القضية الفلسطينية

“أميرة” الغزاوية.. ذات الـ12 ربيعا أم لستة أطفال بأمر الاحتلال

في ساعة متأخرة من الليل، تستيقظ الطفلة “أميرة أبو كميل” (12 عامًا)، يوميًا على صوت بكاء أخيها الرضيع، النائم إلى جوارها، إما لتصنع له مصاصة حليب، أو تُبدّل له حفاضته، أو تحمله قليلا وتحتضنه ليتوقف عن البكاء.
وعلى عكس الأطفال الذين هم في مثل سنّها، لا تحظي “أميرة” بليلة هانئة هادئة، تدخر فيها طاقة جديدة، لتمارس اللعب مع أقرانها في الصباح، بل تنهض من نومها؛ لتنفّذ إحدى المهام البيتية الشاقة عليها.

ومنذ أن اعتقل الجيش الإسرائيلي والدتها “نسرين”، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، على معبر بيت حانون (إيريز)، الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، شماليّ قطاع غزة، بتهمة “تصوير ميناء حيفا”، تتولى هذه الطفلة رعاية أشقائها وشقيقاتها الستة، وأصغرهم رضيع يبلغ من العمر عامًا وثمانية أشهر، بينما والدها مشغول في عمله اليومي لجلب المال، الذي يسير به حياتهم اليومية.

ولم تصدر السلطات الإسرائيلية بعد حكمًا قضائيًا ضد الأم، كما لم تسمح لعائلتها بزيارتها منذ ذلك الوقت. بينما تنفي “الأم” التهمة الموجهة إليها، وتعتبرها “باطلة”.

ويتخوف الكثير من المواطنين الفلسطينيين من السفر عبر معبر بيت حانون، خوفًا من اعتقال السلطات الإسرائيلية لهم، وابتزازهم وإجبارهم على التعاون معهم، كما يقولون.

إلا أنه يبقى الخيار الأخير لهم؛ بسبب إغلاق معبر رفح البري، جنوبي القطاع بشكل شبه دائم من قبل السلطات المصرية.

وحسب مراكز حقوقية، اعتقلت السلطات الإسرائيلية نحو 30 مريضًا فلسطينيًا، من معبر بيت حانون، أثناء سفرهم لتلقي العلاج.

وتُمضي الأم الصغيرة، التي يبدو جسدها منهكًا جدًا ومتعبًا للغاية، ساعات طويلة خلال اليوم تقف على قدميها، وهي تتنقل بين غرف المنزل وأخواتها؛ لتوفير احتياجاتهم ومتطلباتهم.

وفي إحدى غرف البيت، كانت الطفلة “أميرة” تبدّل حفاضة شقيقها بسرعة، حتى تتمكن من إنهاء أعمال المطبخ سريعًا، ثم تبدأ بطي الثياب التي غسلتها سابقًا، وبعدها تهتم بإحدى شقيقاتها التي تعاني آلامًا في رأسها وأذنها.

وتقول لـ”الأناضول”: “لقد تعبت كثيرًا، وأعاني كل يوم، أشقائي وشقيقاتي أصغر مني سنًا، ولا يستطيعون مساعدتي في أعمال المنزل، ومنذ اعتقال أمي، وأنا أقوم بكل شيء”.

وتضيف: “كل يوم أستيقظ في وقت مبكر، أمشط شعر أخواتي، وأبدل ثيابهم، ثم أبدأ في أعمال المنزل، لو ماما هنا لكنت مرتاحة”.

ومنذ دخول شهر رمضان، تشعر أبو كميل وعائلتها بالحزن والغربة، بسبب غياب والدتهم عن المنزل.

وتضيف:” المهام المنزلية أصبحت أكثر تعبًا، لأنني صائمة وأشعر في بعض الأحيان بالدوار”.

وتشير إلى أنها فشلت أكثر من مرة في إيقاظ الأسرة لتناول وجبة السحور، حيث غلبها النوم.

ولم تعد سفرة العائلة الرمضانية، تمتلء بأصناف مختلفة من الأطعمة، فالطفلة الصغيرة تكتفي هي ووالدها بصناعة أطباق خفيفة من الطعام، مثل السلطة والحساء.

وتتابع الطفلة:” لا نتمكن من عمل وجبات تناسب الصائم وتعوض له ما فقده خلال اليوم، كما كانت تفعل أمي، وتقول لي دائمًا، بأننا يجب أن نعوض العناصر الغذائية التي فقدناها”.

وأكملت:” نحن نفتقد ماما كثيرًا، لقد كنا نشعر معها بالفرحة، وتصنع معنا زينة رمضان المنزلية، ونعلقها على الجدران معًا، الآن لم لا يوجد فوانيس ولا زينة”.

وبدلًا من أن تُضفر شعر دميتها، وتستمع بإجازتها الصيفية التي بدأت قبل أسابيع قليلة، تحاول “أميرة” أن تعوّض غياب والدتها.

وتتابع أبو كميل:” أخي الرضيع كبر على يدي، والاهتمام بطفل رضيع أمر صعب، عندما حُقن إبرة التطعيم، أصبح مريضًا جدًا، وتعذّب كثيرا، لو أمي كانت بجواره لما عاش كل هذه المعاناة”.

ويطلب أشقاء وشقيقات “أميرة” أنواعًا عديدة من الأطعمة، لا تستطيع أن تعدّها لهم، كما تقول، مضيفة: “أعدّ أمورًا بسيطة جدًا، ولا أجيد الطهي”.

“حازم أبو كميل”، والد “أميرة”، وزوج المعتقلة الفلسطينية، يقول لـ”الأناضول”: “زوجتي نسرين من مدينة حيفا، داخل إسرائيل، وتحمل هوية إسرائيلية، تزوجنا في عام 2000، وجاءت للعيش معي في غزة”.

ويضيف “أبو كميل”، صاحب الـ(41 عامًا): “كل ستة أشهر يتم استدعاء زوجتي لتجديد تصريحها الخاص بدخول إسرائيل لزيارة عائلتها، رغم أنها حُرمت في إحدى الفترات، من زيارتهم لمدة 9 سنوات (لم يوضح السبب)”.

ويستطرد: “وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، توجهت نسرين، كما اعتادت لمعبر إيريز، لتجدد تصريحها إلا أنه تم اعتقالها من قبل القوات الإسرائيلية، وتوجيه تهم باطلة لها، منها تصوير ميناء حيفا، في آخر زيارة لها لعائلتها، في عام 2014″.

ويشعر “أبو كميل” بالعجز أمام إدارة شؤون منزله في غياب زوجته.

وأضاف:” كيف ستكون حياة رجل وأولاده، دون وجود الزوجة في المنزل، لا أستطيع أن أحضر لهم دومًا طعامًا من المطعم، الوضع المادي لي لا يسمح”.

ويعمل “أبو كميل” بائعًا متجولًا لبطاقات شحن الهواتف المحمولة، مقابل دخل شهري، لا يتجاوز الـ100 دولار.

بواسطة
راغب بكريش
المصدر
وكالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى