مقالات وآراء

كل ادّعاءاتهم كاذبة

لقد أصبح معظم السياسيين في العالمين العربي والإسلامي وكذلك الباحثين الإستراتيجيين وحتى الأكاديميين والكتّاب مُنساقين وراء الدعاية والأفكار الغربية, حيث أنّ ما يُسمى ب(الدولة اليهودية) أصبح أمراً مُسلماً به تماماً لديهم, وأنّ المشكلة الآن هي في الفلسطينيين
وأصبح في زعمهم أنَّ مشكلة المنطقة سببها الفلسطينيين وليس اليهود المغتصبين, وسببها ( الإرهاب الفلسطيني) بحسب ادّعاءهم وليس الوحشية والهمجية والإرهاب اليهودي. ولذلك أصبحت المشكلة في حركات المقاومة الفلسطينية. وأصبحت توصف بأوصاف القصد منها رفع القدسية عنها والتقليل من عظمتها وإخراجها من محتواها الوطني.
اللافت للنظر أنّ الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي قد نسيّ أو تناسى تماماً أنّ الجماعات اليهودية دخلت إلى فلسطين عنوةً واغتصاباً وبمساعدة دول الاحتلال والاستعمار في منطقتنا, حيث سلبوا أرضها بغير حق واستوطنوا بها وهجّروا أهلها وشردوهم وأذّلوهم وأذاقوهم أشد الويلات.ولم يكتفِ العالم العربي والإسلامي بالنسيان فلقد ذهب الكثير منهم إلى الاعتراف باليهود وبحظيرتهم (دولة جارة) في قلب فلسطين وعلى معظم مساحتها وعلاوة على ذلك أقاموا معها أفضل العلاقات وعلى مختلف الأصعدة.
هنالك أيضاً من في العالمين العربي والإسلامي وإن لم يعترف رسمياً ب( كيان العدو) فإنهم يرون في قرارة أنفسهم أنّ هذه (الدولة) أصبحت أمراً واقعياً محتوماً ويجب التعامل معها على هذه الأساس إن لم يكن علانيةً فسراً. وما يُفسر هذه الصورة هو قيامهم على حث الفلسطينيين على الخضوع للأمر الواقع (كما هو في نظرهم) ودليل ذلك سكوتهم وخنوعهم وغض نظرهم على ما يجري ضمن الأراضي الفلسطينية. حيث نلاحظ أنّ زعماء العالمين العربي والإسلامي والسياسيين في معظمهم تراجعت مطالبهم وأقوالهم من العمل على محاربة وطرد اليهود المجرمين منذ دخولهم أرض فلسطين إلى قبول التقسيم إلى القبول بقطاع غزة والضفة كدولة فلسطينية إلى القبول بفكرة توطين الفلسطينيين أينما وجدوا وأخيراً قبولهم بأنّ الجماعات اليهودية غير راضية عن كل تنازلهم هذا فهناك المزيد والمزيد الذي يجب عليهم عمله إرضاءً لليهود وللغرب.
لقد نسيّ حُكام العالم العربي عامة وحكام سورية الطبيعية خاصة أو تناسوا بأنّ الحرب ضد اليهود واسترجاع فلسطين كل فلسطين هو جوهر شعاراتهم وأهم مسؤولياتهم التي وعدوا ومازالوا يعدوا بها شعوبهم … لقد نسوا هم والكثير من الباحثين والكتّاب أو تناسوا أن الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا هي أساس المشكلة في عالمنا العربي وعلى الرغم من قناعتهم بذلك نراهم عند استقبال مسؤول ما من هذه الدول وغيرها من الدول الاستعمارية ومهما علا أو صغر شأنه يُسارعون إلى تحيته ويباركون ويفاخرون بعلاقاتنا التاريخية المميزة ( على حد ادّعاءهم ) بين البلدين على الرغم من معرفتهم التامة بأنّ هذه العلاقات كانت عبارة عن علاقة دولة استعمارية ( التي يتبع لها هذا المسؤول) ودولة مستَعمرة ( بفتح التاء) والتي هي نحن وطبعاً بكل ما تعنيه كلمة استعمار واحتلال من معنى, حيث كان من جراء هذه العلاقات التاريخية (المميزة بنظرهم) أن جلبت الويل كل الويل لبلادنا, جلبت الحروب والنزاعات الطائفية والمذهبية والعشائرية, جلبت التخلف العلمي والاجتماعي وكرّست الجهل التام ببناء الأوطان الحرّة المستقلة, جلبت الداء الأخطر وهو السرطان اليهودي والتي مازالت إلى الآن تساعد على بقاءه وانتشاره.
كل هذه الأمور ينساها حكام العالم العربي أو يتناسوها وكذلك حال الكثير من السياسيين والأكاديميين, ويرون أنّ المشكلة في منطقتنا هي في حركات المقاومة و(مغامراتهم) ضد العدو اليهودي. لذلك بنظرهم يجب أن تتوقف وأن نبحث عن إستراتيجية جديدة !؟!؟. والمشكلة تُحل بنظرهم بانسحاب اليهود إلى حدود حزيران 1967 وكأنَّ كل شيء حدث حتى هذا التاريخ لا يعنينا وليس لدينا فيه مشكلة ولا يخصنا..!؟. إنّ الحديث عن حدود الخامس من حزيران هو بحد ذاته اعتراف مباشر ب(دولة العدو) وبحقها بالبقاء في أرض فلسطين, وهو أيضاً وقوف في وجه المقاومة الوطنية لاسترجاع كامل فلسطين. فعلينا أن ننتبه لما نفعله ونقوله بهذا الشأن.
لقد أصبحوا مؤمنين تمام الإيمان أنّ هنالك دولة تُسمى (إسرائيل) وبالإمكان قيام دولة أخرى بجانبها تعيش بجانبها تحت كنفها راضية بذلها وإهانتها. وليس ذلك فقط , بل علينا أن نشكر اليهود والغرب على رأسه أمريكا لأنهم تكرّموا وتفضّلوا علينا و سعوا لإيجاد دولة فلسطينية. لذلك كان علينا أن نتأكد أنّ السلام يكون بهذا الشكل؟!؟!. وما يثير السخرية ويدفعنا أن نبصق على هذا الزمن وعلى هذا المنطق هو أنّه بالرغم من قبول الحكام العرب بكل هذا فإنّ اليهود غير راضين عن هذا لأنهم (اليهود طبعاً) يؤمنون بأنّ لهم الحق بأكثر من ذلك.
لقد بات الحكام العرب (وليس غريباً عليهم) وغيرهم من السياسيين وكذلك الكتّاب يرون في المقاومة الوطنية في جميع أشكالها وأماكن وجودها في أمتنا ( لبنان, فلسطين, العراق) عبئاً عليهم ( على سلطتهم وحكمهم) ووصلت بهم الوقاحة إلى الاعتراف علناً بمواجهتها. أصبحوا يتهافتون أمام المنابر وينادون بحرصهم على السلام ( طبعاً السلام الذي يُبقي كراسيهم) لذلك كان رأيهم أنّ على المقاومة أن تتوقف عن إزعاج اليهود وأن تتوقف عن إرهاب أطفال اليهود , وأصبح برأيهم أنَّ المقاومة أصبحت أسلوب غير حضاري كما أنها تثير غضب اليهود ومؤسسات المجتمع الدولي والدول الاستعمارية وبالتالي اعتناق هذا النهج سيؤدي إلى زعزعة السلام( طبعاً زعزعة سلام حكمهم).
أصبحنا ويا للعار نطلب ونرجو ونتمنى السلام من اليهود, أصبحنا لا نعرف العزة والكرامة والوطنية ونحتاج لمن يلقننا إياها.لقد أصبحت شعوب العالم العربي ذليلة فاقدة للعزة والكرامة تحت ظل هؤلاء الحكام قليلي الناموس, مدّعي الوطنية والعروبة, مدّعي الحرية والديمقراطية.
لذلك كان علينا أن نؤمن أشدَّ الإيمان أنّ جميع ادّعاءاتهم وشعاراتهم وتصريحاتهم وخطابتهم كاذبة.

بواسطة
حسن عثمان
المصدر
أوروك الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى