاعر الغرب لم تثمر عدلاً وانصافاً.

ولدينا الدنيوي المتمثل في مضيق جبل طارق، وقناة السويس، ومضيق باب المندب. ولدينا النفط في العراق والساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية. ولكن كل هذه الامور تمثل مصالح للغرب، ونحن اصحابها نقف نواطير لهم عليها.

لاحظوا كم هو موجع اننا نواطير في ظل الحماة الاسرائيليين، وهذه حقيقة حالنا.

في زمن الانتداب البريطاني، والوطن الفلسطيني يتآكل سياسة واقتصاداً واستيطاناً، استنجدنا بالاشقاء العرب، واستصرخنا الاخوة المسلمين، ولكن لا حياة لمن تنادي. فالشعوب متخلفة وضعيفة وخاضعة، سواء العرب في ديارهم، او المسلمون في بلاد الهند. والحكام هنا وهناك، متحالفون مع بريطانيا التي اسندت اليهم السلطة.

وهكذا تقاعس العرب والمسلمون عن القيام بحملة سلمية للهجرة والاستثمار في فلسطين. فقد كان العرب منشغلين بالصراعات بين الاسر الحاكمة. والهنود منشغلون بالصراع بين الهندوس والمسلمين على تقسيم الهند، التي اصبحت الهند وباكستان.

-ماذا فعل من بيدهم الامر من الاشقاء العرب في حرب ١٩٤٨؟

لقد عملوا على إخلاء فلسطين من سكانها العرب وتسليمها لليهود. فقد ذهبوا بجيوش لا لتحارب، وانما لتجريد الفلسطينيين من سلاحهم ومنع السلاح عنهم.

ثم تركتهم جماعات بشرية عزلاء، وحولتهم الى مشروع ضحايا لارهاب العصابات اليهودية المتطرفة، فرحلوا تحت وطأة الاعتداءات المسلحة، وضغوط الحرب النفسية.

بعد اخلاء فلسطين من سكانها، وتوقيع اتفاقيات رودس ١٩٤٩، التزمت الجيوش العربية من خلال نصوص هذه الاتفاقيات، بحراسة حدود اسرائيل «الامر الواقع»، ومنع الفلسطينيين من أي محاولات فردية او جماعية للعودة، بوضعهم في مواجهة خيارين، اطلاق النار عليهم وقتلهم، او إلقاء القبض عليهم بتهمة الخيانة وشنقهم. فكانت هذه الاجراءات من انجح الوسائل لمنع الفلسطينيين من الاقتراب من خطوط الهدنة.

ومن جانبها، قامت القوات الاسرائيلية تحت سمع وبصر الجيوش العربية بعمليات عسكرية فظيعة في الضفة الغربية وقطاع غزة بقيادة ارئيل شارون سواء للوحدة «١٠١» في الاعتداء على «قبية»، في ١٤/ ١٠/ ١٩٥٣، او لالوية من المظليين في العدوان على «غزة» في ٢٨/ ٢/ ١٩٥٥، لمنع ما تسميه اسرائيل بالتسلل.

من خلال إلحاق الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، مدة تسعة عشر عاماً، بنظامين عربيين مختلفين «في تلك الفترة»، وقطع كافة وسائل الاتصال ومنع فرص التواصل بين الشعب الفلسطيني في الاقليمين، انعكس ذلك خلافاً بينهم في المواقف السياسية، وفي البنية الاقتصادية، والنسيج الاجتماعي. وفي المجال التربوي والمؤثرات الثقافية التي لم نبرأ من سلبياتها.

من منطلق الصدق مع الذات، وبدلاً من ان نوسع العدو شتماً بعد ان اودى، بالابل، سوف نعقد مقارنات، هدفها التوعية، بين المجموع العربي بمكوناته وبين اسرائيل.

لقد طورت اسرائيل قواها السياسية والاقتصادية والعسكرية. فقد حولت مجرى نهر الاردن، وجلبت اليهود الروس، وطورت صناعة الاسلحة، وحصلت على الاسلحة النووية او بالاحرى انتجتها.

قبل ذلك استطاعت الخروج من النطاق العربي الذي يطوقها الى عقد محالفات مع كل من ايران وتركيا واثيوبيا. وتجاوزت تثبيت الامر الواقع الاقليمي وفرضه على العرب، واتجهت الى المزيد من التوسع. ووصلت تأثيرات الردع العسكري الاسرائيلي الى ابعاد جديدة، فقد انقلب حلف الدفاع العربي المشترك الى مبادرة السلام العربية.

-ماذا عن عالم العرب؟

«كذب الثوريون ولو صدقوا». تكفي هذه العبارة لان تكون عنواناً لكل المصائب التي حلت بالفلسطينيين وبالشعوب العربية.

والآثار السلبية التي انعكست على أحوال الشعوب العربية الاخرى جرّاء الانقلابات العسكرية، والحروب الاعلامية.

لقد اشاعت هذه الانظمة الاستبداد والفساد في ديارها، وعمقت الاستبداد بين العرب، واضعفت جيوشها بعد ان ابتعدت بها عن حرفتها. فلاذت بالاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، الذي امّن الانظمة الحاكمة، ولكنه لم يستطع ان يؤمن لشعوبها الغذاء.

-ثم ماذا فعل الثوريون العرب؟

اداروا ظهورهم للقضية الفلسطينية من خلال صحوة مفتعلة، سيئة القصد، فأحالوها الى الشعب الفلسطيني بعد ان أوسعوه اذلالاً وانهاكاً، ليقف حائراً بين التنازل لساسة اسرائيل او الانتحار تحت جنازير دباباتها.

بواسطة
محمد جلال عناية
المصدر
وكالة القدس للأنباء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى