ثقافة وفن

قلعة دمشق (المرجلة) آبدة آثرية ساحرة تسرد روائع الفن المعماري العسكري لعصور غابرة

مازالت قلعة دمشق تتمتع بقوى سحرية جاذبة وكأن الدهر لم يثقل كاهلها وإبقاها شابة عتيدة تزينها أبوابها وتكسوها أحجارها
العارية وتحصنها أسوارها الشامخة التي تجتذبك من بين زحمة الحداثة والتطاول العمراني لتقف بخشوع أمام حضرتها وتتأمل بصمت لمسات فن الابداع المعماري فيها.

ويكشف الدكتور غزوان ياغي مدير معهد الآثار والمتاحف بدمشق والمختص بالأثار والفنون الاسلامية لنا عن السر الجاذب لقلعة دمشق الذي يميزها عن كل القلاع السورية المشيدة جميعها على مرتفعات او تبات صخرية عالية والتي كانت عاملا زاد من حصانتها خلافاً لقلعة دمشق التي تميزت عن سواها بتشييدها اضطرارا على مستوى سطح الأرض تماشياً مع طبيعة المنطقة السهلية المنبسطة لأرض دمشق الأمر الذي منحها جمالية مميزة فدفع الكثيرين آنذاك لسميتها (بالمرجلة) تيمنا بالفارس الذي ترجل عن صهوة حصانة.

ويشير ياغي إلى أن القلعة لم تقم تاريخياً بدور الدفاع عن المدينة لإنه لم تجر حقيقة معارك هامة كثيرة على محيط القلعة بل كانت تلك مهمة الأسوار الحصينة الملتفة حول القلعة إذ اختزل دورها آنذاك فقط بجعلها مقراً ومركزاً للحكم والحامية الموجودة في المدينة آنذاك.

ويوضح ياغي إن قلعة دمشق واكبت جميع تطورات البناء العمراني العسكري في شتى المراحل والعصور وأهم المراحل التاريخية التي ازدهرت بها القلعة عمرانيا مرحلة الأتابكة أو السلاجقة التي تعتبر المرحلة الأولى حيث شيدت قلعة دمشق لأول مرة في عهد اتش بن اوق عام 1071-1076 م تلتها المرحلة الثانية الزنكية في عهد السلطان نور الدين الزنكي عام 1154 حتى 1173 م ومن ثم المرحلة الثالثة الأيوبية في عهد الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي وخليفته 1202حتى 1216م المرحلة الرابعة المملوكية في عهد الظاهر بيبرس 1260 حتى 1276م ومرحلة التهدم الكبير وإعادة أعمار المماليك للقلعة 1401م و1516م.

ويقول ياغي إن انعدام وجود المكان الحصين المناسب في مدينة دمشق آخر من بناء القلعة ولكن ذلك لم يعن الاستغناء عن وجودها فالحاجة التي دعت السلاجقة في عهد اتش بن اوق لتشييد القلعة السلجوقية قلعة دمشق لأول مرة عام 1071-1076 م نبعت عن ضروريتين أساسيتين إيجاد نقطة حصينة للدفاع عن المدينة ممثلة بالقلعة المحصنة بأسوارها الحصينة في وجه الطامعين ولتكون مركزاً ومقراً للحكم والحامية والحرس بيد أن غزوات المغول والصليبين المتكررة هدمت أجزاء كثيرة من القلعة ومن بعده قام تاج الدولة تتش بن الب ارسلان السلجوقي في عهده عام 1078م ببناء الأجزاء المهدمة منها.

ويضيف إنه عند قدوم نور الدين الزنكي إلى مدينة دمشق 1154م قام بإزالة كل البناء السابق للقلعة لجعله أكثر تماهياً مع التطورات العسكرية للأسلحة المستخدمة في حالتي الدفاع والهجوم على القلعة فأوجد في القلعة الأسوار والأبواب والأبراج وبعض الأماكن الخاصة بالمنجنيقيات.

ويرى ياغي إنه على الرغم من أهمية ما أنجزه نور الدين في القلعة إلا أن الملك العادل أبا بكر محمد أيوب شقيق السلطان صلاح الدين الايوبي وخليفته التمس بدوره ضرورة إعادة تصميم القلعة وتطويرها وتعزيزها بما يتماشى مع التطور المستمر والمتلاحق للأسلحة والمنجنيقات فأمر بهدم القلعة السلجوقية عام 1202 وشيد مكانها قلعة دمشق الحالية التي تعد نموذجا ممتازا للعمارة العسكرية الأيوبية وسميت آنذاك القلعة المنصورة وأمر بتحصين مدينة دمشق ورمم أسوارها وعزز بناءها العسكري وطور أبوابها وابراجها فجعلها أشد وأقوى بحيث تتماشى مع المنجنيقات الثقيلة وعزز من دفاعات القلعة العسكرية فطور شكل حجارتها وجعلها ذات شكل مثنى مكرش بيد إن الزلازال وهجمات الصليبيين والمغول المتكررة على رأسهم هولاكو 1260م أضعفتها وأجهزت عليها.

ولفت ياغي إلى أن التركيز على القلعة في العصور الحادية والثانية والثالثة عشرة على الناحية العسكرية في ظل غياب الناحية الفنية والجمالية بسبب كثرة الهجمات والحروب وحينما حكم الظاهر بيبرس دمشق بعد هزيمته للمغول في معركة عين جالوت قام أيضاً بترميم القلعة وتحصينها بما يتماشى مع التطورات العسكرية في عصره.

يشار إلى أن المماليك أكملوا مسيرة الظاهر بيبرس من بعده فقاموا بتحصين القلعة والإهتمام بها خلال فترة حكمهم بين 1260 و1516 م وحينما جاء العثمانيون 1516-1918 استعملوها قلعة وثكنة وأضافوا اليها بناء مساحته ألف متر مربع خاص بالادارة وفي أيام الفرنسيين 1919-1946 م صارت سجناً مدنياً ومقرا لبعض عناصر الشرطة وفي عهد الاستقلال 1946 بقيت القلعة سجناً ثم أخليت وبدأت أعمال الترميم فيها عام 1984 لتأهيلها كي تصبح مقصداً سياحياً هاماً.

ويشير مدير معهد الآثار والمتاحف المختص بالآثار والفنون الإسلامية إلى جمالية الحجارة العارية التي تكسو القلعة وذكاء صنعها إذ صممت بشكل (مكرش) مثنى لتمتص صدمة ضربات المنجنيقات وإن كل القلاع السورية تميزت بمتانة التحصين بيد إن التخطيط لبناء قلعة دمشق اعتمد على حصانة موقع المدينة بشكل عام.

يذكر إن قلعة دمشق تقع في الزاوية الشمالية الغربية لمدينة دمشق القديمة وتأخذ شكل مستطيل شبه منحرف غير مستقيم بأضلاعه وتبلغ مساحتها 33176 متراً مربعاً ويتراوح طولها مابين 240 و250 متراً وعرضها120و 165 متراً كما كان يحيط بالقلعة خندق يتراوح عرضه من 5 إلى 20 متراً تمت توسعته عام 1214-1216 م بيد ان الخندق ردم إلا من الجهة الشمالية حيث أصبح مجرى لنهر العقرباني.

ويحيطها من الخارج سور منيع ذو أبراج مربعة ضخمة يبلغ عددها 12 برجاً وتعلو الأسوار رواشن من الحجر النحيت وينفتح في جسم أسوار القلعة أربعة أبواب الباب الحديث في الشمال وأمامه جسر والباب الشرقي وهو المدخل الرئيسي إضافة إلى بابين سريين بجسور متحركة فوق الخندق في الغرب وفي الجنوب.

وأشار الدكتور ياغي إلى أن قلعة دمشق مازالت تتميز بسحر خاص جعل منها مقصداً سياحياً مهماً وملتقى للفعاليات والمهرجانات ويعود ذلك لأهميتها التاريخية ولموقعها المتوسط في المدينة وسهولة الوصول إليها كونها مبنية على أرض منبسطة وتجمع مابين الأصالة والتراث.

ريما حجازي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى