صدى الناس

يوميات سوري عاطل عن العمل

كتب في يومياته .. بالبداية كنت طالبا جامعيا ، يجمعني بكل يوم حب العلم مع زملاء لطالما شاركوني همومي وآلامي وحياتي الجامعية ..
تركت الجامعة بعدما ملئتها أسر النازحين ، أصبح الطريق إلى إيلات أبسط من الطريق إلى الجامعة ، أبي وأمي وأخوتي أصبحوا يتذمرون من بقائي في البيت ، فماذا أفعل !!
ذات يوم جلس معي والدي ؛ فسألني "يابني لماذا لاتذهب إلى جامعتك أو تنظر إلى أي عمل يفك قيدك من البيت ؟ !! " تنهدت قليلا وشعرت بأن والدي محق فلا داعي للخوف من إرهاب الجهل مادمنا نملك العلم والإرداة ، لكنني أجبته بالقول ..
"يا أبتي .. لقد أصبحت أخاف الخروج من البيت لأني لم أعد قادرا على رؤية الحياة بهذا الشكل ..
عندما أصعد إلى السيارة لا أعرف أي سيارة مفخخة من حولي ستنفجر ، ولا أعرف إن كان ثمة أي صاروخ حراري سيصتدم بسيارتي .. عندما أجلس بالحديقة أو بكافيتريا الكلية ، لا أعرف إن كنت سأكمل جلستي هذه مع أصدقائي أما لا !! فربما تسقط علينا قذيفة هاون فتكون آخر جلسة تجمعنا بالدماء ..
يا أبتي .. أصبحت أخاف من النقاش بأي حديث يمكن أن نتحاور به مع زملائي داخل قاعة الدرس لأن الحال سينتهي بنا بموالي أو معارض ، ويوم بعد يوم ستزداد العداوة بينا ولن ينتهي بنا الحال على طريق السلام ، فإن كنت مؤيد أو معارض فالنتيجة نفسها ستصبح عدو لجماعة تريد قتلك وإخراج روحك من جسدك ..
"يا أبتي .. أصبحت أخاف من الجزار الذي يبيع اللحمة ، فعندما أقف أمام الجزار لشراء اللحمة أصبحت أتوهم بأنه يقطع رأس إنسان وقد يهجم علي لقطع رأسي ، حتى عندما أريد الحصول على الخبز أصبحت أخشى من رجال "جبهة النصرة" فقد أعدموا شخصا أمامي بذبحه لأنه صرخ بوجههم ومنعهم من سرقة خبزه " ..
"يا أبتي .. ذات يوم أمسك بيدي شخص ذو لحية طويلة عريض المنكبين ، وإتهمني بأنني عميل "النظام" ويجب ذبحي ، كل ذلك لأنه قرأ بكتابي الذي أحمله "الجمهورية العربية السورية" ، لقد أراد ذبحي فقط لأنني سوري أنتمي للجامعات السورية إنهم يخافون حتى من علمنا قبل دباباتنا " ..
"يا أبتي .. لقد أصبحت أخاف حتى من الصلاة بالمسجد فلم أنسى حتى الآن صورة رأس أمام الجامع بحارتنا القديمة وهو معلق على المآذنة ، لقد أصبحت أتوهم حتى من المصلين الوافدين إلى الجامع بأن يكون أحدهم يحمل ببطنه حزام ناسف" ..
كان أبي بتلك اللحظة يتأمل بحديثي ثم نهض فأمسك بيميني وقال لي "تعال معي" … جلست بصحبته "بمكتبه" فأخرج من حقيبته "CD" ووضعه داخل سواقة "كمبيوتره" فظهر على الشاشة صور لأحلى الأماكن في سورية رافقها أغنية فيروز ، فقال لي "هذه سورية مع كل قطرة دم تخرج ثمرة وفوق كل ثمرة تضفوا حضارة ووراء كل حضارة قصة شعب تحدى الجراح بالألم وتحدى الجهل بالعلم ، أمسح يابني من ذاكرتك الصور السوداء وأنهض رغم الجراح لتكون العون والسند لبلدك على أعدائه" .

بواسطة
أحمد دهان
المصدر
خاص شهبانيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى