مقالات وآراء

المواطن السوري بعد الأحداث بوصلة مجنونة في حقل قانوني مغناطيسي مشوّش

انتشرت في الآونة الأخيرة اعتباراً من بداية الأزمة السورية مقولة : المواطن هو البوصلة ، فماذا نستطيع ،بعد مرور ثمانية أشهر على التخبط السوري نظاماً و شعباً ، أن نقول في وصف هذه البوصلة ؟
لننطلق من نقاط و محاور عدّة في نظرة فاحصة لواقع المجتمع السوري المتأزم ، المجتمع الذي لا يخلو كبقية المجتمعات الأخرى من الأمراض النفسية على الصعيد الشخصي ، الأسري ، الطائفي ، دوائر العمل الرسمية ، المؤسسات و المشاريع الخاصة ؛ و كأننا في دوامة تصعيدية لا تنتهي ، و قد فرغت العيادات النفسية من روّادها لتملأ الوطن بما تيسّر من الكفاءات العقلية المختلّة التي تحتاج إلى دور حضانة مؤهّلة لاستيعابها قبل أن تهاجر.
إنّ أقلّ ما يمكن أن نعرّف به الأفراد اليوم بأنهم كائنات حية في بيئة فاسدة بكل ما للكلمة من معنى ، بيئة تتقاطع فيها المصالح و تتأزم بها العلاقات بين الأخ و أخيه سعياً لأن يكون تلك البوصلة متعددّة الوخزات ، تبدأ دورانها في حقل قانوني ضيّق لا يتعدّى قناعات أسماء لامعة برزت في البرامج الحوارية و الأحزاب الجديدة و الأحزاب النائمة ، و كما يُقال : الأقربون أولى بالمعروف ، و كذلك نجد أنهم أولى :" بالفروج المنتوف "
من هو الفرّوج المنتوف :
يمكننا أن نعرّف الفروج المنتوف بأنه كائن صالح للاستهلاك البشري : يمكن أن يكون لك بمرتبة الأخ ، الأخت ، الجار ،، القريب وثيق و بعيد الصلة ، مستهدَف من حملات قسائم المازوت، حملات حسن النية من الناس المحيطة به، البيروقراطية في مؤسسات الدولة ، البيروقراطية الخاصة _ التي لا يوليها أحد اهتماماً بقدر نظيرتها في القطاع العام _ لسبب أو آخر يعود ضمنياً إلى عقدة الرضوخ النفسي للغة و منطق المال ، فتجد مثلاً أنّ من يدخل المصرف الخاص يتقيد بالنظام و الكوّة و يتعامل مع الموظف باحترام منقطع النظير، يلتزم بأصول الدخول و الخروج و النظافة ، أي أنه يظهر بأبهى حلة ، كيف لا ومنطق المال يفرض عليه المظهر و التعامل و الصوت الهادئ و هذا الوضع ازداد احتراماً في القطاع الخاص بحيث يدفع و لا يناقش في صحة أو خطأ ما يتوجب عليه دفعه بدءاً من الحلّاق ، مروراً بالجزّار و السوبر ماركت و محلات الألبسة و الأحذية و رغم خروجه بإحساس المنتصر في معركة خاسرة كلّفته الكثير من الوقت ، المجهود ، ضبط النفس لملاءمة : "الستايل الراقي " ، قناعاً من دهان حديدي ثقيل الوزن يخلعه بمجرد بلوغه عتبة داره.
و من الظواهر الجديدة لسلامة توجّهات البوصلة دخوله إلى دوائر الدولة مندّداً بالفساد متناسياً أمر مخالفته في البناء و سرقة الكهرباء و المياه و حتى التحميل على خط جاره لأن جاره ميسور الحال لا يتحدّث كثيراً فلماذا يدفع الفاتورة الدولية ،و كلها تشابكات خطوط بسبب الأحوال الجوية .
و هكذا ، سيدخل ليعلّم رئيس الدائرة أو المدير العام حيثيات القانون و تطبيقاته و ثغراته و تجاوزاته ، لكن ليس أي قانون : إنه قانونه الخاص الخيالي الذي لا تقع مدينة أفلاطون جزءاً منه .
في حادثة فريدة من نوعها : ينتظر المواطن من أخيه الموظّف أن يتفهم أنه سيّده ، عليه أن يتراقص فرحاً بقدومه يحمل له أوراقه و يتنقل بها كالفراشة من غرفة إلى غرفة حتى تتمّ كل الإجراءات اللازمة . تنقل مقدراه بضعة أمتار من غرفة إلى أخرى تنقص من عمرك أخي المواطن سنيناً ، حمى الله شبابك ، و أدام لك سيارتك و البنزين الذي تطالب بانخفاض أسعاره .عذراً المبنى ضيّق و لا يتسع لوسائل المواصلات.

في مكان وردي آخر : نفس المواطن و لكن باسم آخر و وجه آخر يغدو مسؤولاً ، يبدّل الكراسي ، و ينتقي أفضلها و لأنه يملّ من مفروشات منزله يبدّل مفروشات الدائرة التي يعمل رئيساً لها عدة مرات .
القابعون على الكراسي في زمن الفساد ، كانوا يوماً ما " فروجاً منتوفاً " لكنهم بدل أن يتحولوا إلى كائنات نافعة تماثل تلك الموجودة في المعدة ، نجدهم يتحوّلون إلى زحار ، يمتصّون من طاقة الخلايا على التحمّل . و ذلك تحت مسمّى : " قوة الشخصية و فعالية الفيتامين .
نحن نحيا في بلد المحسوبيات ، و كل من يقول عكس ذلك فهو يكذب على نفسه قبل أن يكذب على واجبه تجاه مسؤولياته ، و نجد استثناءات لكل من نعرفهم سواء بدافع القرابة ، المناصب ، المراكز و كذلك بسبب عقدة النسب ، مرض العصور و الأزمان ، العقدة النفسية التي لا تستطيع انتزاعها من عقول الغالبية مهما تفنّنوا في ارتداء جلباب أسرهم و تبنّي أفكار العصامية المقنّعة .
إننا شعب يتملّكه الإعجاب بالإنسان العصامي لكنه لا يغفر أخطاء جدود أجداده .
إننا بالمختصر شعب منافق  فإذا كنا نريد الإصلاح علينا بإصلاح 23 مليون سوري تعايشوا مع تناقضهم على أساس أنها ثقافة قوّة شخصية .
قبل أن تطالب بالإصلاح أيتها البوصلة ، تذكر نفسك عندما كنت مواطناً عادياً ، قبل أن تتعرف إلى وجهك المشوّه و أنت على كرسي المسؤولية مهما صغرت ، و أن تحترم المواطن الذي يدخل مكتبك يعرض مشكلته ، إن كان قلبك ضيق الفسحات ، لا تستلم مكاناً حساساً تثير به نقمة المواطن على النظام .
لا تطرد المواطن من غرفتك أو تتعمّد إهانته لأنه ابن فلان أو لأنه ليس بمستواك العلمي .
لا تتعمد إطلاق الشتائم عندما توقّع لموظف مسؤول عنه لانتسابه إلى دورة تدريبية ، فتوقيعك لصالح الوطن لا لأجل إبراز قذارة لسانك .
انس لمرة أنك " ابن شوراع " ، و اسمح للكرسي بتغيير الصفات السيئة منك.
عزيزي المواطن ،أنت أيضاً أصلحك الله ،تعلّم احترام المكان الذي تدخل إليه ، فأنت البوصلة ،لكن لا تحقنها بغبائك و استهتارك بقانون لا تعرف إلا بعض أجزائه .
بالهداوة يا حبيبي  فأنت في النهاية :
مثل البقية مسؤولاً و جهة خاصة و عامة …بوصلة مريضة

بواسطة
رنا قاسم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى