التنمية البشرية

لا تكن ممن همشتهم الحياة

بينما كنت أمشي في إحدى الطرقات رأيت متسولاً يقف على حافة الطريق يمد يده للناس ويطلب منهم المال وهو يقول ( من مال الله يا محسنين ) .. أقترب منه أحد الأشخاص وقال له: على ما يبدو أنك لست بحاجة فلماذا تسأل الناس ليعطوك النقود ؟

فرد عليه : ومن قال أنني أسأل الناس فأنا أسأل الله! 

وفي أحد الأيام كنت مع صديقي في آخر المساء وقررنا أن نتمشى قليلاً في بعض الحارات حفاظاً على صحتنا الجسدية ولقضاء بعض الوقت للنقاش. وبينما نحن في الطريق كنا نرى بعض المحلات من رزقه الله الكثير وهناك محلات أخرى يقعد أصحابها وهم يشاهدون التلفاز! وبعد استمرار في الطريق رأيت الكثير من أصحاب المحلات ممن يندرجون تحت هذين الصنفين. 

هل تعلم صديقي ما الاسم المناسب للمتسول وأصحاب المحلات الذين ليس لديهم عمل إلا مشاهدة التلفاز؟ إنهم المهمشون في الحياة. 

لماذا هؤلاء مهمشون في الحياة؟ 

القرار: إن عدم اتخاذك قراراً بأن تكون عضواً فاعلاً في المجتمع، هو قراراً بأنك عضواً ليس له معنى في المجتمع. 99,99% من الناس الذين همشتهم الحياة اتخذوا قراراً بأن يكونوا مهمشين وعلى الهاوية.
السذاجة: السذاجة تعني أن المهمشين في الحياة همهم الوحيد كل ما ليس قيمة في الحياة. فهم الشباب في هذه الأيام أحدث قصة أفرزتها الصرعة الغربية، وأحدث ألبوم نزل إلى السوق للمطربين والمطربات، وماركة المكياج الحديثة التي هبطت من السماء وغيرها من الأشياء التافهة.
ضعف التقدير الذاتي: معظم المهمشين يعانون من ضعف التقدير الذاتي الذي ينتج أساساً من عدم تقبل الذات كما هي والسعي وراء تغيير ما لا يستطيعون تغييره إلا بشق الأنفس، كتغيير شكل الأنف، ونفخ الشفاه، وشد الوجنتين، وعمليات تكبير الصدر، ونتحيف الخصر، وشد الورك، وعمليات الستايل المختلفة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وينتج عن ضعف التقدير الذاتي أيضاً مشكلة قضاء الطاقة البشرية والوقت في أشياء لا تضر ولا تنفع، ومن أمثال هذه الأشياء أن يذهب أحد الأشخاص إلى السوق ويشتري الكثير من الأشياء التي لا حاجة له بها، وهناك حالة أخرى تفشت في المجتمع وهي موضوع الماسنجر الذي بات يأخذ من الوقت أكثر مما يقضيه الشخص في بيته مع زوجته وأولاده، أو الشاب مع إخوته وأبواه. 

الطريق نحو العودة إلى وسط الصفحة 

الإدراك: عليك أولاً أن تدرك أن في حالة خطر، وأنك قد مللت الحياة بهذه الطريقة المهمشة، وعندما تفعل ذلك فأنت تغير نفسك نحو الأفضل. هناك مبدأ في علم النفس يقول "عندما تدرك تنفصل" ومعناه أن المدخن عندما يدرك أن التدخين شيء سلبي ينفصل عنه، وأن الشخص الذي يغتاب وينم على الآخرين عندما يدرك أن هذه العادة سلبية فينفصل عنها. وأنت عليك هنا أن تدرك أنك ممن همش نفسه في هذه الحياة حتى تنفصل وتكون أفضل إنسان على وجه هذه البسيطة. أتعرف لماذا؟ لأنك تستطيع… 

العمل الجاد: أن تعمل بقوة ونشاط وأن تغير من حياتك نحو الأفضل، وإذا أردت أن تغير حياتك نحو الأفضل فأول خطوة عليك أن تفعلها هي أن تغير نشاطات حياتك اليومية التي تعودت عليها وتضيف إليها شيئاً جديداً، كأن تقرأ يومياً لمدة نصف ساعة.
الصداقة: عليك أن تبحث عن أصدقاء جدد يمدونك بالطاقة والحيوية التي تدفعك نحو التقدم والعمل، فالإنسان يميل إلى أن يحذو حذو أصدقاءه، وكما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
التوكل على الله: أن تتوكل على الله حق التوكل، وحق التوكل يعني أن تأخذ بالأسباب، وبعدها أن تلجأ إلى مسبب الأسباب، لأنه هو الذي خلق العباد وهو مسؤول عن أمر العباد. وأن تكف عن أن تسأل الناس وتتوقع أن الناس سيساعدونك، فالناس هم وسيلة من وسائل التيسير التي يرسلها الله إليك وليسوا من يوفقون وينجحون.
التفاؤل: بعض الناس يقولون أن التفاؤل معناه أن تنظر إلى نصف الكأس الممتلئ لكي تشعر بالتفاؤل. هذا الكلام مقبول مبدئياً، وينقصه شيء هام وهو ماذا عملت بعد أن نظرت إلى نصف الكأس الممتلئ؟! فالعمل هو الذي يتوج اتجاه النظر وليس اتجاه النظر. وكما قال "نورمان فينست بيل" في كتابه "قوة التفكير الإيجابي" 1952م: "التفكير الإيجابي لن يعمل ما لم يتبعه عمل". 

في القرن الماضي كان هناك رجل يدعى "أوج مندينو" من أمريكا، وكان هذا الرجل يعيش في زقاق المدن الأمريكية ويأكل من الزبالة وما تفرزه الحاويات وبقي على هذه الحالة لسنين طويلة… وفي أحد الأيام كان يأكل من أحد الحاويات فوقف رجل رسام أمامه وشرع يقوم برسم أوج. وبعد الانتهاء من هذه اللوحة الفنية ناداه تعال أيها الرجل وأنظر إلى هذه اللوحة. نظر أوج مندينو إلى اللوحة وكان مرسوم في اللوحة رجل قوي عريض المنكبين، مفتول العضلات عليه نظرة التفاؤل. سأل أوج الرسام: من هذا الشخص؟ فأجاب: أمعن النظر فيها تماماً. أمعن أوج النظر في اللوحة فوجد أن هناك تطابق بينه وبين اللوحة! وقال للرسام: هل أنت تراني بهذا الشكل؟ فأجاب الرسام: طبعاً. 

ترك أوج مندينو الرجل وقرر أن يغير منحى حياته بالكامل وكتب كتاباً تحت عنوان "أفضل بياع في العالم" وبيع من هذا الكتاب أكثر من 14 مليون نسخة وأصبح من أقوى الناس في التنمية البشرية.
والآن يا صديقي دعنا نرى ما الذي ستفعله من الآن إلى الأسبوع القادم، وإلى أن أراك مرة أخرى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بواسطة
مصطفى صباغ
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. تعالوا في هذه الإيام نركز على الجوانب الإيجابية وليس السلبية فالحياة كما نرى في تقدم باستمرار وما شاء الله كان، وأرى أن الوضعية ستتحسن فرجاء كفوا عن التفكير بالسلبيات وتحلوا بالفكر الإيجابي

  2. و عليك السلام و رحمة الله و بركاته مشاء الله الكلام كثير حلو و مفيد ومؤثر ومن واقع الحياة لغته مفهومة وبسيطة وبيقدر يفهمو كل الفئات من شخص معه ابتدائي الى دكتور في الجامعة و احلى ما في المقالةانو بدلل على كلامك بنصوص من القران الكريم و السنة بالاضافة الى كتب التنمية البشرية و لك جزيل الشكر و اتمنى من الله ان يرزقك الاخلاص في كل الاعمال التي تقوم بها و ان تكون نيتك لوجه الله تعالى لكي تنال الاجرو الثواب

  3. شكر كبير للأستاذ مصطفى صباغ ولزهرة سوريا على هل مواضيع المهمة الي عم تطرحها ضمن أقسامها فعلا ً المواضيع مهمة للمجتمع العربي

زر الذهاب إلى الأعلى