ثقافة وفن

“الألماني ” درس عملى فى كيف تُصنع الأفلام الرديئة

بعنوان ضخم تقرأ على التترات أننا بصدد فيلم لأول مرة يتناول البلطجة في مصر.. بالطبع صارت كلمة “بلطجي” من أشهر الحروف تداولاً في نشرات الأخبار فقرر المخرج الجديد “علاء الشريف” أن يرقص على ايقاع الأخبار
وبرامج التوك شو ولكنه لم يلحظ أن ما قدمه لا علاقة له بفن السينما أو حتى الرقص إنه نوع من السطو على بقايا أفلام وأفكار وكأنها بلطجة سينمائية.

شعرت بالإحباط داخل دار العرض لأنني بسبب المهنة مضطر أن أكمل تلك العلقة حتى أرى طوق النجاة وهو كلمة النهاية برغم أن الجمهور القليل الذي أرسله حظه العاثر إلى دار العرض غادر القاعة قبل أن يصل للنهاية وهو يردد كلمات لو سمعها صُناع الفيلم لأوقعت قائليها تحت طائلة قانون السب والقذف العلني.

قدموا تلك التوليفة الرديئة وهم موقنون أن الجمهور آت لا ريب.. هكذا تصور كل المشاركين في الفيلم واعتقدوا ولا أدري كيف أنهم بهذا العدد الضخم من الأغاني الشعبية لبوسي وهي غير الراقصة "بوسي سمير" وبالطبع أيضاً ليست الفنانة "بوسي" ولكنها تحمل اسم "بوسي" وخلاص ومطرب "شعبي" آخر "شحته كاريكا" ولا أدري ما هي علاقته بعصام كاريكا ومطرب ثالث ورابع يدعي كل منهم أنه شعبي رغم أن هناك فارق شاسع بين الشعبي والسوقي.. تداخلت الأسماء وتشابكت معاني الكلمات ولم يبق شيء سوى أن هناك محاولة فاشلة لكي تتاح الفرصة لـ "محمد رمضان" لكي يصبح بطلاً محورياً فهو الألماني زعيم البلطجية برغم أن الشريط يضع في التترات اسم "أحمد بدير" سابقاً الجميع ولكن لا دور من الممكن أن تعثر عليه لـ "أحمد بدير" فهو مجرد رجل مسالم في هذا الحي العشوائي ووجوده في هذا الفيلم هو تأكيد للعشوائية.

الأحداث تقع في هذا الحي المعزول عن الحياة به بيت للدعارة وصديق البلطجى أو ذراعه الأيمن يؤدي دوره "ضياء عبد الخالق" يتاجر في الممنوعات وكذلك بنزين 80 المختفي من الأسواق وأنابيب البوتاجاز هذا فقط في وقت الفراغ ولكن وظيفته الأساسية هي أن يشارك "رمضان" في البلطجة وترويع المواطنين من أهل المنطقة الذين يتقاعسون عن تسديد ما عليهم من فواتير فهم يشترون "بالشكك" وعندما يتعثرون في الدفع يسددون المبالغ بالإكراه خوفاً من بطش "محمد رمضان" وعصابته.

حرص المخرج أن يؤكد أن أبطاله من الشارع وأنه لم يضف شيئاً من الخيال ولكنه فقط غير الأسماء وذلك لكي يكتسب مصداقية ولكنه ينسى أن المصداقية تأتي من صدق الشريط الفني وليس صدق الواقع.. المؤلف يستخدم كل الكلمات الرديئة في القاموس الشعبي التي صارت متداولة الآن ولكن كل ذلك لا يكفي لكي يعبر عن البلطجية والعشوائيات و يحاول أن يستثمر ما يجري على أرض الواقع بعد الثورة عندما شاع استخدام هذا اللفظ حتى أن هناك من يصف الثوار في بعض أجهزة الإعلام بالبلطجية!!

لو تحدثنا عن العشوائيات فإن المخرجان "خالد يوسف" بفيلمه "حين ميسرة" و "أحمد عاطف" بـ "الغابة" اقتحما تلك المنطقة قبل نحو أربع سنوات وفي الفيلمين ستجد اسم الكاتب "ناصر عبد الرحمن" كتب الأول واشترك مع "عاطف" في الثاني ولكن هذه المرة مع "الألماني" الكاتب هو المخرج وهو لا يجيد فن كتابة السيناريو بقدر ما يعوزه الكثير في امتلاك أدواته كمخرج.

وفي الفيلم تم الدفع بعدد من الوجوه الجديدة بجوار "رمضان" ولا أدري على أي أساس يبلغ حد الجرأة بالمخرج وهو يقدم كل هؤلاء ولا يستطيع قيادتهم فنياً.. والواقع أنه لا يوجد على وجه الدقة شيء تستطيع أن تعتبره جديد لا أحداث ولا حتى وجوه!!

الفيلم يبدأ بجريمة قتل عندما يخرج "محمد رمضان" من مخبأه ويقتل لحاجته إلى أموال سطى عليها من الضحية بينما الجريمة يتم تصويرها بجهاز موبايل نراه بعد لحظات في أحد البرامج الفضائية ويقدم الفيلم عن طريق "الفلاش باك" العودة للماضي كل مشاهده لنكتشف أن تعبير الألماني أطلقه عليه صاحب المحل الأسطى الميكانيكي وهو طفل لأنه وجده متفوقاً في العمل على اعتبار أن السيارات الألماني تعني عند الناس حسن الصنعة ولهذا فهو يحتفظ بهذا الاسم الذي صار لقباً له ولكنه يشاهد أمه يعتدى عليها فتصبح لديه مشاعر غضب جامحة ضد المجتمع بكل أنماطه وطوائفه ولهذا يبدو الأمر وكأنه يحمل رؤية اجتماعية ورغبة دفينة في الانتقام ولا يجد المخرج ما يملأ به الزمن سوى أنه يزيد ويعيد ويكرر نفس المشاهد على هذا النحو.. "رمضان" في بيت الدعارة مع امرأة يعقبه مشهد لضياء في بيت الدعارة مع أخرى ثم لا يجد شيء آخر يضيفه سوى أن يذهب إلى فرح شعبي لنشاهد راقصة ومطربة ثم أغنية شعبية أو ما يتصور أنها كذلك بينما "محمد رمضان" ينتقل من مكان عشوائي إلى آخر أثناء مطاردته ثم يسرف الفيلم في مشاهد تعاطي المخدرات وفي مشاهد البحث عن مخدرات ويعود مرة أخرى إلى الغناء الشعبي ولا أتصور أن كل هذه المحاولات أسفرت عن شيء.. تبدو وكأنها محاولات مستحيلة لاصطياد متفرج عابر!!

شاهدت في الفيلم كيف أن الممثلين الكبار أمثال "أحمد بدير" والمتخمون في نفس الوقت بعشرات من الأعمال الدرامية عندما يجدون الفرصة سانحة أمامهم لتقديم عمل فني رديء وبلا ملامح لا يتورعون عن التمثيل طالما أن الشعار هو "أبجني تجدني"!!

"محمد رمضان" شاهدته في العديد من الأفلام وأرى أن أفضلها "احكي يا شهرزاد" الذي كتبه "وحيد حامد" وأخرجه "يسري نصر الله" وهو ممثل لا أنكر أن له حضور برغم خضوعه لسطوة "أحمد زكي" ربما يحدث ذلك على غير إرادته فيجد أن بوصلته في الأداء تدفعه إلى هذا الطريق وعليه أن يتحرك بعيداً عن هذا القيد ورغم ذلك تظل نجومية شباك التذاكر قضية أخرى.. هو بالطبع لا يملك الآن القدرة على الاختيار وعندما يأتي له دور يقبله ووجد أن البطولة المطلقة تعرض عليه فوافق على الدور وتباين مستوى أدائه بين كل لقطة وأخرى ربما ينتظر بعد "الألماني" أن يقدم التركي لأنه هو الموضة الآن!!

"الألماني" درس سينمائي من الممكن أن يصلح لكي يدرسه طلبة معاهد السينما في أنحاء العالم في محاضرة عنوانها "كيف تصنع فيلماً رديئاً".

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى