الزاوية الإجتماعية

صفح المجني عليه أثره القانوني وثوابه الرباني بين الشريعة و القانون السوري بقلم المحامي أحمد شعبان

ذكر الله تعالى الصفح في القرآن الكريم بلفظه ثماني مرات وذلك في سورة الحجر آية /85/ وسورة الزخرف آية /5/ وآية /89/ وسورة المائدة آية /13/ وسورة البقرة آية /109/ وسورة التغابن آية /14/ وسورة النور آية /22/
 يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور (( وليعفو وليصفحوا ألا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم )) أية /22/
بالمقابل فإن صفح المجني عليه قد ذكر في القانون السوري في المادة /156/ تحت عنوان صفح الفريق المتضرر إذ تقول المادة في فقرتها الأولى : ( إذا صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم الشكوى أو الدعوى الشخصية يسقط دعوى الحق العام ويوقف تنفيذ العقوبات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك )
وكذلك المادة /157/ إذ تقول : يمكن استنتاج الصفح من كل عمل يدل على عفو المجني عليه أو على تصالح المتداعين وإن الصفح لا ينقض ولا يعلق على شرط وإنه إذا كان على أحد المحكوم عليهم فإنه يشمل الآخرين .

ولقد كرست محكمة النقض الموقرة هذا المفهوم ووضحت بعض من تطبيقاته إذ تقول في حكمها رقم 21493/1468 تاريخ 28/2/1964 :
(الصفح المقصود في المادة /157/ عقوبات يشمل العقوبة وحدها ولا يلغي حكم التضامن في القانون المدني ،فإذا اسقط المدعى حق عن أحد الفاعلين فلا يستفيد سواه من الإسقاط إلا بنص صريح وتطبق أحكام التضامن المدنية على الآخرين بالنسبة للحق الشخصي).

وكذلك بالحكم رقم /2508/ 2710 تاريخ 1/10/1977 icon sad صفح المجني عليه أثره القانوني وثوابه الرباني بين الشريعة و القانون السوري ….. بقلم المحامي أحمد رامي شعبان إن أثر الحق الشخصي ينحصر مفعوله بنوعية الإصابة التي كان عليها يوم الإسقاط أما إذا تفاقم الضرر وزاد الضرر الحاصل فيه فليس هناك مايمنع المثابرة على المطالبة بالحق الشخصي )

سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن الصفح فأجاب :
(( أمر الله تعالى نبيه بالصفح الجميل والصفح الجميل هو الصفح بدون عتاب،))مجموع الفتاوى المجلد العاشر .

هل الصفح دليل على الضعف ؟؟..
قد يحسب الناس أن الصفح والتسامح والعفو دليل على الضعف والرضا بالإهانة والظلم وعدم القدرة على دفعه , ولكن المتعقلين يفهمون أنها سمة من سمات قوة الشخصية وميزة لدى المؤمن القوي ، يقول رسول الله تعالى ( إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) .

وعلى مستوى الأمة ككل يجب أن تتسامح من منطلق القوة لا من منطلق الضعف وتأتي نصوص القرآن الكريم في هذا المجال والتي منها أمر الله تعالى نبيه أن يخفف عن نفسه كفر من كفر ( فاصفح عنهم وقل سلام ) وأمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتجاوز عن أخطاء المؤمنين ( فاصفح الصفح الجميل ) وقوله تعالى للآباء وللأزواج بالعفو عن الأولاد والعيال( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) .

وإن النص القرآني الذي يقول الله تعالى فيه (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )يمثل مدخلا آخر للترفع عمن هم أقل منا وعيا وعلما فلا نناطحهم ونغلظ عليهم وانما نصفح عنهم ونأخذ بأيديهم .

يجب على الأمة أن تتسامح من منطق القوة لا من منطق الضعف بحيث تكون في مركز قوة لأنها إن ظلت تتسامح وهي ضعيفة هزيلة فلا ريب أن ذلك سيؤدي بها إلى أن يحتقرها أعدائها ، بحيث أن أعدائنا يعدون هذا التسامح ضعفا منها ولا يحسبونه لطفا في المعاملة وإنما سوف يزدادون في التحيز ضد هذه الأمة .

هل الصفح دعوى للاستسلام للواقع الفاسد ؟؟..
إن الصفح ليس دعوى للاستسلام والخنوع للبيئة الفاسدة تحت مسمى التكيف الاجتماعي ولكن على الفرد أن يسعى لتعديل فساد البيئة بالأساليب المناسبة والوسائل المقبولة بعيدا عن التعصب وضيق الأفق واللجوء إلى القسوة بل إلى الحوار وتعديل السلوك قدر المستطاع ، وكلما ارتفع وعظم قدر الإنسان كلما زاد عفوا وصفحا وكرما مما يجعل الإنسان أهلا لعفو الله تعالى وكرمه

الصفح أمر الله تعالى في القرآن الكريم ومن أسمائه العفو الغفور !!!…
إن من أسماء الله تعالى العفو والغفور الذي يسمح ويصفح ويعفوا ويزيل آثار السيئات ، ولقد أمر الله تعالى عباده بالصفح والعفو والإحسان لمن أساء يقول جل وعلا ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) ..

رسول الإنسانية قدوتنا ومعلم الناس الصفح والتسامح…
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا )) ومعنا ذلك أنك إذا أردت العزة في كل شؤونك في عملك في منزلك مع أصدقائك وأمام أعدائك إذا عليك بسلوك طريق العفو والصفح عن الناس ..
ولقد كان رسول الله القدوة والأسوة الحسنة في الصفح والتسامح والعفو عن الظالمين الذين آذوه وأخرجوه من أحب البقاع إلى قلبه مكة شرفها الله تعالى ، وكلنا يعلم أنه عندما عاد رسول الله إلى مكة فاتحا منتصرا قويا وقد أعزه الله ومكن له في الارض بعد طول صبر وسنوات من العناء وجهاد ضد كفار قريش وأعوانهم ، فلما قدر رسولنا الكريم عليهم عفا عنهم وقال لهم ((لا تثريب عليكم

– الصفح في القانون السوري :

كما ذكرنا سالفاًَ إن الصفح ذكر في قانون العقوبات بالمادة رقم /157/ حيث أن حق العقاب تستأثر به الدولة وحدها إلا أن المشرع السوري الذي أقر هذه القاعدة أناط حق الملاحقة للنيابة العامة لملاحقة مرتكبي طائفة من الجرائم على تقديم شكوى من قبل الفريق المتضرر أو تقديم إدعاء شخصي أو شكوى وهنا يجب أن نعدد الجرائم التي تتوقف الدعوى العامة فيها على شكوى من المتضرر :
1- جريمة استيفاء حق بالذات مادة /419/ عقوبات سوري .
2- جريمة السفاح بين المحارم مادة /476/ عقوبات سوري وتلاحق بدون شكوى إذا أدى الأمر الى فضيحة .
3- جريمة الإيذاء مادة /540/ .
4- جريمة خرق حرمة منزل مادة /557/ .
5- جريمة التهديد مادة /564/ .
6- جريمة الزنا مادة /475/ ، لا يجوز الملاحقة بها إلا بشكوى الزوج أو الولي على عامود النسب في حال عدم الزواج .
7- جرائم الذم والقدح مادة /572/ فقرة أولى .

إن صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم الشكوى يسقط دعوى الحق العام ويوقف تنفيذ العقوبة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك .
نستنتج ما تقدم أن المشرع السوري علق صفح المجني عليه في الأحوال المذكورة أعلاه التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم شكواه .
إذاً في هذه الجرائم علق القانون إقامة الدعوى العامة على شكوى وبالمقابل تسقط فيها دعوى الحق العام بالصفح تشجيعاًَ منه على مبدأ الصفح والتسامح وإننا في هذا المقام نقترح توسيع دائرة الجرائم التي تسقط فيها دعوى الحق العام بالصفح حتى نكرس ثقافة الصفح فيما بين أبناء المجتمع .
وتطبيق قول الله تعالى (واعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
صدق الله العظيم

المصدر
زهرة سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى