اقتصاديات

الأزمـة الماليـة العالميـة تواصل تـداعياتهـا علـى اقتصاديـات العـالم

تتواصل تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تعصف باقتصاديات الدول الكبرى رغم الخطط والإجراءات الكثيرة التي اتخذتها الحكومات في مختلف دول العالم للخروج من الأزمة التي يتوقع أن توقع الاقتصاد العالمي في ركود قد يستمر لسنوات.
وتوقعت منظمة العمل الدولية أن يبلغ عدد العاطلين عن العمل في العالم 198 مليون شخص، محذرة من ارتفاع العدد إلى 230 مليون إذا ما استمرت هذه الأزمة، داعية حكومات الدول إلى إدراج قضية خلق فرص عمل في أولويات خططها الاقتصادية.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الدول للخروج من الأزمة بأسرع وقت وضخ مليارات الدولارات لإنقاذ المؤسسات المالية تواصل الأزمة فصولها منذرة بركود اقتصادي يمتد لسنوات.

ففي الولايات المتحدة التي انطلقت منها الأزمة تحت اسم ما أصبح يعرف بأزمة الرهن العقاري مازالت الأزمة تتعمق حيث أعلنت شركة صناعة الطائرات الأميركية (بوينغ) ثاني أكبر شركة لصناعة الطائرات بالعالم هذا الاسبوع تراجع كبير في طلبات الشراء لديها للطائرات التجارية، بسبب الركود الاقتصادي العالمي.

وأوضحت الشركة أنها تلقت 18 طلبية في كانون الثاني الماضي بانخفاض بنسبة 72% عن نفس الشهر من العام الماضي الذي سجل فيه 65 طلبية مايعزز توجهها للاستغناء عن عشرة آلاف وظيفة بسبب الانخفاض الكبير في أرباحها بالربع الأخير من العام الماضي.

كما استمرت المصارف الأمريكية بإعلان إفلاسها منذ بداية العام حيث وصل عددها إلى تسعة مصارف مع إعلان مصرفي "كاونتي بنك" و "وست أميركا بنك" السبت إفلاسهما في كاليفورنيا. ودق الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل عدة أيام ناقوس الخطر بسبب ارتفاع معدل البطالة في بلاده، محذرا من استمرار الوضع على ما هو عليه قائلا "إن الركود الحالي قد يستمر عدة سنوات" وأن الاقتصاد الأمريكي سيخسر خمسة ملايين وظيفة إضافية.

وبعد سجال حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين توصل مجلس الشيوخ الأميركي يوم الجمعة الماضي إلى تسوية على خطة للنهوض بالاقتصاد الأميركي بـ 780 مليار دولار ومواجهة الأزمة التي ادت الى إلغاء 598 ألف وظيفة في البلاد خلال كانون الثاني، بينما ارتفعت نسبة البطالة إلى 6.7% مسجلة أعلى مستوى لها في 16 عاماً.

ويأتي الاتفاق على الخطة متزامنا مع تحذير أطلقه صندوق النقد الدولي من أن أزمة قطاع الإسكان الأمريكي ستزداد وتستمر لفترة أطول مما كان متوقعا ويمكن أن تمتد إلى دول أخرى .

ولم تقتصر الأزمة المالية على الولايات المتحدة بل امتدت إلى معظم دول العالم ومنها جارتها كندا التي تأثرت فيها صناعة الطائرات بشكل كبير حيث أعلنت شركة بومبارديير الكندية ثالث أكبر شركة صناعة طيران عالمية أمس، إنها ستلغي 1350 وظيفة أي 4.5% من قوتها العاملة لتواجه مشكلة انخفاض الطلبات على طائرات رجال الأعمال.

وطالت الأزمة المالية القطاعات الاقتصادية الكندية الأخرى وأدت إلى تسريح 129 ألف عامل الشهر الماضي ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 2.7% مسجلة تراجعا شهريا لم تشهده البلاد منذ الثمانينات وذلك وفقا للمعهد الرسمي للإحصاءات في كندا.

الأزمة المالية التي عبر الأطلسي بسرعة لتطال كبرى الاقتصاديات الأوروبية، مازلت تتفاقم وتلقي بظلالها على القطاعات الاقتصادية في القارة.

ففي بريطانيا أعلن المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية السبت الماضي انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.7% خلال ثلاثة أشهر حتى كانون الثاني مخفضاَ مستوى النشاط الاقتصادي بنسبة 3.3%عن ذروته في نيسان 2008، ويعتبر هذا المعدل في الهبوط هو الأسرع منذ 25 عاماً. وسقطت بريطانيا في الركود نهاية العام الماضي مع انكماش الاقتصاد بنسبة 1.5% في الأشهر الثلاثة الأخيرة وهو أكبر تراجع منذ 28 عاماً.

أما في إيطاليا التي تعتبر أحد أكبر اقتصاديات القارة الأوروبية، فقد حذر صندوق النقد الدولي يوم الجمعة من إمكانية استمرار الركود الاقتصادي في البلاد حتى العام 2010، مشيرا إلى انه وبالرغم من صمود اقتصادها المالي فمازال مناخها الاقتصادي يعاني من التدهور، مع توقع وصول العجز العام إلى ما يوازي 7.2% من إجمالي الناتج الداخلي هذا العام و9.3% في العام القادم.

وبخطوة عملية لتجاوز الأزمة كشفت الحكومة الإيطالية عن حزمة تحفيز قيمتها مليارا يورو ( 2.56 مليار دولار) لصناعتي السيارات والأجهزة المنزلية المتعثرتين، في محاولة لتشجيع الإنفاق وانتشال الاقتصاد من الركود.

غير أن مسؤولي صناعة السيارات رأوا التحرك الحكومي للمساعدة في هذا الإطار غير كاف واعتبرت مجموعتا فيدركونسيوماتوري وأدوسبيف اللتان تدافعان عن مصالح المستهلكين أن الخطة الحكومية غير كافية تماما. وقال مسؤول في نادي صناعة السيارات الإيطالي أيه سي آي "لسنا راضين تماما عن هذه الخطة التحفيزية، وبصراحة كنا نتوقع أكثر من ذلك من الحكومة".

وفي فرنسا، ارتفع العجز التجاري إلى مستوى قياسي ليبلغ 55.7 مليار يورو (71.35 مليار دولار) في العام الماضي. وعزت السلطات العجز الكبير إلى ارتفاع أسعار النفط لمستويات عالية في النصف الأول من العام وبفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية على كبار الشركاء التجاريين من مختلف دول العالم، الأمر الذي أدى إلى تراجع الصادرات الفرنسية.

ورغم أن فرنسا لا تواجه نفس المصاعب الاقتصادية التي تؤرق جيرانها مثل إسبانيا وبريطانيا فإن معدل البطالة يقفز بإطراد، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 2.07 مليون في تشرين الثاني الماضي بارتفاع 8.5% عن العام السابق.

ومع توقعات المحللين بانكماش الاقتصاد بما يصل إلى 2% العام الجاري صاغ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي برنامجا للتحفيز الاقتصادي قيمته 26 مليار يورو (34 مليار دولار) في نهاية العام الماضي بهدف تشجيع الاستثمار وحماية الصناعات الرئيسية.

أما اليابان التي تعتبر من كبرى الاقتصاديات الآسيوية، فقد عزز تزايد معدلات البطالة وتراجع إنفاق العائلات واحتمالات سيئة للإنتاج الصناعي مخاوف المستثمرين من الانكماش الاقتصادي، حيث أطلقت "هيتاشي" أكبر صانع للالكترونيات في اليابان تحذيرا من أنها ستواجه اكبر خسارة سنوية لشركة صناعية يابانية، بينما أعلنت صانعة رقائق ذاكرة الحاسوب إن.آي.سي كورب عن تسريح 20 ألف عامل وهو أكبر تسريح للعمال في آسيا منذ بدء الأزمة المالية.

ومن المتوقع أن تظهر بيانات إجمالي الناتج المحلي الفصلية لليابان التي تصدر الشهر الجاري انكماش اقتصادها بمعدل يدخل في خانة العشرات مع هبوط الإنتاج الصناعي بنسبة قياسية 9.6 في كانون الأول وتخفيض الشركات إنتاجها من السيارات والالكترونيات والآلات.

ويتوقع أن تمنى شركة تويوتا موتورز اليابانية-أكبر الشركات العالمية لإنتاج السيارات بأول خسارة سنوية تعادل ثلاثة أضعاف الخسائر التي توقعتها سابقا، في وقت أعلنت فيه عن خطط لخفض إنتاجها تماشيا مع هبوط المبيعات جراء الأزمة المالية العالمية.

ولم تسلم شركة الخطوط الجوية اليابانية من الأزمة، فمنيت بخسائر صافية قدرها 38.5 مليار ين (428 مليون دولار) في الربع الأخير من العام 2008. وعزت الشركة هذه الخسارة إلى تراجع الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا في ظل الأزمة المالية العالمية وارتفاع سعر صرف الين مقابل العملات الرئيسية الأخرى.

أما في الصين التي يشهد اقتصادها اكبر نسبة نمو عالمية فقد أعلن مسؤول رفيع قبل أسبوع أن نحو 20 مليون عامل مهاجر من المناطق الريفية فقدوا وظائفهم بسبب التباطؤ الاقتصادي الناجم عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية.

يأتي ذلك بينما قال رئيس الوزراء الصيني وين جياباو إن بلاده تبحث اتخاذ إجراءات جديدة لتعزيز نموها الاقتصادي والحيلولة دون تراجع الاقتصاد.

ولم يوضح جياباو ماهية هذه الإجراءات بعدما أعلنت الحكومة في تشرين الثاني الماضي خطة للتحفيز الاقتصادي قوامها 4 تريليونات يوان (586 مليار دولار) لتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة من أجل درء آثار الأزمة المالية إلا انه أشار إلى أن آثار الخطة بدأت تظهر الشهر الماضي وذلك بعد انخفاض النمو الاقتصادي للصين في الربع الأخير من العام الماضي إلى 6.8% مقارنة مع نفس الفترة من العام 2007.

ومن الاقتصاديات الناشئة في أمريكا اللاتينية نالت البرازيل التي تعد القوة الاقتصادية الكبرى في القارة حصتها من تأثيرات الأزمة المالية.

فرغم أن البرازيل تمتلك سادس أكبر صناعة للسيارات في العالم إلا أن شركات كبرى لصناعة السيارات هناك مثل مرسيدس وفولكسفاغن منحت عمالها إجازات إجبارية مع احتمال الأستغناء عن أعداد كبيرة من العمال في حال عدم ارتفاع مبيعات السيارات.

وأدى الانخفاض الكبير في أسعار البترول إلى زيادة المخاوف بشأن مستقبل برامج التنمية الاجتماعية في كبرى البلدان المصدرة للنفط في المنطقة مثل الإكوادور وفنزويلا.

وقالت ربيكا غرينسبان رئيسة الفرع الإقليمي لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أنه من الممكن أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الحالية إلى ارتفاع كبير في معدلات الفقر في أمريكا اللاتينية بنسبة قد تبلغ 15 % هذا العام.

ويخشى المحللون أن يفقد نحو 2.4 مليون شخص في أمريكا اللاتينية وظائفهم وقالت غرينسبان إنه يتعين على حكومات المنطقة أن تقدم دعما ماليا لاقتصادها أو تواجه فقدان الكثير من المكاسب الاجتماعية الكثيرة التي حققتها خلال السنوات الأخيرة.

ولم تسلم الدول العربية من تداعيات الأزمة المالية وخاصة الدول الخليجية التي يرتبط اقتصادها بشكل مباشر مع الاقتصاد العالمي حيث توقع مسؤول في صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي للعام 2009 ليصل إلى 5.3% مقابل 8.6% عام 2008 جراء انخفاض أسعار النفط الخام في خضم الأزمة المالية العالمية.

وكانت دول المجلس قد حققت على مدى السنوات القليلة الماضية فوائض ضخمة جراء ارتفاع أسعار النفط الخام وهي تعول على هذه الفوائض للاستمرار في الإنفاق العام أوحتى رفعه.

الدول الخليجية التي شهدت في الأعوام الأخيرة طفرة غير مسبوقة في الاستثمارات وبالأخص في قطاع العقارات تأثرت هذه القطاعات بالأزمة المالية وفي الإمارات العربية المتحدة الرائدة بمجال الاستثمار العقاري أدى نقص السيولة والتشدد في شروط منح القروض المصرفية إلى تجميد مشاريع بناء بقيمة 582 مليار دولار كما أن مشاريع كبيرة تصل كلفتها الإجمالية إلى 698 مليار دولار لاتزال قيد الإنجاز.

ونتيجة لهذا التأثر فإن 45% من العمال في قطاع البناء في الإمارات قد يخسرون عملهم في عام 2009.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى