تحقيقات

المرأة العاقر.. فقدان في رحم الإحساس العاقــر.. ربمــا أنــا .. أنــت.. أو ابنتــك

في أحداقها يكمن الحنان.. ومن قلبها ينبع الأمان.. هي سيدة تغفو الحياة في محياها، إن لامس الصفاء روحها ينعم بما تكنّه من أمومة الوجدان التي تفتقر لها من تلد ولايولد بروحها
 العنفوان، سألتها من أنت، قالت: أنا من أخيط من الزمن أمومتي، وأنحني للإنسانية بعطائي، ما أكنّه للآخرين يختصر الأم التي حرمني الله أن تكون من رحمي، لكنه أنعم علي بها في عاطفتي، لابأس فلو كانت أمومتي بالولادة لكانت لبعض أطفالي، أما بعاطفتي أستطيع أن أمنح الكون أمومتي.

المرأة العاقر في المجتمع
تحارب العاقر اجتماعياً من خلال النظرة السلبية الموجهة لها من كل صوب وناحية، بداية من العائلة إلى الأقارب الأصدقاء والجيران، تلك النظرة تستطيع الأنثى تمييزها من بين آلاف المشاعر التي تصادفها في حياتها، لاسيما أن حدس الأنثى يكون أقوى تجاه خطب ما يصيبها، وفي أغلب الأحيان تترافق هذه النظرة بأحاديث وأفعال تسلط الضوء على كونها عاقراً أو عقيماً، فينسون كل نواقصهم وسلبياتهم، وتكون هي محور التذمر والانتقاص، علماً أنها قد تكون أكمل منهم إنسانياً، ثقافياً علمياً واجتماعياً، وبالتالي قد تنعكس هذه النظرة عليها سلباً وبطريقة مباشرة، مما يدفعها إلى عمق المأساة وزجها في براثن المرض النفسي مثل الاكتئاب، الإحباط، بالتالي يسحق شعورها بالأمان ويقتل رغبتها في مواصلة الحياة الزوجية الشخصية، والابتعاد عن المحيط الاجتماعي.

تعقير المرأة بعقم الرجل
في اختلاف أطياف وشرائح المجتمع لابد من وجود حالات عقم الرجل، بالتالي تختلف السلوكيات ووجهات النظر بين الزوجين، فمن الزوجات من يفضلن الانفصال والارتباط مجدداً للحصول على نعمة الأمومة، ومنهن من يفضلن أزواجهن على الإنجاب، وفي هذه الحالة نرى الأنثى حريصة على مشاعر زوجها الذي تحبه وتحترم كينونته الاجتماعية، وبالتالي تفضل رفض الإجابة على سؤال: من أين العيب منه أم منك؟ وكأن في ذلك عيباً، وكأن لا عيب في سؤالهم المتطفل على حرية الأفراد الآخرين، وفي حالة وجود زوج عقيم نفسياً وصحياً نرى الزوجة مظلومة ومجبرة على تحمل العقمين سوياً، ونرى الرجل يتفاخر بين الناس أنها هي السبب، ويحكي عن تحمله لها رغم ذلك، وصبره عليها، لا وقد يشتمها ويعيرها بالأخريات، وطبعاً لايستطيع منحها الطلاق كي لاتتزوج وتنجب فتكشف كذبه، بل وقد يتزوج مرة أخرى كي يبرهن للناس كلامه، وحتماً ستكون زوجته الأخرى عاقراً.
سامر ط.. عقيم تزوج على زوجته كي يبرهن للآخرين قدرته على الإنجاب، وكانت الزوجة الجديدة أرملة وأماً لطفل، وراح يتفاخر بين الناس مدعياً أنه والد الطفل وأنها كانت زوجته بالسر منذ فترة طويلة خوفاً منه على شعور زوجته الأولى.

في الحالتين المرأة هي الضحية في نظر المجتمع، فأصابع الاتهام موجهة لها وليس له، من كانت تفضل زوجها أكثر من أمومتها تكون متصالحة مع نفسها تجاه هذه المطبات الاجتماعية، وتحاول تعويض نفسها مع زوجها أولاً، وبنشاطها الاجتماعي ثانياً، فمن تيسر لديها الحال المادي تقوم برعاية جمعية أو دار ما، ومن لم يتيسر لديها الحال المادية تقوم بلف العائلة المحبة بها بحنان ومعاملة حسنة، ومن كانت تعاني من زوج ينتهك إنسانيتها قد تتراكم عندها معطيات الحرمان والقمع فتغرق في الألم والانعزال.

نظرة الأهل.. والمجتمع
في حالات الزواج بعد قصة حب عظيمة تربط الطرفين، والتفاهم الذي نتج بالحياة المشتركة، لابد من وجود أزواج متصالحين مع أنفسهم ومع مسألة عدم إنجاب زوجاتهم، وقد نرى في هذه الحالة العديد منهم يستبعدون فكرة الانفصال عن زوجاتهم، أيضاً يحاولون مدها بكثير من المحبة، لكن لابد أن هذا الزوج يشعر بنقص ما، فعملية الإنجاب حالة مطلوبة نفسياً واجتماعياً «غريزة الأمومة جانب من التكوين النفسي وامتداد لذات الرجل كما هو بالنسبة للمرأة».

الأهل بعد زواج ولدهم يثابرون على عد الأيام والشهور انتظاراً منهم لحفيد يملأ نفوسهم بالبهجة، بالتالي تكون مثابرتهم في الحديث عن ذلك كمنبه يتحرك رنينه كالسكين في جرح يجرح باستمرار، أغلبهم عندما يعرفون أن السبب هي «الكنة»، يبدأ بالمثابرة على خلق فجوة بين الزوجين كي تحل مكانها زوجة منجبة، ونرى هذه الحالات بوضوح عند العائلات التي لديها ابن وحيد، أو عندما يكون أول ابن يتزوج في العائلة.

من الأصدقاء كلمة، ومن الجيران إشارة، ومن الأقارب نصيحة، هذا ما كان ينقص زوجاً يحمل في قلبه محبة زوجته ونزاعه بين أهله وأبوة يتمناها، فهذا المحيط الاجتماعي يصرخ في وجهه لم لا تتزوج عليها وتنجب.. أنت يحق لك ذلك ويجب ألا تحزن هي منك، فهذا حقك وهي يجب أن تسلم بذلك.

هنا نرى ثلاثة أنواع مختلفة من انعكاس فعل الزوج، فمنهم من يبقى متمسكاً بزوجته الحبيبة التي لا يستطيع الحياة دونها، ولا جرح مشاعرها ويواظب على منحها الثقة بالنفس وحمايتها من براثن المجتمع والأهل، بل ويتابع سيرها الصحي كي يمنحها أملاً ربما يتحقق.

سألنا السيد عادل. ش الذي أنجبت زوجته بعد خمس سنوات من زواجهما عن موقفه تجاه زوجته قبل الإنجاب فقال: "في تلك الفترة كنت معها لحظة بلحظة في شخصيتها وصحتها، وكنت أسافر معها من بلد إلى بلد للبحث عن أمل يمنحها المحبة، كنت أستطيع السفر بحثاً عن علاج لها حتى نهاية العمر، لكني لا أستطيع الحياة دونها لحظة من العمر".

ومن الأزواج من تطغى دوامة الإنجاب، الأهل، والمجتمع على محبته لزوجته فإما يقنعها بالزوجة الثانية والإنجاب من أخرى، وإما يتزوج عليها بالسر والحياة مع عائلة أخرى دون معرفتها بها.

العاقر بين الإنجاب والأمومة
هل العاقر عن الإنجاب هي وحدها عاقر، من يلدن ويرمين أطفالهن ألسن عاقرات أمومة؟ الحمل، الولادة، هذا من طبيعة المرأة الجسدية، وهو ما يمنحها لقب أم، لكن التربية، الحنان، العطف، العناية، السهر وغيرها من العطاء الروحي هو من يجعل من الأم هذه الكينونة المقدسة التي لا يستطيع الإنسان تعويضها في أحد آخر غيرها.

قالت مروة. س: لا أعرف شكل والدتي إلا بالصور، بعد طلاقها من والدي لم ترني ولا مرة في حياتي، رغم أن والدي لم يحرمها مني، وإن كان ذلك فالقانون يسمح لها بزيارتي أو طلبي إليها في كل حين، لكنها أبت ذلك، ربما إن رأيتها ميتة لا أشعر تجاهها إلا بما أشعر به تجاه أي شخص آخر، حقاً لا أعرف ماذا تعني كلمة أم، وأتمنى أن أنجب كي أعوض ما حرمت منه بأطفالي.

ما نراه في الشوارع الآن، ما نعلم عنه في دور الأيتام، وما عرفناه في مستشفيات الأمراض النفسية، يجعلنا نسأل أين هي تلك الأم، عندما يجوب طفلها الشوارع في البرد والحر من أجل التسول، عندما ترمي طفلها في دار أيتام كي تتزوج هي، وعندما يشفى ولدها من مرض نفسي كان قد دخل المستشفى على أثره وشفي بعد ذلك منه ولم تستعده لحضنها وحضن المنزل، إضافة لمن لم تتقيد بقيم الأم في الأسرة والمجتمع وحمّلت ولدها لقباً ما، ألسن هؤلاء عاقرات وعقيمات أمومة؟ وأين هن ممن لم تنجب ومنحت روحها لأطفال الملاجىء، الجمعيات الخيرية، أطفال العائلة في مرضهم، دروسهم وحياتهم.. ألسن هؤلاء أمهاتنا النابضات بالحياة؟.

بواسطة
تحقيق : غانيا درغام
المصدر
شهبا نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى