مقالات وآراء

لقد استفحل ما هو أخطر من السرطان…

لا نستطيع أن ننكر أنّ الكثير من دول العالم المتخلف منها والمتقدم تُعاني من ظاهرة عدم الإخلاص في العمل الوظيفي وبخاصة الحكومي, والاستفادة منه بما يُخالف قانون العمل, وبما لا يتفق والأخلاق الإنسانية, ولكن هذه الظاهرة نجدها بنسب متفاوتة بين هذه البلدان.
إنّ حديثنا عن هذه الظاهرة البارزة للعيان في مجتمعنا ليست ثرثرة الغاية منها الكتابة, كما أنّ تشبيه هذه الحالة بمرض مستفحل ليس من باب التشويق, وإنما حديثنا عن هذا الموضوع يأتي لِما له من أثر على تطور وتخلف مجتمعنا, وأثر على درجة الرقي والهبوط الأخلاقي له, ونظراً لآثاره السلبية على الأجيال الآتية التي يمكن أن تتلقى هذه الظاهرة كعادة اجتماعية دون استغرابها, وأيضاً لِما تعكسه من صورة سلبية أمام المجتمعات الأخرى.
إنّ مرض السرطان إذا أصاب شخصاً ما فإنه غالباً ما يُسبب موته, أو أنه يتم استئصال العضو المُصاب دون أن يكون لذلك آثار جانبية سلبية على الأشخاص الموجودين حوله. أمّا بالنسبة لظاهرة الاستغلال الوظيفي, فحتى لو مات من يقوم بهذا العمل فإنه يترك أثراً من عمله وأفكاره على عائلته وأصدقاءه وعلى الغير من أفراد المجتمع, بالإضافة لِما يسببه لعمله من الضعف والإنهاك وبالتالي المجتمع.
لقد أصبح كما تلاحظون أنّ نسبة المستغلين لمواقعهم الوظيفية كبيرة وصراحة ليس لدينا نسبة دقيقة لها ولكن أعتقد أنها متجلية للجميع, الكبير منا والصغير, للمواطن والمسؤول منا. وجميعنا يعلم سلبيات هذا الموضوع تجاهنا جميعاً وتجاه مجتمعنا, وما يُسببه من تردي للحياة الاجتماعية بين أبناء المجتمع. ومن ينظر بعمق لهذا الموضوع يجد أنّ الحالة بتزايد مستمر وهي بطريقها لأن تصبح مزمنة, حيث أصبحت تورّث من موظف لآخر, من الأب للابن, من الشخص لصديقه وهي تتجه لأن تكون عرفاً وفعلاً شرعياً. لقد أصبح الناس رويداً رويداً معتادين عليها ولم تعد بالنسبة لهم تلك الظاهرة الغريبة المخالفة للآداب والأخلاق الإنسانية.
لقد هبطت وللأسف أخلاقية الكثير من الموظفين في الدوائر الحكومية المختلفة وانعدمت الغيرة لديهم نهائياً على عملهم وعلى كرامتهم ووطنهم لِما يقومون به من ممارسات نتيجتها سرقة المواطن والوطن مقابل إرضاء أنفسهم المريضة. لقد أصبح الشخص يسأل هنا وهناك قبل انتخاب وظيفته عن كيفية العمل وطريقة الكسب ( مقدار المال المحصول عليه من غير الراتب) والخطة المتبعة للتعامل مع المواطن. وترى منهم يرفض من الوظائف التي لا تعود عليه إلّا بالراتب الحكومي, والمضحك المبكي أنّ الكثير منهم يقبل بوظائف ضعيفة الراتب ( حيث تتناسب والتحصيل العلمي) علماً أنه لديهم تحصيل علمي أعلى من المطلوب للوظيفة, وهذا ليس لقلة الوظائف ولكن لأنهم يدركون جيداً أنهم سيحصلون على أضعاف مضاعفة من الراتب الحكومي الحقيقي من خلال الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية عبر هذه الوظيفة .
لقد أصبح كلام الآباء والأُسر بشكل عام بالبحث عن وظيفة يستطيع ولدهم من خلالها كسب مال إضافي بدون جهد وتعب وبأسلوب غير قانوني وغير أخلاقي أصبح حديثاً عادياً وأمسى حديث الصباح والمساء وحديث الصالونات. وما يثير اشمئزازك عزيزي القارئ أنهم نفسهم يتحدثون في جلسات أخرى وحتى في نفس الجلسات عن الوضع الاجتماعي المتردي والأخلاق الهابطة لبعض الموظفين والمسؤولين, وعن الحالة المتردية للمجتمع وأسباب عدم تطور البلد.
هناك من سوف يُنَغصه هذا الكلام, وسوف يتحدثون إلينا بضعف الراتب الحكومي وعدم كفايته للحياة والعيش. جيد هذه الكلام, حيث إذا كان لديهم العلم بأنّ الراتب غير مناسب وغير كافي للحياة فكيف يُحللون لأنفسهم أن يقتنصوا جيوب أخوتهم في المجتمع والذين قد لا يملكون بالأصل راتب حكومي.علماً أنّ هذا الابتزاز والسرقة تشمل في الغالب أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة فقط. أمّا غيرهم من الطبقات الأعلى (( مالاً )) وأصحاب المسؤوليات فهم لا يتعرضون لهذا الابتزاز ولعبارات مثل: ( اضبارة ضائعة _ نقصان ورقة ما _ الختم غير واضح _ ارجع غداً….. الخ ). وإنما أعمالهم تُنجز بأسرع مما تتخيلون, والموظف حينها تلبسه الأخلاق من رأسه لأخمص قدميه ويصبح نموذجاً للموظف المخلص المثالي.
أخي الموظف إنَّ حِججك ودفاعك عن تبني هذه الظاهرة هو كلام مرفوض تماماً, فهذا الموضوع موضوع أخلاقي إنساني بحت, يرتبط بأخلاقيتك كإنسان وباجتماعيتك كفرد ضمن المجتمع. فالوطن كما تعلم ليس ملك شخص أو مجموعة وإنما هو لنا جميعاً بما فيه أنت وأولادك. ونضرب لك مثلاً: عندما تفتح منزلاً ويصبح لديك عائلة أي بمعنى آخر تصبح مسؤولاً عائلياً وبإرادتك طبعاً هل تفقد غيرتك تجاه منزلك وعائلتك, وكذلك الحال بالنسبة لعملك الذي استلمته بإرادتك عليك أن تصونه وتحميه وأن لا تدع الجشع ينهشه سواءً منك ومن غيرك إلّا إذا لم تكن تمتلك تلك الغيرة على منزلك وعائلتك.
يأتينا آخر ليقول لنا جميعهم هكذا, ماذا أفعل لوحدي؟. طبعاً هذا مجرد كلام لأجل التّهرب من المسؤولية ويدل على الفردية وحُب الذات. فهل سيقبل هذا الموظف إذا مرض أولاده بالسل مثلاً أن يقف متفرجاً عليهم ويجلس معهم, أم سوف يسعى لعزلهم ومعالجتهم. أو مثلاً إذا شاهد جزءً من منزله يحترق فهل يساهم في حرق الجزء الآخر منه أم يُخمد ناره. أو إذا كان داخل المنزل أولاده واحترق أحدهم هل يترك البقية يحترقون ؟.
أعتقد أخي الموظف أنّ الأمر لا يختلف عن وضعك وموقعك الوظيفي.
فإخلاصك لعملك هو إخلاص لوطنك ومجتمعك وبنفس الوقت إخلاص لبيتك, وكذلك إخلاصك وحبك لأبناء وطنك هو أيضاً حب وإخلاص لأبنائك.

بواسطة
حسن عثمان

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. تأكيدا لما ذكر الكاتب الكريم ردا على مقولة ماذا اففعل لوحدي
    اقول ابدأ بنفسك ثم بالاخرين ولكن هناك دور آخر مهم كما نعاقب المسيئ يجب ان نكافأ المحسن بمعنى مبدأ الثواب والعقاب وللاسف هذا غير موجود بمجتمعاتنا حتى رب العباد عاملنا على هذاالمبدأبالجنة والنار

زر الذهاب إلى الأعلى