مقالات وآراء

المغتربون، سفراء سورية الى العالم

ذكر دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973 وتعديلاته بالقوانين 2 لعام 1980 و 18 لعام 1991 و 9 لعام 2000، في المادة 43 منه ما يلي (المادة 43 : ينظم القانون الجنسية العربية السورية ويضمن تسهيلات خاصة للمغتربين الغرب السوريين وابنائهم
ولمواطني اقطار الوطن العربي.)

هذه التسهيلات الخاصة التي وردت في الدستور، لم يتم تفعيلها بشكلٍ كافٍ، وجاءت دون مستوى الطموح .

تدهشنا اعداد المغتربين السوريين في العالم، فالارقام تشير الى انها بلغت ثمانية عشر مليون مغترب، ووفق قناعاتي ونظرتي ومحبتي لوطني، فإنني أنظر اليها أنها بلغت ثمانية عشر مليون سفير سوري في العالم أجمع.

كيف بدأت هذه الارقام الكبيرة ولماذا؟

لا شك أن الهجرة بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنها ازدادت خلال بدايات القرن العشرين، وهي لم تمس شريحة دون أخرى بل لامست كل أطياف الشارع السوري، إلا أن تأثيرها كان واضحاً على الفئات ذات الاعداد الأقل من غيرها، مع وضوحي التام بأنها ليست أقليات، وكان طابع الهجرة التي بدأ مع نهايات الامبراطورية العثمانية حتى النصف الاول من القرن العشرين مسيحيا بشكل اساسي.

وُجد أن نسبة الاغتراب كان أعلى عند المسيحيين منها عند المسلمين، كما أن نسب عودة المسلمين الى بلداتهم اكبر من نسب عودة المسيحيين، والأسباب التي حدت بالمسيحيين للهجرة كانت ذات بعد اقتصادي أولاً إضافة الى أن الدوافع التي حدت المسيحيين على الهجرة – حتى الاعتبارات السياسية منها – كانت تختلف عما هي لدى امثالهم من المسلمين.

لقد لمست بعض كنائس سورية واقع الهجرة الى بلاد الاغتراب، حيث لا وجود فاعل للكنائس الشرقية، وكان لها السبق في متابعة ابنائها في مواقعهم الجديدة وتنظيم شؤونهم، فمثلاً قرر بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك مكسيموس الخامس (حكيم) خلق منظمة تعمل لتكون صلة وصل بين المغتربين. وقد كانت التجربة الاولى في سنة 1982. وفي سنة 1984 عاد البطريرك الى مشروعه فعهد الى معاونه القريب اليه الارشمندريت (حالياً مطران حلب) جان جنبرت ايلاء هذه المنظمة كل عناية واهتمام. وعقد اول اجتماع لرابطة الملكيين العالمية (IMCU) في لندن سنة 1985، ولكن المصادقة على هذا التأسيس جرت في اجتماع المنظمة في مونريال في 5 الى 7 ايار سنة 1986.

لم ترقَ مشاكل المغتربين (بكل اطيافهم) الى مراتب مهمة من تفكير المؤسسات الرسمية، وانحصرت بالاهتمام بمن برز في المغترب بحيث قمنا باستقبالهم وتسليط الضوء عليهم وعلى نشاطاتهم، لكن دون متابعة، كما يسميها الصناعيون (خدمة ما بعد البيع)، علماً ان هؤلاء المهاجرين هم اول نتاجات العولمة قبل تأطيرها بمسميات ودراسات، وهذه الهجرة المعولمة تؤدي الى نشوء اقليات جديدة مهمة ومجتمعات جديدة تماما، على بلدانهم الأم متابعتهم للاستفادة من وضعهم بما يخدم مجتمعاتهم الجديدية والقديمة.

هل هذا يعني أن تكون خطة الدولة نحو المغتربين مختلفة باختلاف الفئات؟

لا شك ان معالجة اي أمر سيكون لها بعدين الاول عام والثاني خاص، ومن هذا المنطلق هناك معالجة عامة ومعالجة خاصة للمغتربين.

ما يحز في نفسي أن الكثير من اقربائي واصدقائي هم اليوم في المهجر، وهؤلاء المغتربين يشكلون مرحلة من ذكريات الماضي، يراسلونني ويدعمونني بآرائهم، والأهم أنهم يبثون لي ما شكواهم ومقترحاتهم حول ما يريدونه من بلدهم الام.

احدى اهم المواضيع التي لمستها ان الجاليات السورية تفقد أهم عامل مشترك مع بلدها الام، وهي اللغة العربية، فلا يوجد من يقوم بتعليم اولادهم او احفادهم – على ابعد مدى – لغة بلدهم، وهم يعلمون تمام العلم ان اللغة العربية ستفيدهم في اعمالهم لانها لغة منطقة تزايد الاهتمام بها، وأنا ارى ان تقوم السفارت السورية بوضع خارطة تعليمية في بلدان المهجر بحيث يتم افتتاح مدارس لتعليم اللغة العربية بواسطة مدرسين او مدرسات (بكفاءات تدريسية وسلوكية وحضارية) يتم ايفادهم من سورية بحيث يقومون بالتدريس اولاً وخلق صلات اجتماعية وحضور فاعل في المجتمعات التي تم ايفادهم لها، بحيث يبقى الجيل الجديد، مرتبطاً نوعاً ما ببلد اجدادهم، ومهتم لمصالحها.

الكثير من اصدقائي واقربائي المغتربين، يطلبون مني بعض الخدمات والاستفسارات لدى دوائر الدولة، وانا كنت اتابع ذلك (من قيد عقاري الى بيان نفوس الى…) وتساءلت مرة او بالحري تساءل معي المغتربين، لماذا لا تقوم وزارة المغتربين بدورها بمتابعة طلباتهم لدى كافة الدوائر عبر وسائل الاتصال المتنوعة وهذا يعني اعداد دراسة لجعل وزارة المغتربين عبارة عن هيئة اتصال وخدمات بين المغتربين وبين دوائر الدولة، وبذلك تكون قد وضعت لبنة قوية للعلاقة (غير الشكلية) بين المغتربين ووطنهم الام من خلال خدمتهم بشكل فعلي.

في عدد من الدول تتبنى الدولة دعوة الاطفال والاولاد من خلال برنامج زيارة لمدة اسبوعين، تستضيفهم البلد الام مجاناً – من خلال وزارة المغتربين – وتُعد لهم برنامج زيارات بحيث تجعلهم يفخرون ببلدهم وتجعل بينهم وبين بلدهم رابطاً قوياً، بحيث يتعرفون على سورية بحضاراتها المتعددة، وتنوعها الطيفي.

لا نريد للمغتربين ان يتركوا بلدانهم وان يعودوا الى سورية، لكن أن يحملوا اسم سورية بداخلهم ويكونوا في بلاد الاغتراب سفراءً ونموذجاً يُشار له بالبنان، لأنه كما ورد في الانجيل المقدس "فيرى الناس اعمالكم الصالحة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات"

اللهم اشهد اني بلغت

بواسطة
المهندس باسل قس نصر الله
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى