القضية الفلسطينية

العربُ ليسوا عربا .. بقلم : توفيق أبو شومر

سنظلُّ أسرى لتقاليدنا العربية، ولعل أكثر التقاليد العربية شيوعا تتمثل في هذه الحكمة : ( المبدعون يموتون أحياءً ، ويحيَوْنَ أمواتا ) ..

نحن لا نُجِلُّ مبدعينا إلا بعد أن يموتوا، كذا فإن زمن الوفاة يزيد من كفاءة الأموات، فكلما تقادم العهدُ، ازددنا إعجابا وتقديرا لهم، فزعماؤنا ومبدعونا يُشبهون النبيذَ المُعتَّقَ، الذي تُقاس جودتُهُ بسنوات تعتيقه وخزنه.

غير أن الحقيقة الأكثر وضوحا هي ما أصاب حياتنا الراهنة من التعقيدات والمآزق والأمراض النفسية، والتي تتمثل في أن البشرَ صاروا يحنون إلى ماضيهم ، أكثر مما يأملون في مستقبلهم، فهم يهربون من مواجهة هذا المستقبل الخطير، بالهروب إلى الوراء!

إن سبب المقدمة السابقة ، هو وفاة مبدعٍ فلسطيني، أخشى أن يَذكره التاريخ كاسم فقط ضمن قافلة المبدعين الفلسطينيين الراحلين، بدون أن يحظى بالتقدير والإجلال لأثره في الآداب العربية والعالمية، ولقصائده الرائعة ولإنجازاته الإبداعية الوطنية !

الشاعر والسياسي والناقد والأديب يوسف الخطيب الفلسطيني المولد، العربي النسب والحسب، هو من وضع النوتة الموسيقية لشعراء الأرض المحتلة، في كتابه ديوان شعراء الأرض المحتلة 1968 .

لا أبالغ حين أقول إن تأليف الكتاب كان أشدَّ وقعا من كل القذائف والعمليات العسكرية، فقد نقل الأشعار المبعثرة إلى سيمفونية الأناشيد الفلسطينية، وأعطى للكلمات والحروف نغماتٍ وألحانا!

ولم يكتفٍ بجمع أشعار شعرائنا المبدعين، بل إنه واظب على تجسير الفجوة بيننا ، وبين تراثنا العربي، فيوسف الخطيب، لم يجد فرقا بين حزن الشاعر الكبير المتنبي، عندما عاد خائبا من ضيافة كافور الإخشيدي البخيل يوم العيد، فقال منشدا رائعته التي يصف بها خيبته ويهجو كافورا:

عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ… بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ

فيوسف الخطيب قد أسقط بؤس الشاعر وألمه على ما يحدث للفلسطينيين من قهرٍ احتلالي، فقال معارضا تلك القصيدة:

عيدٌ حللتَ، كما حوَّلتَ يا عيدُ… فما وحقك تحتَ الشمسِ تجديدُ

أما الأحبةُ فالأسلاكُ دونهُمُ…. ودونَ غزةَ فولاذٌ وبارودُ

إنه الشاعرُ المبدع، الذي يجب أن يحظى بتكريم مدينة العنقاء(غزة) لأنه جعل غزة في قصائده رمزا لكل نضالنا، حتى أن غزة خرجتْ عن كونها مدينةً، كما المدن، لتصبح في شعره جنةً وكوثرا، لا يُرى اللهُ إلا في شوارعها:

رأيتُ اللهَ في غزةَ… يؤرجحُ فوق نور ذراعِهِ

طفلا إلى أعلى…

ويمسحُ في سكون الليل… أدمُعَ أمِّهِ الثكلى

رأيتُ الله في الساحاتِ… يُغمض أعين القتلى

ويسقي في مدافنهم… غصونَ الآٍِس والدُّفلى

رأيتُ اللهَ يبرحُ قُبَّةَ الجامع… وينزل في صدور المؤمنين

ويملأ الشارع!

إنه الشاعرُ الكبيرُ الذي لا يرى في أمته العربية، سوى تعبيراتٍ وألفاظا، ومصطلحا سياسيا فقط لا غير، فقد استحالتْ أمةُ العربِ عند الشاعر إلى أمةٍ مأزومةٍ، بدّلتْأبطالها، بالخبثاء والمرتزقة، ولم يعد العربُ عربا.

أأُمَّتي يا شموخَ الرأسِ مُتلعةٌ… مّنْ غَلَّ رأسَك في الأقدام والرُّكَبِ؟!!

أأنتِ أنتِ أم الأرحامُ قاحلةُ….وبَدَّلتِ عن أبي ذرٍّ أبا لهبِ؟؟

أكادُ أؤمنُ من شكٍّ ومن عجبِ…. هذي الملايينُ ليست أمة العربِ!!!

إنه إكليلُ الشعر الفلسطيني الذي يُزين براويز الشعر العربي، إنه يوسف الخطيب الذي ولد في دورا بالخليل 1931، وتوفي في دمشق يونيو 2011 .

ثمانون عاما بدأت بفلسطين، وأثمرتْ في دمشق والعراق ولبنان، فالشاعر ليس أديبا مبدعا فقط، ولكنه رمزٌ للمخزون الإبداعي الفلسطيني، والذي أخشي عليه أن ينضُبَ!!

بواسطة
توفيق أبو شومر
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يافجر اصحوا من دجى عتماتك …فالقلب اضحى في الدياجي الاثرة….ياليت فيني موضع من فرحة …..تنضو على احلام روحي العاثره,…ياليل لاترحل فلا من مؤنس ….سواك يدنو من ظلالي الغابره….ماتت مضارب العرب اللتي كانت عامره…؟؟!!!

زر الذهاب إلى الأعلى