مقالات وآراء

مسلسل نور

متى أعلم أن الناس ستقبل على مقالتي فتقرؤها أو على كتابي فتشتريه أو حتى على المسلسل أو الفيلم الذي أكتبه أو البرنامج الذي أعده فتتابعه وتنتظره؟ سؤال جدير بالوقوف عنده بل هو أول ما يدور في رأس كاتب ما يريد أن يتوجه للناس بعمل ينشره ويحلم أن يلقى
رواجاً وانتشاراً….

سواء أكان هدف الانتشار نهضة المجتمع وإصلاحه، أو كان الهدف كسب المزيد من الأوراق الخضراء – التي يجمعها أصحابها غالباً لأنها تذكرهم بمولاهم وخالقهم we believe in God –

وللإجابة عن هذا السؤال سأنسى أنني كاتبة وأعود لمكاني الطبيعي حيث أنني واحدة من أفراد المجتمع، وقارئة نهمة تحب القراءة كثيراً، وتهتم بالساحة الإعلامية وما يقدم فيها، فبالنسبة لي أول ما يجذبني لقراءة كتاب ما أو متابعة مسلسل ما هو عنوانه… الشيء الذي يتعب الكاتب كثيراً في تقريره، والذي كثيراً ما يؤخره حتى ينتهي من الكتابة والتأليف، وربما يغيره مرات عديدة (طبعاً هذا ينطبق عليَّ أنا أيضاً)، الأمر الثاني بعد العنوان يأتي الفحوى العام لهذا العمل، فإن كان العمل يتعلق بهمي وألمي ومشكلتي وحاجتي النفسية، أو يبوح عن مكنونات نفسي ومشاعرها، أو يضيء شعلة في قلبي وأجد فيه واحة هادئة آوي إليها هاربة من ضجيج الحياة وصخبها عندها سأقبل على هذا العمل وأتابعه بل وأنتظره…

إذن قوة الرسالة الإعلامية أياً كانت تحسب بمدى استطاعتها أن تتوجه إلى نقطة الضعف الشائعة في المجتمع وذلك لتقوم بأحد أمرين:

1- إما لتقدم حلولاً وتبين لأفراد المجتمع كيف يمكن معالجتها.

2- أو لتقدم لأصحابها مخدراً يجعلهم ينسونها أو يبعدون عن ألمها ولو لوقت قصير…

ولكن أي الرسالتين أسمى وأجدر بالاحترام؟؟

أعتقد أننا نتفق أنها الرسالة الأولى ذلك لأنها تحقق مقاصد الإعلام الهادف…. أما الرسالة الثانية وهي التي تقدم لأفراد المجتمع مخدراً ينسيهم نقطة ضعفهم لوقت قصير، وتجعلهم يحلقون في عوالم بعيدة عن آلامهم وأحزانهم فهل لها أخطار يا ترى؟ وما عواقب انتشارها في المجتمع؟ مع اعترافي التام بفائدتها فيما يتعلق بالترويح عن النفس وتخليصها من ضغوط الحياة وهمومها ولو لوقت قصير…

لأجعل كلامي عملياً أضرب مثلاً:

فقير لا يكاد يجد لقمة تسد رمقه يجلس كل يوم ساعة ليتابع مسلسلاً يحلق مع بطله في عوالم الثراء والمال والترف، وهو يتخيل نفسه هذا البطل الذي يرفل في ضروب الرفاهية وأنواع البذخ والملذات، وبانتهاء المسلسل يستيقظ ليجد نفسه جالساً على بساط رقيق، والهواء البارد يلعب بغرفته الوحيدة ويخترق عظامه، ولكنه كان مشغولاً بحلم جميل أخرجه من واقعه حتى أنه لم يشعر بنفسه ببرده وجوعه وتعبه….

إذا أدركنا تماماً هذه الصورة المؤلمة نستطيع أن نفهم الإقبال الشديد الذي لقيه مسلسل نور التركي الذي انتهى عرضه منذ أشهر، ولا تزال آثاره تطالعنا حتى الآن في كل مكان، نستطيع أن نفهم قصة مسلسل نور ليس من حيث أحداث المسلسل بل ما وراء هذه القصة وتلك الأحداث…. نستطيع أن نفهم القصة من أولها فبصراحة بالغة قدم هذا المسلسل جرعة تخدير عالية لقلوب سيدات وفتيات نقطة ضعفهن الأولى والأخيرة هي حاجتهن للعاطفة سواء كنَّ متزوجات أو غير متزوجات، والسبب في ذلك يعود لما يلي:

1- المادية التي أصبحت لغة العصر ابتداء من علاقات العمل وانتهاء بعلاقات الصداقة، فعلى سبيل المثال غدا البريد الإليكتروني والرسائل القصيرة وسائل أساسة للتهنئة والتعزية والمواساة وصلة الرحم من قبيل (عملنا الي علينا) ففقدت العلاقات الإنسانية روح التواصل والهدف المقصود منها مما جعل المرأة تفتقد للعاطفة والحنو والاهتمام من قِبَل محيطها عامة وذويها خاصةً.

2- صعوبة المعيشة والسعي لتأمين لقمة العيش ومستقبل الأولاد كان أيضاً على حساب الكثيييير من التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع عامة وعلى حساب علاقة الزوج بزوجته خاصة.

ولما كان الرجل قد حباه الله بسمات وميزات جعلت موضوع العاطفة المطلب الخامس أو ربما السادس بين حاجاته ومتطلباته النفسية، وأقول حباه على أنها نعمة خصه الله تعالى بها لما تدفعه المرأة في الحياة من أثمان باهظة بسبب حاجتها لهذه العاطفة…. _على سبيل التغليب لا التعميم طبعاً_ لما كان الرجل يتصف بذلك كان فقده لموضوع المشاعر والتواصل الإنساني في العلاقات الإنسانية أقل أهمية من المرأة _أيضاً على سبيل التغليب لا التعميم_

إذاً في ضوء ما سبق….

ماذا قدم مسلسل نور للنساء والفتيات؟

لقد جاء مسلسل نور ليحمل المرأة التي يخرج زوجها منذ الصباح الباكر ولا يعود حتى آخر اليوم مثقلاً بالهموم والمتاعب مطالباً بحاجاته غير مقدر ما تعانيه وما تحتاجه هي… جاء هذا المسلسل ليحمل هذه المرأة على جناح الخيال، ويحلق بها في حلم جميل من أحلام اليقظة مع مهند الفتى الساحر الذي ما فتئت زوجته نور منذ أول المسلسل تعامله بجفاء، وهو يسعى لرضاها ولاستمرار محبتها.

نقاط القوة في مسلسل نور:

لم يكن من المصادفة أن يتم انتقاء بطلة هذا المسلسل أي نور فتاة عادية جداً من حيث مقومات الجمال، كما لم يكن عبثاً من المؤلف طبعاً أن تكون هذه العلاقة بينهما تحت مظلة العلاقة الزوجية، فهو بذلك يضرب على وترين حساسين:

الأول: أنه ليس من الضروري أن تكون الزوجة فائقة الجمال تتمتع بصفات ملكات الجمال ليحبها رجل كمهند .

الثاني: أن علاقة الحب التي فقدتها مع زوجها منذ مجيء طفلها الأول أو ربما قبل مجيئه بسبعة أشهر أو ثمانية… هذه العلاقة التي اعتقدت أنها لا توجد إلا بين العشاق والتي تقضي عليها العلاقة الزوجية يمكن أن توجد في حياتها بدليل وجود إنسان في الحياة كمهند يعيش مع زوجته قصة حب متقدة قصة حب تكتبها عيونهما ولحظات صمتهما وووو…. الأمر الذي تفتقده المرأة غالباً في معترك الحياة الصعبة، وضمن مشاغل الزوج والمسؤوليات الجسيمة التي يتحملهما كل منهما…

فمهند كان بلا منازع فارس أحلام المرأة العربية التي أضحت في كثير من الأحيان بالنسبة لأبنائها وسيلة لتأمين الطعام والشراب والمنام واللباس والمكان الهادئ الدافئ النظيف، ولزوجها الأمر ذاته بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي الذي تقدمه له ليظهر في المجتمع أنه رجل متزوج له عدة أبناء وبنات، بالإضافة إلى العلاقة الزوجية التي لا تكون بدافع العاطفة إلا ما ندر… الأمر الذي جعل المرأة تشعر بتصحُّر في مشاعرها وفقرٍ في عواطفها.

الفرق بين مهند والرجل الشرقي من قبيل التغليب لا التعميم:

1- مهند يحب زوجته ويسعى لرضاها في كل وقت وكل حين بنفس السوية.

2- مهند يعترف بخطئه الأمر الذي لا يقبله الرجل الشرقي غالباً.

3- مهند يتحمل طبع زوجته الفظ ولؤمها في كثير من الأحيان، ويتقبل ذلك بألم أو صمت على أبعد تقدير الأمر الذي لا نجده عند أغلب الرجال الشرقيين.

4- مهند يفدي زوجته بنفسه ويضحي بحياته من أجلها فهو لا يستطيع أن يحيا من دونها.

5- الأهم من كل ذلك أن مهند يُظهِر لزوجته كل ذلك علناً وأمام كل الناس وخاصة أهله، أما الرجل الشرقي فلا يبدي مشاعره _بعد الزواج_ لأنه يجد أن هذا الأمر لا يليق به إلا ما ندر…

مهند يطبق السنة المطهرة:

باختصار مهند للأسف يطبق أغلب تعاليم السنة المطهرة فيما يتعلق بعلاقة الزوج بزوجته، فإننا إذا نظرنا إلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام كيف كانوا يعاملون زوجاتهم وإذا تأملنا ملياً بالأحاديث الشريفة التي يوصي بها عليه الصلاة والسلام الرجال بالنساء لعلمنا تماماً أن ما يجري حولنا من فقد المرأة للعاطفة ما هو إلا بسبب ابتعاد الرجال عن تعاليم ديننا الحنيف وسنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان يلاطف السيدة عائشة ويلاعبها ويعرب عن حبه لها ولخديجة رضي الله عنها، والذي كان لا يتحرج أن يذكر ذلك لأصحابه وأن يعرِّف الناس بأسماء زوجاته ويوجّه الناس لأدب العلاقة الزوجية التي فيها الكثير من مراعاة حال الزوجة ومشاعرها…. والكثير الكثير غير ذلك مما لا تتسع هذه الصفحات لحصره…

أين تكمن خطورة هذا المسلسل:

كل عمل إعلامي يحمل في ثناياه رسائل غير مباشرة فعلى سبيل المثال: ليس من الضروري أن يكون المسلسل مثلاً يتحدث عن العلاقات غير الشرعية بشكل مباشر لأن تقبله سيكون مشكوكاً فيه أما أن تقدم العلاقات غير الشرعية في ثنايا عمل يجذب الأنظار، ويلامس نقطة ضعف في المجتمع، فتقدمها على أنها ليست أمراً خطيراً وليست جريمة، ومن الممكن التعايش معها وتقبلها، وفوق هذا وذاك يمكن أن تكون في أوساط إسلامية أهلها يصومون ويقرؤون القرآن على موتاهم إلا أن الدين ليس أكثر من هذا أي الدين لا علاقة له بالحياة فهم يشربون الخمر على موائدهم، ويناقشون العلاقات غير الشرعية من جهة نظر الخيانة فحسب لا على أنها أمر منهي عنه شرعاً… وهذا الذي كان في المسلسل المذكور…

خطر الرسائل السلبية غير المباشرة هو أحد أخطار هذا المسلسل أما الخطر الأول والواضح لكل متأمل للواقع هو ما رأيناه من تعلق النساء بشخص هذا الممثل ليكون فارس أحلام كل امرأة وكل فتاة سواء أكانت مرتبطة أم غير مرتبطة وهو التعلق نفسه الذي دفع العديد الفتيات في يوم من الأيام إلى رمي أنفسهن من شرفات منازلهن يوم مرت جنازة عبد الحليم حافظ….

إنه التعلق النفسي بذاك القادم الذي لا بد سيأتي في يوم من الأيام على الحصان الأبيض ليحمل الأنثى الحالمة ويذهب بها إلى عالم ألف ليلة وليلة حيث تكون هناك الملكة ملكة قلبه أولاً وملكة المملكة التي يقدمها لها والتي فيها من النعيم ما لذّ وطاب كذاك القصر الذي تم فيه تمثيل مسلسل نور والذي غدا معلماً سياحياً في تركيا تقصده أفواج السياح من كل مكان وخاصة سياح الدول العربية….

كيف تم استثمار –استغلال- شهرة المسلسل وأبطاله:

إذا علمنا أن إنتاج لعبة للأطفال لم يعد الترويج لها عن طريق إعلان يقدم للطفل أثناء مسلسل الكرتون، بل غدا الترويج الحديث عن طريق إنتاج مسلسل كرتوني كامل مؤلف أحياناً من 100 حلقة وأحياناً يكون على عدة أجزاء، بحيث تدور فكرة هذا المسلسل حول تلك اللعبة المنتجة ولا فرق أن تكون اللعبة كرة زجاجية تقذف على الأرض، أو تكون بلبلاً يدور كل ذلك يمكن أن تُكتَب له حلقات وقصص مغامرات وبطولات لا تنتهي إذا علمنا كل هذا أيكون غريباً أن يقوم منتجو السلع التجارية باستثمار _استغلال_ شهرة مسلسل ما والترويج لمنتجهم عن طريق بطل هذا المسلسل…. لتصبح كل المنتجات التي يريدون الترويج لها إنما هي مما يستعمله هذا البطل أو يحبه أو يفكر أن يستعمله،….. وهذا أسلوب تقليدي… ولكن ماذا لو أتاح شراء هذا المنتج فرصة للمشتري أن تكتحل عينيه برؤية هذا البطل وربما لتلامس كفُّه كفَّه أو ليصحبه ساعة من الزمن؟!

من هنا نستطيع أن ندرك ما معنى تلك الجملة التي داهمت عيوننا قبيل يوم الأم في لوحات الإعلانات هنا وهناك: "من يريد أن يقابلني"

خلاصـــة الكلام:

ليس علينا أن نقعد في الظلمة فنلعنها ما حيينا بل علينا أن نقوم نحمل بين أيدينا سراجاً نوقده من فكرنا وعقيدة قلوبنا لنبدد هذه الظلمة شيئاً، فشيئاً فلا نستنكر واقعاً سيئاً بل نعرف أسبابه وأهداف من أوجده، ونحصّن أنفسنا تجاهه فنكون حصوناً منيعة تعرف ماذا تريد ولماذا تريد… عندها إذا قلنا لا نريد أن نقابلك ستكون جملتنا مدوية راسخة فاعلة في المجتمع مؤثرة لأننا نعرف تماماً الضعف الذي فينا والذي جعل هذا الشخص يقف مبتسماً واثقاً من نفسه يدعونا للقائه، فنكون عندها أقوياء بموقفنا لا لشيء إلا لأننا نعرف لماذا تريد أيها البطل المزعوم أن تقابلنا كما نعرف تماماً:

لماذا لا نريد أن نقابلك…

بواسطة
سهير علي أومري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى