مقالات وآراء

أدوات رخيصة .. بقلم عبد الحكيم مرزوق

لماذا يبدو تدخل
الإدارة الأمريكية في شؤون الدول العربية وقحاً وعلنياً ، ويحمل الكثير من عدم الاحترام لهذه الدولة أو تلك ، وهل لوضعها في قائمة الدول التي تنتمي للغة الضاد أثر في هذا التعامل الذي يعكس الفوقية في التعامل معها والنظرة الدونيّة التي تنظر لها معتبرة تلك الدول في الدرجات السفلى التي لا يحق لها أن تتمتع بحقوق الدولة ذات الصلاحية الكاملة وعليها أن تبقى مطيعةً للاملاءات التي تعطى لها من قبل الموظفين المتواجدين في سفاراتها أو من خلال المبعوثين من مستوى وزراء أو أقل الذين يقدمون لائحة الطلبات التي يجب أن تنفذ بحذافيرها دون زيادة أو نقصان .
والمسألة لا تتوقف عند هذا الحد بل إنها تبدو أنها تسير عبر خطة ممنهجة تهدف بالدرجة الأولى السيطرة على الثروات الباطنية الموجودة فيها ، ومن ثم القبض على القرار السياسي حيث لا يعود عند معظم تلك الدول أي استقلال في القرار وتبدو حركات الحكام والملوك والأمراء والرؤساء العرب محسوبة عليهم حيث أنهم في الظاهر يحكمون ويقودون دولهم ولكنهم في الواقع دمى متحركة تقول ما يلقنه لهم السيد الأمريكي وتقرر ما تمليه عليهم إدارة إل CIA ، فمثلاً هناك بعض الدول العربية كانت تترك تسمية ثلاث وزارات سيادية منها الإعلام والثقافة لمسؤولين في الإدارة الأمريكية ومن ثم تقوم بتسمية بقية الوزراء في أي تشكيلة حكومية قادمة ، ويبدو التدخل أبشع حين تجعل تلك الدول عبارة عن أجهزة استخبارات تحصل من خلالها على الكثير من المعلومات السرية التي تخص ذلك البلد وبلدان عربية أخرى كي تستكمل وضع سيناريوهات السيطرة والهيمنة على كل مقدرات تلك الدول وبذلك تبدو أنها أحكمت قبضتها على كل صغيرة وكبيرة من شأنها أن تفيد منها في معركتها في السيطرة على المنطقة العربية ، ولعلنا لا نصاب بالدهشة حين يتم تعيين بندر بن سلطان مهندس المؤامرة على سورية مع الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في موقع رفيع في المملكة السعودية كمكافأة له على الدور الذي قام به في تلك المؤامرة القذرة وهو الغاطس بفضائح صفقات الطائرات التي جلبها للملكة وقبض عليها أرقاماً خيالية من العملة الصعبة ك (سمسرة) أودعها في بنوك تلك الدول التي لا تمت للعربية بصلة .
الولاء في الدول العربية التي تهيمن عليها الإدارة الأمريكية يبدو للأمريكان حتى لو خان بلاده وعروبته فالخيانه والتجسس لصالح العدو ليس شيئاً معيباً (حسب مفاهيمهم ) لأن من يفعل ذلك يحصل على مكافأته وهو الذي يرى أن ملكه أو أميره قابع بحضن الأمريكان فلم لا يسارع لتقديم عرابين الولاء لسيده الأمريكي ويبيع البلاد بما فيها ليحظى بالحظوة والمكانة الرفيعة … انه زمن أغبر تغيرت فيه المفاهيم وأصبح الجميع يسارعون للحصول على رضى العدو ويبيعون كرامتهم وشرفهم ويسلمون أرضهم مقابل الرضى الأمريكي الذي يدوس على حلفائه ويتخلى عنهم حين ينتهي دورهم المرسوم لهم ولنا في التاريخ القريب أمثلة ناصعة البياض ومنها على سبيل المثال لا الحصر التخلي عن الخائن أنور السادات الذي وقّع اتفاق الإذعان (كامب ديفيد ) مع العدو الإسرائيلي ، وكذلك التخلي عن الرئيس المخلوع حسني مبارك إبان الثورة المزعومة التي لم تأت حتى الآن بالأهداف التي قامت من أجلها ، وأيضا تخليها عن الرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح وهو الذي يعتبر من الموالين للأمريكان وكذلك عن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعن الرئيس الليبي معمر القذافي الذي فتح أبوب ليبيا إبان الاحتلال الأمريكي للعراق بوجه الأمريكان وهذا لم يشفع له حيث تآمر عليه الرئيس الفرنسي ساركوزي والذي قبض منه مبالغ خيالية بعد أن موّل حملته الانتخابية من الأموال الليبية ونجح فيها .
صحيح أن السياسة ليس لها دين كما يقال ، ولكن الكرامة واستقلال القرار شيء لا ثمن له وهناك من أضاعهما وتمرغت جباهه تحت أرجل الأمريكان الذين لا يكتفون بما يقدم لهم بل يطالبون بالمزيد والمزيد وهذه المعادلة لم يفهمها بعض ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية فاستمرؤوا اللعبة وغرقوا فيها حتى أصبحوا مجرد أدوات رخيصة في المؤامرة على المنطقة العربية وكل ذلك في سبيل الحفاظ على كراسي الحكم التي لن تدوم لأحد وسيسقطون كما سقط الذين سبقوهم .

بواسطة
عبد الحكيم مرزوق
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى