مقالات وآراء

الثورة X

البرتقالية1 , الوردية 2 , القرمزية 3 , وحتى الخضراء 4 , ألوان كانت لصيقة بثورات قامت في بعض الدول المناوئة للغرب ولا يخفى على أحد بأن تلك الثورات الملونة كانت مدعومة بل ومسيرة وممولة من الغرب أيضاً
إلا أن الثورة السورية وإن جاز تسميتها بذلك لم تجد حتى الآن اسماً لها فهي تترنح بين صفات لكل منها أثره وتأثيره فلربما كانت " الثورة الترابية " نسبة إلى حجم التراب الهارب من الأبنية المهدمة والذي غطى الناس وردمهم أو على أفضل تقدير قد إلتهمت لظاه أثاثهم الذي جمعوه خلال فترات عمرهم النضالية من فتات الراتب قطعة قطعة ناهيك أصلاً عن البيت نفسه , أو لعل التسمية نسبة إلى امتزاج أجسام البشر مع أصلهم الذي خُلقوا منه " منها خلقناكم وفيها نعيدكم " , أو لربما كانت "الثورة البيضاء " وشتان بين بياض الياسمين التونسي وبياض الكفن السوري , أم إنها " ثورة النجوم " فبين نجمتين خضراوين وثلاث حمراوات يرى السوريون كل يوم أحداث كونية مذهلة فلقد تخلت نجوم السماء عن رفقة القمر وصاحبت الشمس لتغدوا " نجوم الظهر " في أعين السوريين , ولعلها " الثورة الحمراء " نسبة إلى آلاف اللترات من الدم المسفوك وقد سموها أيضاً " ثورة الشرف " لأنه
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
وليس آخراً إنها " ثورة الصفر " وكأنهم أدركوا علم الغيب فبها ستقوم الساعة , وبعيداً عن المصطلحات والكلمات التي طرقت أسماع السوريين وبعد أن عافت نفوسهم الطاهرة رائحتها النتنة يبقى الأمل بوعيهم وقدرتهم على سبر أغوار السلوكيات " لبعض الأشخاص ممن تعلموا التحول من الحرباء " وليس تحليل الكلمات الكاذبة حيث أن الضرورة تقتضي التعامل مع الواقع الحالي كما هو وليس كما تتخيله أو تحلله فئات هنا وأخرى هناك فليس من العقلانية أن نغمض أعيننا عن جميع الخيارات الممكنة وأن نتمسك بخيار واحد قد يسبب الهلاك للجميع وإنما يحضرني هنا قانون فيزيائي شهير بأن الجسم الساقط كلما زاد ارتفاعه عن سطح الأرض زاد عمق الحفرة التي يمكن أن يحدثها وبالتالي فإن سقوط نظام مـا قد لا يُحدث حفرة لكنه قد يُحدث زلزالاً حيث ان لذلك السقوط شرط لازم لكنه غير كافي وإن المتمم له طبيعة الأرض التي يسقط عليها أي جسم فهناك شعوب أرضها صلبة تفتت أي ( ساقط ) عليها وتحطمه وهناك شعوب تربتها هشة تؤثر فيها حتى أقدام الكلاب .
نعم لعل أسوء الشعوب هي تلك الشعوب التي تُمسك النيران بها من كل جانب ولا تحاول حتى أن تصرخ ,
وتحيط بها النكبات من كل مكان ولا تحاول أن ترفض ,
ويحكمها الشر وترضى ,
ويسود فيها أصحاب الولاءات وترضخ ,
ويُذبح فيها العقلاء وتُغني ,
ويُخوّن فيها الشرفاء وتضحك ,
ويُعزف على أوتار طوائفها فترقص ,
ولكن قبل الصراخ والضحك وحتى الرقص أليس من الإنصاف أن يتم توصيف الشعوب التي لم تدخر أسباب السلامة من النيران بأنها أسوء الشعوب ,
أليست أسوء الشعوب هي التي رضيت أن ينبري أناس أبعد ما يكونوا عن العقلانية للدفاع عن حقوقها ,
ألا تكون أسوأ الشعوب هي التي ضحكت من جهلها الأمم ,
أليست أسوء الشعوب من لم تحفظ إرثها الديني وتحيطه بفكر حي يواجه فتنة التكفير ، وبدل ذلك سمحت لوجوه ملتحية تطلق ابتسامات إيمانية بتأويل دينها دونما أي سؤال أو حتى أقل تشكيك في مصداقيتها ,
إن المشكلة لا تكون في الحكومات بل في الشعوب " الكل يفكر في تغير العالم من حوله ولا أحد يفكر في تغير نفسه " – توليستوي – .
إن التاريخ لن ينسى بأن هناك أحلاماً جميلة كستها الآلام ، وبأن هناك الكثير من الآهات في قلوب العديد من الأمهات تحرقها زقزقة أطفالهن بعد أن شوهت أطرافهم المبتورة وعاهاتهم الدائمة فرحة العيد ، ولا يزالون يبحثون عن المراجيح , لقد اعتاد الأطفال في كل عيد إطلاق الألعاب النارية إلا أن هذا العيد خلا من فرحتهم بتلك الفرقعات لأن أصوات الإنفجارات قد أشبعت آذانهم حتى بدا الشيب في رؤوسهم , نعم سيكتب التاريخ شاء أم أبى وسيخط ويداه ترتعشان ولن يستخدم قلم الرصاص في تدوين ما يجري لأنه قد كُتب بالرصاص الحي ولن يستطيع أي مخلوق تزويره أو مسحه فقد دفن الرصاص مع جثث المقتولين وحفر ذكرياته على عظام من نجوا وفي قلوب أمهات ثكلى وزوجات رملت وعائلات شردت وفي ذاكرة الأطفال الأيتام ليرددوها أغنية في كل عيد " يا قاتل أبي … يا قاتل أمي … يا من هتكت عرضي ودمرت بيتي ودنست براءتي وحرفت ديني … لن تنجوا " ولن تُسقط الذاكرة صور الجثث التي أشبعت بطهارتها جوع الكلاب الشاردة في الشوارع بعد أن خلت مزابلها حتى من فتات الخبز وأخذت تنهش بأنيابها حرمة الأجساد شاكرة أسراب الذباب التي شيعتها بعد أن نتنت وأفزعت الأحياء برائحتها فلم تجد من يكرمها في حفرة من الأرض ، وبالرغم من شناعة فعلتها إلا أنها أي الكلاب لهي أكثر رحمة ممن يقطف الموت على الهوية السورية فهي تأكل الجميع ولا تفرق بين " شيعي وسني أو علوي ودرزي ….. الخ " , ويا دعاة الحرية والديمقراطية لماذا تدبرون عن هذه المشاهد أم أن سيلان لعابكم على ثرواتنا قد ألجم إنسانيتكم .
يجب علينا أن ندرك بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك عوائق مصيرية لا تكمن مرجعيتها في البنية الذهنية الحالية ، ولا حتى في الموروث التاريخي والثقافي وإنما في الوضع الداخلي الذي يؤثر عليه النظام العالمي والذي له اليد الكبرى والطولى في الاستفراد بصياغة مصائر الشعوب ، نعم يجب أن لا ننسى أن الزيتون قد يقطف بالخيزران أحيانناً .
لعلنا كشعوب عربية نتحلى بالطيبة وتسمح طيبتنا تلك بأن يُمارس علينا الجنون والغباء قولاً وفعلاً ، فكلا طرفي النزاع يكتب بنفس الأقلام وبذات الأسلوب مصائرنا " من قتل وتشريد وتهجير …..الخ " ويعرض بذات الفضاء أفلام الرعب " من تشويه وتنكيل وتعذيب …..الخ " ويتوقع بسذاجة أنه قد أنجز ما عجز الآخر عن تحقيقه من نتائج وعذراً من أينشتاين 5 فأعداد القتلى تكافئ في تصاعدها الهرمي أكياس المال المسروق من جيوب المواطنين وتكاد أن تناهز عدد أشعار رؤوس وأذقان من يفتي ويحلل القتل , ومن النتائج الأخرى والأكثر أهمية بل إنها الأكثر طلباً انهيار القاعدة الاقتصادية للبلد وتحطيم البنية التحتية وطمس معالم الحضارة وسرقة التاريخ والتراث وتهريبه إلى متاحف العالم ليكون للغرب حضارة على أكتاف تخلفنا .
إن الثورات الناجحة للأمم السابقة تعلمنا بأن المحافظة على مكاسب الثورة أصعب بكثير من قيامها وهذا في بلدي مستحيل ذلك لأن هذه الثورة إن صح التعبير عنها فإنها قد قامت على شفا جرف هاو فأنهار بشعبها في نار أحرقت خضرة مكاسبها قبل نضوجه هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذه الثورة لم تحقق حتى تاريخه أي مكسب سوى للجهات التي بدأت ومنذ زمن بترتيب أوراقها لاقتناص سوق جديد يتم فيه تصريف المنتجات ، وزرع موطئ قدم لها وإعمار ما تم تخريبه في مرحلة مقبلة شبه مستقرة وذلك من خلال استثمارات ومقاولات وانفتاح اقتصادي سيُفرض على الجميع سواء كان نظاماً أو معارضة .
………………………………………………………………………………………………….
هوامش :
1- الثورة الأوكرانية .
2- الثورة في جورجيا وتسمى بثورة الزهور .
3- تم إطلاق هذه التسمية على أعمال الشغب في التيبت عام 2008 .
4- التسمية التي أطلقها مؤيدوا المرشح مير حسين موسوي بعد اعتراضه على نتائج الانتخابات الإيرانية التي خسر فيها .
5- تعريف اينشتاين للغباء : فعل نفس الشيء عدة مرات و بنفس الأسلوب مع انتظار نتائج مختلفة .

بواسطة
مصطفى قلعه جي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى