القضية الفلسطينية

خطاب نتنياهو .. هل من جديد ؟

تابعت باهتمام، كما غيري، رود الفعل الفلسطينية والعربية على خطاب نتنياهو الأخير أمام الكونجرس الأمريكي، فهناك من ذهب إلى أن هذا الخطاب
  "حرب على الحقوق الفلسطينية"، وآخرين إلى أنه "نسف لعملية السلام"، وآخرين إلى أنه "خطاب للداخل الإسرائيلي"… وغير ذلك مما قيل حوله. وهنا يحق للمرء أن يتساءل، هل حمل خطاب نتنياهو جديد؟، لكي ينبري البعض إلى شرح الخطاب وأبعاده ووصفه بما سبق، أم أن ما جاء به نتنياهو هو ما دأب دوماً على تأكيده سواء في لقاءاته أو خطاباته، حتى في عقر دارنا؟. ألم يؤكد نتنياهو على الثوابت الإسرائيلية التي يُجمع عليها كل الفرقاء الإسرائيليين "مع بعض التباينات الثانوية" بين يمينها ويسارها؟. هل سبق لمسؤول إسرائيلي في موقع نتنياهو، أن جاء بغير ما قدمه الأخير، كمعطى ثابت لجميع الإسرائيليين في زمن " الحرب كما في زمن السلام"؟. بلاءاتهم الخمسة المشهورة: عدم العودة لحدود الرابع من حزيران، وعدم السماح بعودة اللاجئين، وعدم تقسيم القدس باعتبارها العاصمة الموحدة "لإسرائيل"، وعدم القبول بسيادة فلسطينية كاملة، وعدم إزالة المستوطنات. يضاف لما سبق الشرط/الفكرة المركزية في العقل الصهيوني، الاعتراف بيهودية الدولة.

لا يمكن فهم كل هذه الضجة التي أثيرت بعد خطاب نتنياهو المألوف، سوى استمرار خداع الذات، والبحث عن الكلام الممجوج والعودة لِلوكه، تباكياً على شريك مفقود، نأمل استمرار البحث عنه، ولو بين كلماته/ثوابته الواضحة، لكي نجد لنا ما نقوله ولو خداعاً أو نفاقاً أو تملقاً أو استجداءً.

ليس من المعيب أن يكون لخصمنا/عدونا ثوابت واضحة، يلقيها في وجوهنا بين الفينة والأخرى، أو يذكرنا بها كلما حاولنا النسيان، توهماً بنسيانه لها. لكن المعيب أكثر، هو فقدان أصحاب الحق/الأرض لأهدافهم، وبالتالي لثوابتهم، وبدء مسلسل التراجعات والتنازلات، وصولاً للوقوف على الأرضية الإسرائيلية ذاتها، والمناورة من خلالها، وتسمية ذلك واقعية سياسية. لا أدري ماذا يمكن أن يسمى ذلك في السياسة حتى بمعانيها المبتذلة، واقعية أم وقوعية؟

من هنا جاء الرد الفلسطيني موازياً للخطاب/الثوابت، بل ومن حجمه، خيارنا المفاوضات أولا، والمفاوضات ثانياً، والمفاوضات ثالثاً، ولماذا لم تكن رابعاً، أم لأننا درجنا في العربية، على أن "الثالثة نابتة". فعلم الفهلوة السياسية، يستلزمه قراءة الكف، أو أقلها قراءة الفنجان لعجوزة تجاوزت الثلاثة والستين من عمرها، وكل عام تجد في الفنجان، ما يزيد التعرجات في وجهها، بما يشبه الأفق المسدود، الذي نحاول فتحه عنوة، لعل نجد فيه موطئ قدم، ولكن على الثابت الإسرائيلي في كل مرة.

هل لا زال أمامنا، نحن الفلسطينيون، متسع لتحمل مشقة مسار بدأ قبل عشرين عاماً، في ظل ظروف مجافية بكل محدداتها العربية والإقليمية والدولية؟، وفي كل مرة نعيد الكرة، فنربح الوهم من جديد، ثم نعيد الكرة مرة أخرى لعل فيها نمسك بالسراب، ولو تيمناً، وخزي للعين، فنربح الوهم مجدداً، فنكابر، ونطلب من الراعي/الوسيط، التدخل لأنه يحمي مشروعنا في وجه الثوابت الإسرائيلية. يبدو هنا أن العقل السياسي الفلسطيني استمرأ الكذب على الذات حد الثمالة. وبات يجيد لغة الاستجداء السياسي، فهل أسعفه هذا في "زمن التوازن" كي يسعفه في زمن الهيمنة والاستفراد ولغة القوة؟!.

إن ما وصلت إليه قضيتنا الوطنية في المرحلة الراهنة من تراجع خطير على كل الصعد، ليس فقط بسبب الوضع العربي التابع والخاضع للإرادة الأمريكية "رغم ربيع الانتفاضات العربية الباعثة للأمل"، أو بسبب مجافاة الظروف الدولية، ودعمها اللامحدود للوجود الصهيوني، أو بسبب شراسة ونوعية الهجمة الصهيونية على حقوقنا الفلسطينية، بل في الجوهر من ذلك كله، أننا كفلسطينيين فشلنا في إدارة الصراع، مع عدو لم يتوانى لحظة في توظيف كل منجزات العلم، والقوة، والاقتصاد، والثقافة… في الصراع. مقابل ارتجالية وعشوائية وفهلوة سياسية، تنتقص من الحق لتضع في ميزان الباطل/العدو.

في ضوء ذلك لنا الحق أن نتساءل، هل لا زالت القيادة الرسمية الفلسطينية، تمثل طموح الفلسطينيين في العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة؟ أم أن هذه القيادة فقدت شرعيتها، منذ أن حادت عن ثوابت شعبها وولوجها في خط التسوية الأمريكية – الإسرائيلية، والاعتراف بحق "إسرائيل في الوجود"؟. وكفت عن أن تكون حركة تحرر وطني، أو حتى معنية بإنجاز ما انطلقت على أساسه، ألا وهو "هدف" التحرير.

إن شرط شرعية أي قوة فلسطينية ليس صندوق انتخابات سلطة الحكم الإداري الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل الشرعية الحقيقية، هي التمسك بأهداف وثوابت الشعب الفلسطيني، وحقه التاريخي في أرض وطنه، وعودته المظفرة إليه، هذه هي المسألة الجوهرية رغم كبر حجمها، وميزان القوى المختل، الذي يجب العمل على تعديله لا الارتهان له أو التساوق معه.

بواسطة
وسام الفقعاوي
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى