صدى الناس

قروض السـكن في سورية: للأغنيـاء فقط!

يرى الكثير من الخبراء والمتابعين للسوق المصرفية السورية وأيضا السوق العقارية أن الإقراض من أجل السكن الذي وفرته المصارف السورية بشقيها العام والخاص مازال بعيداً عن متناول الشرائح الواسعة من الشعب السوري المتوسطة و المحدودة الدخل،
و بالمقابل فقد وفر هذا الإقراض الفرصة للأغنياء للحصول على المزيد من المساكن بشروط تبدو ميسرة جداً لهم تماماً بنفس صعوبتها البالغة بالنسبة لمتوسطي ومحدودي الدخل , الانفتاح الإقتصادي الذي شهدته سورية في السنوات الماضية والتي تمثلت أحد أهم معالمه بدخول المصارف الخاصة غمار العمل بالسوق المصرفية السورية دفع بالمصارف الحكومية إلى إعادة النظر بآليات عملها والخدمات التي تقدمها حيث اتجهت معظم المصارف نحو توظيف موجوداتها المرتفعة السيولة في مجال القروض الشخصية والعقارية وهنا بيت القصيد، حيث اتجه الكثير من المصارف نحو الاستثمار بالمجال العقاري لأسباب عديدة أهمها كما ذكرنا توظيف الفائض بالسيولة في مجال يحقق ربحية مغرية بنسب مخاطرة منخفض جدا، على اعتبار أن الضمان يكون بالعقار نفسه فماذا كانت النتائج؟‏
ثمة آراء ترى أن المصارف الخاصة رغم عددها الكبير ومايفرضه ذلك من منافسة لم تنجح في الدخول كلاعب مهم في مجال الإقراض السكني بل إن الهوة مازالت شاسعة جداً بينها وبين المصرف العقاري الذي مازال يحوز على ثقة الباحثين على السكن لمجرد أنه مصرف حكومي وما يعنيه ذلك من توفر لعنصر الأمان، ولكونه مصرفاً مازال قادراً على التفاعل مع دخل المواطن المحدود والمتوسط وتكيفه مع القرض العقاري بشكل أو بآخر, وأيضا المصرف التجاري السوري الذي احتل منذ فترة الساحات الإعلامية بإعلانه عن طرح « القرض العامر» لذا نتساءل عن فعالية القروض العقارية المقدمة من قبل المصارف السورية ونتائجها في مجال تأمين السكن؟‏
وباختصار:هل ثمة تأثير للقروض العقارية على سوق العقارات في سورية؟ .. فما حقيقة هذا الموضوع؟‏
العقاري على القمة‏
كما هو معروف فإن المصرف العقاري يعتبر من أقدم المصارف السورية التي منحت هذا النوع من القروض على مدى سنوات طوال، حيث كان الوحيد الذي له علاقة بسوق العقارات السورية كما جاء سعيه لتأمين فرص تمويلية أفضل عبر دخول المصرف كشريك في مشاريع عقارية ورفع سقف القروض للجمعيات السكنية بشكل يتيح المزيد من الخيارات أمام طالب السكن.‏
وإن كانت تصريحات القائمين على المصرف العقاري أنهم قد لايحبذون فكرة رفع سقف القروض العقارية حتى لايؤثر ذلك على أسعار العقارات نفسها إلا أنهم يرون أن ضغط الحاجة للسكن قد يكون هو الدافع لرفع سقف القروض لتأمين بعض المسايرة لارتفاع أسعار العقارات التي يراها الجميع غير منطقية ولاتعبر عن قيم السوق الحقيقية، وبالتالي فإن القرض السكني المتاح من المصرف العقاري مازال يشكل الحالة الثابتة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها.‏

التملك بتكلفة منخفضة‏
من جهة أخرى شهدنا بالأيام القليلة الماضية المصرف التجاري السوري يطلق قرضه السكني الجديد الذي سماه بالعامر لتملك عقارات سكنية أو تجارية بتكلفة مخفضة، اعتباراً من 5 بالمئة، على أن يتناقص رصيد القرض مع كل تسديد، وتكون ضمانة القرض العقار نفسه، وتحدد القيمة النهائية للفائدة عند المنح، وحسب الدفعة الأولى والمدة وقيمة القرض ونوع العقار (فائدة العقار التجاري أعلى بنسبة 1 بالمئة).‏
وذكر التجاري أنه يحق الاقتراض للمواطن السوري ومن في حكمه من العاملين الدائمين في القطاعين العام والخاص لمدة تزيد عن عامين أو الموظفين المتعاقدين منذ أكثر من ثلاث سنوات متتالية أو موظفي السفارات والمنظمات الدولية بخدمة لا تقل عن سنتين، إضافة إلى أصحاب المهن الحرة والحرف ذوي السجل المثبت منذ مدة لا تقل عن سنتين.‏
ولا يحتاج المقترض لشريك بالتسديد إذا كان الدخل كافياً، ويشترط لقبول الموظف المقترض أو الشريك بالتسديد ألا يتجاوز العمر 60 عاماً عند تسديد آخر قسط، أما أصحاب المهن الحرة والحرفيون والأشخاص الاعتباريون فلا يخضعون لهذا الشرط.‏
ويمكن بحسب ثبوتيات الدخل الحصول على سقوف قروض مختلفة وبما لا يتجاوز 50 مليون ليرة، ولتحديد السقف بالنسبة للموظف أن يغطي 40 بالمئة من صافي راتب المقترض للقسط المطلوب، وفي حال عدم كفايته يقبل شريك بالتسديد.‏
أما بالنسبة للشخص الاعتباري وأصحاب الحرف والمهن، فيجب ألا يتجاوز القسط الشهري للمقترض خمسة أضعاف التكليف الضريبي للسنة الأخيرة، والتأكيد على أن يكون التكليف الضريبي للسنة الأخيرة صافياً من الرسوم وغرامات التأخير المدفوعة ضمنه. أما التكليف التراكمي لعدة سنوات، فيجب قسمته على عددها.‏
أما المقاول الذي يدفع ضريبة دخل على كشوف أو قيود ولا يخضع لضريبة دخل سنوية، فيمنع منحه أي قرض يتجاوز ربع الضمانة العقارية، مع تقديم وثائق تثبت دفعه التكليف الضريبي على الكشوف أو العقود التي قام بها، بغض النظر عن مبلغ هذا التكليف.‏
وتتضمن شروط العقار موضوع الضمانة أن تكون ضمن السجل الدائم أو المؤقت أو «المؤسسة العامة للإسكان»، وثبوتيات العقار صادرة منذ أقل من 15 يوماً عند تقديمها وخالية من أي إشارة، إضافة إلى بيان قيد عقاري- مالي.. وبطاقة تعريف مقبولة أصولاً، وسند إقامة حديث للمقترض، وغيرها من الثبوتيات الموضحة في استمارة القرض الموجودة في موقع المصرف.‏
وحدد المصرف شروط وتكاليف الإقراض (عمولة دراسة 2500 ليرة سورية) غير قابلة للاسترداد، ويعفى منها أي مقترض راتبه موطن في «التجاري»، وعمولة ارتباط 1.5 بالمئة من قيمة القرض، أي 1.5 بالمئة من الفرق بين قيمة العقار المصرح عنها والدفعة الأولى، وأن تكون مدة القرض من سنة واحدة حتى 25 سنة، في حين أن عمولة تخمين العقار 10 آلاف ليرة سورية، إضافة إلى دفعة أولى بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة لا يحتفظ بها المصرف إنما تسدد مع القرض لتقديم كامل قيمة العقار للبائع، ويسدد على شكل أقساط شهرية متساوية بالبطاقة المصرفية عبر صراف-انترنت-جوال.‏
وبين المصرف أنه إضافة إلى قروض التجار والصناعيين والتسهيلات الممنوحة، أصبحت لديه باقة غنية من قروض التجزئة تتنوع من بطاقات الائتمان والقرض الشخصي وقروض السيارات المستعملة، وصولاً إلى قروض الأطباء والمهندسين، وغيرها من قروض التجزئة المرتبطة بالإكساء والمصاعد وغيرها.‏

تخفيضات‏ لاتقل عن 40 %‏
ومع طرح القرض العامر يكون المصرف قد حقق تخفيضات لا تقل عن 40 بالمئة، مقارنة بالمنافسين بالنسبة للقروض المنخفضة. وتوقع المصرف أن يلقى هذا القرض رواجاً غير مسبوق، لأن أي قرض من مرتبة مليون ليرة مثلاً لمدة 15 سنة، ستكون قيمة قسطه الشهري 9 آلاف ليرة سورية، وبفائدة 7.1 بالمئة.‏
وأوضح المصرف أن تخفيض التكلفة على القروض صغيرة القيمة نسبياً من مرتبة 1 إلى 3 ملايين ليرة، يشجع على شراء المنازل في الضواحي والمدن الصغيرة والقرى، وبالتالي إيجاد نوع من التوازن في عمليات الهجرة من الريف في حال تأمين السكن للمتعاملين بتكاليف مغرية، وتخصيص المبالغ التي كان يصرفها على قروض المصارف المنافسة لشراء سيارة أو أي احتياجات أخرى. أما لمن يرغب بالامتلاك ضمن المدينة وبأسعار مرتفعة، فستكون التكلفة عليه مقاربة للمصارف المنافسة.‏
حاجة لزيادة الإقراض العقاري‏
الخبير المالي والمصرفي عبد القادر حصرية تحدث عن سياسات الإقراض التي تتبعها مصارفنا قائلا :هناك حاجة لزيادة الإقراض لهذا القطاع اليوم قطاع البناء هو الأهم لتوليد فرص العمل وذلك عبر توفير فرص العمل لمختلف الشرائح الاجتماعية من مقاولين ومهندسين وهو الأسرع في تلبية متطلبات سوق العمل, لكن هذا لايعني إهمال القطاعات الأخرى وقطاع البناء يمكن أن يشكل قاطرة النمو، ويكفي أن نرى حجم مخالفات البناء التي تتم الآن وما وصلت إليه أسعار مواد البناء لنعرف أن هناك أزمة حقيقية والدولة تستطيع أن تساهم عبر حلها لمشكلات هذا القطاع أن تحقق عدداً من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في وقت واحد.‏
وأضاف: يجب توفير القروض على مستويات ثلاثة، الأولى هي مستوى اقراض المطورين العقاريين والثاني إقراض المقاولين والثالث هو تمويل المستفيدين أي الناس, لكن أهم ما في الأمر هو توفير تمويل يناسب قدرات الناس وهو ما أعتقد مستحيل ما لم تستكمل منظومة التمويل العقاري.‏
وعن رأيه بالقرض العامر الذي أطلقه المصرف التجاري السوري منذ فترة قال :هو قرض ككل القروض العقارية ويجب تقييمه في ضوء تلبيته لحاجات الناس وهو ما أعتقد بعدم إمكانيته ما لم تستكمل منظومة التمويل العقاري.‏
حالة تراكم بالودائع‏
من جانبه يرى الدكتور أكرم حوراني الأستاذ في جامعة دمشق قسم المصارف والتأمين في كلية الاقتصاد أن المصارف العاملة بالسوق السورية تعاني منذ فترة ليست بالقصيرة من حالة تراكم الودائع التي لاتجد قنوات توظيف ملائمة نتيجة مجموعة من الأسباب المتداخلة، لذلك فإن كل مصرف يحاول أن يجد طريقة ما لتوظيف السيولة التي لديه حيث إننا نلاحظ منذ فترة توجه المصارف لمنح حزم من القروض الشخصية وقروض السيارات إضافة للتوجه القديم نحو القروض العقارية.‏
وأضاف: ثمة تركيز كبير على قروض القطاع العقاري كون هذا التوظيف يتميز بانخفاض نسب المخاطرة كما أنه لايحتاج لضمانات كثيرة كون العقار هو الذي يضمن نفسه، خاصة أنه في أفضل الحالات يوازي القرض حوالي 60% من قيمة العقار ولذلك تحاول جميع المصارف أن ترفع نسبة قروضها العقارية من إجمالي محفظة التمويل وهذا ما فاجأنا به المصرف التجاري السوري عندما طرح ما يسمى بالقرض العادل ثم العامر وهي قروض عادلة فعلا من وجهة نظر المصرف، ولكن إذا حللنا شروطها وتفاصيلها وطرق السداد والعائد على هذا القروض نلاحظ أنها كبقية القروض العقارية ولايختلف عنها بالتكلفة إنما حمل في طياته طرق وأدوات جديدة لغاية معروفة.‏
ركود مترافق بهبوط‏
وفيما يتعلق بانعكاس التوظيف العقاري قال:‏
تعاني العقارات في سورية منذ سنتين تقريبا من ركود مترافق بهبوط بطيء ترتبط درجته بالعرض والطلب وحاجة كل من العارض والشاري للسيولة، فكلما كانت حاجة أحد الطرفين للسيولة أكبر هبط السعر, وبالتالي أعتقد أن القرض العامر أو غيره من القروض التي توجه للقطاع العقاري ستنعكس بوقف الهبوط البطيء لأسعار العقارات أو إعادة أرتفاعها لأن الطلب محدود جدا بسبب تدني الدخول وتوقع أسعار العقارات الذي يواجه من قبل مالكي هذه العقارات بأنهم غير مستعدين للتخلي عن الأسعار المرتفعة إلا تحت ضغط السيولة، ويبدو أن المستثمرين العقاريين في سورية ليسوا بحاجة إلى سيولة كبيرة ليتم تراجع الأسعار لمستويات تعبر عن انخفاض حقيقي لأنهم وظفوا أموالهم وينتظرون عائداً جيداً لها وحاليا لا يوجد طلب عليها، وخاصة أنه موجهة للقطاع السياحي والتجاري وليست موجهة للقطاع السكني إنما للسكن الاصطيافي وهو ليس أولوية في سورية، وخاصة لذوي الدخل المحدود الذي يكون طلبهم شديداً على العقارات لذلك لا أعتقد أن القروض العقارية سيكون لها آثار مباشرة في تحريك أسعار العقارات وسيستمر الوضع على ما هو عليه باعتقادي لغاية النصف الأول من العام القادم.‏

ضرورة البحث عن قنوات توظيفية‏
وقال الدكتور حوراني:‏
المصارف لديها موجودات يجب أن تجد قنوات توظيفية ملائمة ويبدو أنها غير مستعدة لتحمل نسبة مخاطر عالية بالقطاعين الصناعي والزراعي فهي تركز على القطاعات الخدمية بما فيها التجارة والقروض الشخصية والعقارية على اعتبار أن هذا النوع من القروض أقل مخاطرة، ولذلك تحاول أن ترفع نسبة توظيفها في هذه القطاعات وبالتالي فإن المصارف تبحث عن الربح وهو لايمكن أن يتحقق إلا عن طريق توظيف الأموال وما دامت الأموال الموظفة محدودة ستكون العوائد محدودة ولذلك فإن كل مصرف يتبع سياسات حسب خطته لتوظيف هذه الأموال وتحقيق العائد لها، لذا نأمل أن تعيد المصارف جميعها التفكير بآليات عملها باتجاه إيجاد قنوات توظيفية ائتمانية في القطاعين الصناعي والزراعي لأنها أولويات تنموية في سورية عوضا مضاربات عقارية أو تمويل خدمات تجارية أو قروض شخصية، ففي سورية معدل النمو ضعيف إلى متوسط والبطالة مرتفعة وثمة حاجة كبيرة للائتمان الإنتاجي الذي يمكن أن يحفز النمو ويخفض معدلات البطالة الأمر الذي يجب أن يتحقق بالمستقبل.‏

_أخيرا:‏
نلاحظ بعد ما تقدم أن المصارف تبدو غير قادرة على مسايرة الحاجة المتزايدة للإقراض السكني بسبب إصرارها على المبالغة في الضمانات التي تطلبها، لذلك فإن دورها سيتعرض للتراجع وخاصة مع استمرار المصرف العقاري بطرح خدماته وقروضه ومن جهة دخول المصرف التجاري كطرف في هذه العملية التمويلية.‏
إلا أن النتائج الواضحة تتمثل في أن التوظيف العقاري في سورية ما زال دون مستوى الطموح بالنسبة لشريحة ذوي الدخل المحدود التي لا تحقق دخولها المتواضعة معايير وشروط القروض العقارية وبالنسبة لتأثير التوظيفات العقارية على أسعار سوق العقارات، فإن أغلب المراقبين يجدون أنها وحتى هذه اللحظة ما زالت غير إيجابية بالنسبة للتحكم بالأسعار وتخفيض أسعارها لنجد في نهاية المطاف أن الحصول على منزل سيظل لفترة حلماً بعيد المنال بالنسبة لذوي الدخل المحدود.‏

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. انا متزوج من 16 سنة … وساكن بالاجار من ذاك الوقت وكل سنة يتزايد الاجار الشهري بيانيا مع ارتفاع الاسعار … ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة لوجدنا اني قد دفعت ثمن منزل يفوق الجيد … لماذا لا تدخل البنوك في عملية انشاء مباني …. مثلها مثل السكن الشبابي والسكن العمالي والادخار …. ويباع الى المواطنين من ذوي الدخل المحدود بيع قطعي شرط ان لا يتم تأجيره للغير …الا تتوقعون ان تحل جزء كبير من المشكلةلانه لو نظرنا بعين الواقع المرير لوجدنا … ان السكن الشبابي او العمالي اة الادخار يتم لاناس ليسوا بحاجة الى البيوت وانما قادرين على دفع السلفة الاولى وبعدها يتم تأجيره للفقراء … ويتم تسديد الاقساط من خلال الاجارات … لو وضع بند جزائي بعدم تأجير الييوت اذا كانت مدينة لاي بنك … سترى ان الكثيرين سيتوقفون عن شراء البيوت وتأجيرها وسترى ان الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة بات لها املا كبيرا في ان يكون لها منزلها المستقلويا حبذا الجهات المعنية تساوي مجرد استطلاع على هذا الامر لوجدتم كلامي 100% صح

زر الذهاب إلى الأعلى