ثقافة وفن

عام اللغة الأم: خطط أممية للحفاظ على لغات الأقليات

بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم تعقد منظمة اليونسكو ورشة عمل بهدف تطوير استراتيجيات للحد من انقراض اللغات. المنظمة تسعى إلى توعية القائمين على وضع سياسات التعليم بأهمية الحفاظ على لغات الأقليات وحمايتها من الاندثار.
في لغة شعب الانويت Inuit، وهو أحد شعوب الاسكيمو التي تقطن شمال جزيرة جرونلاند التابعة للدانمرك، تُقاس المسافة بين موضعين بوحدة تسمى سينيك sinik وتعني عدد مرات النوم. فيقول المرء: "احتاج من الموضع ا إلى الموضع ب ثلاثة سينيك"، أي أن المرء يحتاج إلى ثلاث ليالٍ للوصول إلى هدفه. هذا المثال يوضح كيف تعكس اللغة المحيط الطبيعي الذي يعيش فيه الإنسان. فحياة شعب الاسكيمو الذي يعيش في صحراء جليدية شاسعة لا تناسبها لغة تستخدم وحدات قياس مثل الكيلومتر أو الساعة، وإنما تعبر عنها خير تعبير لغة تستخدم وحدة السينيك.

واللغة ركيزة الهوية وأداة التفكير، وبدون لغة مشتركة يفقد المجتمع الرابطة التي تضمه ويتبعثر أفراده. وهي في تنوعها الحيوي جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني العريض. لذلك اختارت الأمم المتحدة عام 2008 ليكون عام اللغة، ووضعت خططا لتنظيم سلسلة من الفعاليات العلمية والثقافية تهدف إلى لفت الأنظار إلى اللغات المهددة بالانقراض، وتوعية القائمين على وضع السياسات التعليمية المحلية بأهمية الحفاظ على لغات الأقليات وتنميتها.

نصف لغات الأرض يتهددها خطر الانقراض
وتبدأ اليوم الخميس 21 فبراير/شباط هذه الفعاليات بالاحتفال باليوم الدولي للغة الأم، واختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" هذه المناسبة قبل ثمان سنوات من أجل حماية اللغات المهددة بالخطر والاهتمام باللغة كوسيلة التواصل. وبهذه المناسبة تعقد المنظمة ورشة عمل في مقرها في باريس، يسعى المشتركون فيها إلى تطوير استراتيجيات محلية ودولية من أجل الحفاظ على اللغات من الاندثار، فكما هو معروف فإن هناك 7000 لغة منطوقة في العالم، يتهدد نصفها خطر الانقراض.

ومن أكثر اللغات المعرضة لخطر الاندثار هي لغات الأقليات. فمعروف أن الأقليات تتعرض عادة لضغط المجتمع المحيط بها لكي تذوب داخله وتفقد سماتها الثقافية التي تميزها. وكما يروي أحد السكان الأصليين في استراليا فإن أسلافه اجبروا على نسيان لغتهم الأم "لغة الابورجيني"، إذ كانت استخدام هذه اللغة محظورا، ومن يتم القبض عليه متلبسا بالتحدث بها يتعرض للإيذاء الجسدي وربما الموت.

اللغة النوبية في مصر مثال آخر على المصاعب التي تتعرض إليها لغات الأقلية، فبعد بناء السد العالي اضطر النوبيون إلى الهجرة من قراهم الأصلية إلى المدن القريبة، وهناك استخدموا العربية الدارجة، وبدأت لغتهم الأم التي تحدثوها في قراهم في الاندثار. أما اللغة الكردية في تركيا فلا يزال محظور تعلمها في المدارس.

اللغة الأم ركيزة للتنمية

وفي أفريقيا هناك أكثر من 2000 لغة محلية، لكن معظم الدول اختارت الانجليزية أو الفرنسية أو البرتغالية لغة رسمية لها. باحث اللغات كوفي ياكوبو يرى أن اللغة والديمقراطية مرتبطتان، وحقيقة اختيار لغة استعمارية كلغة رسمية تعني أن قطاعا واسعا من الشعب لن يكون بإمكانه المشاركة في الحياة السياسية الرسمية في البلاد.

اندثار اللغات المحلية سيكون أيضا عقبة أمام المشاريع التنموية. فعلى سبيل المثال تقف برامج محاربة مرض الايدز في إفريقيا عاجزة عن الوصول إلى السكان طالما استخدمت اللغة الرسمية البعيدة عنهم. ومعروف أن مرض الإيدز يحصد أرواح الملايين في إفريقيا سنويا، ويعرقل بذلك تطلعات القارة السمراء للنمو الاقتصادي.

نقص التعليم يضعف اللغة
وبالرغم من أن اللغة الألمانية التي يتحدثها 120 مليون شخص ليست معرضة للانقراض، فإنها تواجه بعض الصعوبات. فكثير من صغار السن المنحدرين من أسر مهاجرة أو من طبقات اجتماعية فقيرة يعانون من قصور في قدرتهم على استيعاب اللغة الألمانية أو استخدامها الصحيح، وذلك كما أوضحت مؤخرا دراسة بيزا الخاصة بتقييم مستوى تلاميذ المدارس على مستوى العالم.

فقد أوضحت الدراسة أن نسبة 60 بالمائة من هؤلاء الشباب في ألمانيا لا يواصلون تعليمهم بعد المرحلة المدرسية، وأن ثلثهم يغادر المدرسة دون الحصول على شهادة تخرج. كما أن نصف عدد الشباب البالغ عمرهم 15 عاما والمنحدرين من أسر مهاجرة يتلعثم في اللغة الألمانية، الأمر الذي يقف عقبة في طريق التحاقه بوظيفة مناسبة، وقد يؤدي إلى تقوقعهم وانعزالهم عن المجتمع. لذا تتداول الجهات المعنية بالتعاون مع جاليات المهاجرين بعض الأفكار للخروج من هذا المأزق، كإلزام أسر المهاجرين بتسجيل أطفالهم في الحضانة قبل عام من بداية دراستهم في المدارس، لتنشئتهم على اللغة الألمانية، أو تحديد عدد الطلبة الأجانب في الفصل الدراسي بنسبة معينة

المصدر
DW

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى