ثقافة وفن

التأسيس والتأصيل في المسرح الغنائي عند القباني

يشكل التأصيل لمسرح عربي تيارا واسعا اليوم لدى المسرحيين والنقاد على مستويي التنظير والتطبيق بحيث تكون له هويته وخصوصيته في التشكيل المسرحي والفكري – الموضوعي
وقد إزداد هذا التيار بروزا وقوة مع التحديات الثقافية والسياسية والإجتماعية المصيرية التي تواجهها أمتنا العربية في الدفاع عن هويتها ووجودها وهذا التاصيل هو في جوهره دعوة كي يأخذ المسرح دوره التنويري والمعرفي في نمو الوعي وفهم الواقع وربط الماضي بالحاضر إستشرافا لواقع ممكن منشود وقد دعا التأصيل كثيرا من المسرحيين العرب إلى العودة إلى التراث والتاريخ والقصص والسير الشعبية وإلى الواقع العربي الراهن بكل جوانبه الإيجابية والسلبية وإستدعى البحث أيضا العودة إلى الظاهر المسرحية وأشكال الفرجة القديمة لتمثلها وإستحيائها وتقديم صياغات جديدة ومعاصرة .
نحن اليوم ندعو إى ذلك بعد مرور أكثر من مئة وخمسين عاما على المسرح العربي ونتساءل :
وهل فعل أبو خليل القباني غير ذلك عندما إبتدأ مسيرته المسرحية من هذه النقطة ؟!
إننا في الحيقة ندعو إلى المنطلق التأصيلي الذي إبتدأ منه القباني مع الأخذ بعين الإعتبار التطور الي شهده المسرح في الشكل والتقانة والموضوع وذلك بعد أن اوغلنا كثيرا في رحلة الإغتراب والإتباع .
إبتدأ النقاش مسيرته المسرحية من الغرب حيث أعد بخيل موليير وقدمها في باحة داره عام 1848 م ثم أتبعها بسمرحية أبو الحسن المغفل وهارون الرشيد ويمكن تلمس أصولها في مصدرين ألف ليلة وليلة ومسرحية الطائش لموليير ثم جاءت مسرحية الحسود ويمكن أن نجد أصولها أيضا لدى موليير في طرطوف والبرجوازي النبيل أما بوادر التأصيل كؤسس اول في المسرح فغننا نلمحها في عملية الإقتباس عند النص الغربي وتطويعه بالغناء والشعر والأسماء وبصياغة الحدث واسلوب الإنشاء بما يلائم الذوق الجمالي للمتفرج العربي في تلك الفترة .
وقد إحتدى خطواته هذه في الإعتماد على النصوص الغربية المترجمة والمقتبسة آخرون منهم يوسف جد في حلب وإستمر هذا الخط المتغرب إلى يومنا هذا حتى إن كثيرا من مخرجينا العائدين من بعثاتهم الدراسية يجدون في النص الأجنبي قداسة ومقصدا للشهرة .
اما القباني فقد إبتدأ مسرحه من الشرق حين قدم في دمشق مسرحيته ناكر الجميل وتابع الرحلة عبر التراث والتاريخ والواقع العربي علما أنه لم يتخلف أيضا عن عرض نصوص أجنبية مترجمة او معدة او مقتبسة ز
بعد وفاة القباني إنقطع هذا الخط التاصيلي فترة ليظهر من جديد مع الولادة الثانية للمسرح السوري في عشرينيات القرن الماضي مع ظهور المسرح المدرسي وفرق الأندية حيث تناول المسرحيون شخصايت من التاريخ العربي الإسلامي ثم وهن هذا الخط ثانية مع عودة الموفدين لدراسة المسرح في البلاد الاجنبية وظهر الميل غى الترجمة والتوسع في تقديم مسرحيات أجنبية أصلية أو معدة وإرتفع مستوى التقنيات في التمثيل وإستخدام الوسائط المسرحية وبخاصة بعد تأسيس المسرح القومي ثم المعهد العالي للفنون المسرحية
كان التاليف المسرحي في تلك الفترة ( غالبا ما ) ياخذ الأنماط الغربية نموذجا ومع غدراك التباين بين الوعي الجمالي العربي والوعي الجمالي الغربي وإنصراف الجمهور العريض عن المسرحيات التي لا تقدم له ذوقه الجمالي ومع تفاقم التحديات على الأمة العربية والغحساس بالخطر على هويتها ظهر تيار التأصيل لمسرح عربي وهكذا عدنا إلى النقطة التي إنطلق منها القباني بوعيه العميق وإدراكه البعيد لضرورة تلازم المسارين ( التأسيس والتأصيل ) .
تقول الكسندروفنابوتيتسيفا :
( يعتبر الممثل الموهوب أبو خليل القباني مؤسس المسرح الموسيقي والدراما الموسيقية التي يشكل فيها النص الادبي والحوار وحدة متكاملة مع الموسيقا والرقص والغناء )
عندما نعود على المسرحيات التي ألفها القباني أمثال هارون الرشيد والامير غانم _ هارون الرشيد وأنس الجليل – عنتر بن شداد _ الشاه محمود ………..
وإلى مثيلاتها معربة أو لغيره بعد تصرف في شكلها الفني واحداثها واسلوبها وبعض أفكارها وعندما نعود أيضا إلى الأشعار والألحان المبثوثة في هذه المسرحيات نلاحظ ان التاسيس والتاصيل لمسرح عربي لديه يسير على المحاور التالية :
1- إداركه لأسرار الذائقة العربية والوعي الجمالي للشعب العربي في تلك الفترة فالعرب قوم شعر وغناء وسماع وموروثهم في ذلك عريق ولهذا حفلت مسرحياته بهذه العناصر وبذلك يراه الباحثون المؤسس الحقيقي للدراما الغنائية المسرحية في الوطن العربي ( الأوبريت ) .
2- على مستوى الموضوعات إنتهل القباني من التاريخ العربي الإسلامي والتراث العربي والشرقي ومن الحياة اليومية وهو بذلك ينطلق من الذات العربية التاريخية والشعبية والواقعية ومسرحياته تمثل حركة إيقاظ للذاكرة العربية .
3- إدانة الأخلاقيات والسلوكيات الشريرة والتاكيد على زرع القيم الأخلاقية النبيلة من الكرم وصدق وشجاعة ومروءة ووفاء وعفو و ……..
وهي قيم عربية وإنسانية أصيلة وإعتبار الحب هو الطاقة الدرامية في المسرحية والقيم العليا المولدة والمحركة لكل تلك القيم .
4- إلى جانب شخصيات الملوك والامراء والاعيان ادخل القباني الشخصيات الشعبية المحببة الماخوذة من القاع الإجتماعي الشعبي كالشحاذين في مسرحية الشاه محمود واجرى حوارات حول أنواع المآكل الشعبية وأن تقاطع التاريخي مع الواقعي هو أمر ضروري في التأليف المسرحي وفي التاصيل لمسرح عربي .
5- على مستوى الشكل المسرحي أدرك القباني أن المسرح امر جديد مع المتلقي العربي ولكن الفرجة أمر معاش في الظواهر الإجتماعية وزفي التاريخ العربي ولهذا عمد على أن تحقق مسرحياته لونا من ألوان الفرجة العربية الشاملة بموسيقاها وألحانها وتزييناتها وملابسها وطرق الأداء المسريح للمثليين فيها .
6- على مستوى التأسيس لإنتاج مسرحي مدروس كان القباني المؤسس الاول لاول فرقة مسرحية مستقرة في سورية لها مديرها وكوادرها الفنية ولكل إختصاصه ثم إنتقلت الفرقة إلى مصر لتقدم عروضها بإنتظام وتقوم بجولات في المدن وتفتح شباكا للتذاكر وتقيم حسابا للربح والخسارة وتعتمد نظام الروبرتوار وتؤسس لنفسها مكانها المسرحي الخاص .
ومما لا شك فيه انه قد لا يكون لمسرحيات القباني اليوم أهميتها الفنية بعد أن تطورت مفاهيم المسرح وتعددت مدارسه وإتجاهاته وأوغل المسرحيون في التحديث والتجريب وبرز فيهم مبدعون وأغنوا المكتبة المسرحية بمؤلفاتهم والخشبة بعروضهم لكن مسرحيات القباني كانت في عصرها حدثا مسرحيا وإبداعيا حقق حضورا جماهيريا منقطع النظير وهي اليوم لا تزال تحتفظ بقيمتها التاريخية كنقطة مضيئة في تاريخ المسرح العربي بالرغم من عدم صلاحيتها للعرض اليوم باشكالها التي ألفت عليها وقدمت عليها أضف إلى ذلك وهو الأهم ان هذه المسرحيات كانت نقطة البداية في التاسيس والتأصيل لمسرح عربي ينطلق في جوهره من الموروث التاريخي والفكري والثقافي العربي .

بواسطة
أمجد طه البطاح

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الإعلامي البناني جورج قرداحي يؤيد الشعب السوري وطننا و شعبا و قيادة و لبنان يضعه ضمن قائمة العار حسب تسميتها للمواليين للشعب السوري و قائده و منهم الفنان ملحم زين و نجوى كرم و مي حريري ربيع الأسمر و نحن السوريون نقول لكم أنتم الشرفاء و هم الحقراء

زر الذهاب إلى الأعلى