ثقافة وفن

ناجي جبر.. القبضاي “أبو عنتر” يتحول لأسطورة الشهامة

مثَّلت وفاة الفنان السوري الراحل ناجي جبر مؤخرًا بعد معاناةٍ مع المرض صدمةً للكثيرين من زملائه وعشاقه من جمهور سوريا والوطن العربي، واعتبر كثيرون من العاملين في الوسط الفني رحيله بمثابة خسارة كبيرة للحركة الفنية في سوريا.
ولم يكن الحضور الكبير لتشييع جثمان الراحل في سوريا بالأمر المستغرب كونه ترك أثرًا طيبًا في نفوس كل محبيه من أهل بلده، ولكن كان اللافت حديث زملائه عنه في العديد من الصحف والمجلات واللقاءات الفضائية وإجماعهم على إخلاصه وتواضعه مع الجميع، وعبقريته في التمثيل من الداخل، والقدرة الفائقة على تقمص الشخصيات التي يجسدها، لدرجة بدت وكأن الشخصيات هي التي ترتدي جلبابه وليس العكس.

ولن ينسى أحدٌ أن ناجي جبر أضاء شعلة الكوميديا وأنه كان رمزًا للرجولة والوقار والجاذبية والرهبة في أدوراه التي ارتسمت بالعنفوان وكانت صورة مثالية للقبضاي، ويبدو أن هذا الأمر لاقي استحسانًا من الجمهور، خصوصًا وأن بداخل كل مواطن عربي "أبو عنتر".

شخصية أبو عنتر
جذبت شخصية "أبو عنتر" التي جسدها الراحل زمنًا طويلاً العديد من الجمهور العربي من مشرقه إلى مغربه، كونها كانت تتمتع بصفات إنسانية عديدة من بينها الفرح والمرح وخفة الدم التي جعلتها تستقر في وجدان المشاهد العربي، وقليلون هم الذين يعرفون كيف لبس "ناجي جبر" هذه الشخصية وأضاف عليها الكثير خلال العقود الأربعة الماضية حتى غدت بهذه الشهرة وبهذا الحضور اللافت.

الطريف أن وراء قيامه بهذه الشخصية صدفة خدمته كثيرًا تتلخص في أنه كان مرشحًا لأداء شخصية خادم في فندق في مسلسل "صح النوم"، وأثناء إجراء البروفات عليها شعر المخرج خلدون المالح أن ناجي لم ينسجم معها فأسندها إلى الممثل ياسين بقوش.

ولأن المخرج كان قد انتهى من توزيع باقي الأدوار رغم أن المؤلف نهاد قلعي لم يكن كتب إلا حلقتين فقط من المسلسل، رضي ناجي أن يجسد شخصية "كومبارس " لسجين يُدعى "أبو عنتر" وأثناء البروفات عقدت الدهشة لسان الجميع نتيجة الأداء المذهل لجبران الذي أضفى على الشخصية تفاصيل مهمة جدًا في الشكل والحركة والإيماءات والقليل من الكلمات، الأمر الذي دفع بالمخرج أن يطلب من المؤلف التركيز على هذه الشخصية بدءًا من الحلقة الثالثة، وازداد الاهتمام بها حلقة بعد أخرى نتيجة الإبداع الواضح الذي كان يضفيه ناجي عليها.

واستثمر المؤلف هذه الشخصية وطورها بفضل ناجي في العديد من الأعمال الأخرى، ومنها "ملح وسكر" والجزء الثاني من "صح النوم" و"وادي المسك" وغيرها.

وأصبحت الشخصية بفضل الأداء المذهل لناجي بمثابة جزءًا من الموروث الشعبي، وأضحت شخصية شهيرة ومحبوبة على مستوى الوطن العربي، ووقفت شامخة بجوار شخصيات درامية سورية شهيرة منها "فطوم وغوار وأبو كلبشة وحسني البورظان" .

ورغم اقتران اسم ناجي بشخصية "أبو عنتر"، إلا أنه نجح في السنوات الأخيرة في الخروج من عباءة هذه الشخصية، حيث قدم شخصيات مختلفة تمامًا عنها، كما حدث في مسلسلات "غزلان في غابة الذئاب وأسير الانتقام وبيت جدي والحصرم الشامي وأولاد القيمرية".

نشأة فنية

وُلد ناجي في مدينة شهبا في محافظة السويداء في التاسع من شباط/فبراير عام 1940 ضمن عائلة فنية من أفرادها شقيقاه الفنان الكوميدي الراحل محمود جبر الذي رحل قبل ثمانية أشهر، والفنان هيثم جبر، وهو عم الفنانتين مرح وليلى جبر.

شبَّ أبو عنتر على عشق الفن وكانت البداية من خلال المسرح المدرسي وبعده المسرح القومي والعسكري في سوريا، ثم انتقل تدريجيًّا إلى العمل الفعلي في التلفزيون السوري عام1972 من خلال "أولاد بلدي" و "حكايا الليل" وانتسب لنقابة الفنانين، وعمل مع أخيه الراحل محمود في المسرح من خلال مسرحيات عديدة منها "سراديب الضايعين وترفيع استثنائي" فأبدع ولفت انتباه الكثيرين بمن فيهم دريد لحام الذي أشركه معه في مسلسل "صح النوم" مطلع السبعينيات من القرن الماضي.

واستعان به دريد لاحقًا في عددٍ من أعماله منها: "حمام الهنا ومقالب غوار ووين الغلط ووادي المسك"، إلى جانب فيلم "غرام في إسطنبول"، كما استطاع أن يؤسس لنفسه مسرحًا متميزًا أحبه الجمهور، ويكفي أن مسرحيته "ليل أنس" استمر عرضها ستة أعوام، وعرضت "إعلانات" لأكثر من عامين، وكان آخر ظهور له في رمضان الماضي في مسلسلي "بيت جدي" و"أهل الراية" الذي قدم فيه شخصية البطل "نمر"، واعتبر عودة قوية له بعد غياب اقترب من خمسة أعوام.

عشرات الأعمال الفنية
العشرات من الأعمال الفنية هي رصيد ناجي جبر، فقد قدم أكثر من خمسين مسلسلاً تلفزيونيًا من بينها "يوميات أبو عنتر ورمضان كريم وأيام شامية وحامض حلو والخوالي وأبو المفهومية والرهان وأولاد بلدي ووادي المسك" و"آه يا زمن" من تأليف محمد العاص وإخراج سمير حسين وشارك فيه مؤخرًا بتجسيد شخصية رجل أعمال مستهتر.

كما شارك في ثلاثين فيلمًا سينمائيًا منها "غرام في إسطنبول وأبو عنتر بوند وهاوي مشاكل وثعالب المدينة وشباب حارة العناتر والسكين وباسمة بين الدموع وأموت مرتين وأحبك وصعود المطر" إلى جانب عشرات المسرحيات، ومنها "صياد وصادوني، سراديب الضايعين، النهب، طارت البركة" وغيرها.

بواسطة
صالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى