ثقافة وفن

المرأة في صبايا وأهل الراية: صورة واحدة بشكل مختلف

رغم أنه من المبكر الحكم على الموسم الرمضاني الحالي بالإشادة أو الإدانة لأننا لا نزال في ثلثه الأول، إلا أن ملامح ما يعرض علينا من مسلسلات قد تبدت على مستوى المضمون وأيضاً الشكل، بحيث يسهل علينا تصنيفها من ناحية الجدة، والابتكار، والأداء، وطريقة السرد،

وبناء العلاقة مع الواقع لتوليد المعنى.

وكالعادة الدراما السورية تحتل معظم ساعات بث الفضائيات العربية، وتحديداً الخليجية التي غالباً ما تتوافق مضامين المسلسلات السورية مع عقليتها الرقابية، وكمؤشر على انتشار الدراما السورية، هناك أكثر من عشرين مسلسلاً سورياً يعرض في معظم القنوات العربية في آن واحد معاً، ما يوحي بالوفرة رغم قلة الإنتاج. ‏

غير أن هناك مؤشرات تشي بتراجع في المد الدرامي السوري هذا العام، ليس على مستوى المساحة، إنما على مستوى المتابعة الجماهيرية، وهو أمر مرتبط إلى حد كبير بالرتابة التي بدأت تقع فيها معظم هذه المسلسلات، من حيث تشابه الموضوعات والأساليب الفنية والإخراجية المتكررة. ‏

إذ مازالت العديد من المسلسلات السورية أسيرة قصص وحكايات تتماهى في بعدها العائلي والاجتماعي مع تصورات ساذجة للحياة والتاريخ، إذ تعالج مواضيع عامة في أماكن افتراضية غير محددة رغم تسميتها، شخصياتها أحادية النمط ومن دون هوية، وبالتالي فهي لا تعكس واقعاً ولا تؤسس لبديل، الأمر الذي يبقيها عاجزة عن التأثير رغم وهم المتابعة الجماهيرية. ‏

باب الحارة 5

وهو فخ استساغه «باب الحارة» لبسام الملا إلى حدود دفعت الجمهور للتساؤل هذا العام: متى سيقفل هذا الباب؟ كما يسير على هداه مسلسلا «أهل الراية» و«صبايا» رغم تغير بعض الوجوه، وهو أمر قادهما إلى افتعال الأحداث وتسطيحها، وتكريس جملة أفكار ومفاهيم تناقض المتغيرات الاجتماعية، مع توسيع الهوة بين الواقع الفعلي والواقع الذي صنعنه الشاشة، ما أعاد الاعتبار لموضوعات ظننا بأنها قد أصبحت في حكم المنسيات، فإذا بها أمامنا: «تعدد الزوجات، دونية المرأة، شهامة الرجال… إلخ»، وهي موضوعات لا شك تلفها مفارقة ما عندما تقفز من رحم ما بعد الحداثة للتباكي على قيم ما قبل حداثية تحمل في طياتها الكثير من التنميط والتعسف والظلم، إلا أن العامل التاريخي الذي كان في مصلحتها آنذاك، لم يعد موجوداً الآن إلا في عقلية السوق الدرامي الذي يراهن على اللعب بالمضمون، والمضمون هنا هو إعادة إنتاج الأفكار المنمطة بقالب عصري جذاب، ومسلسل «صبايا» خير مثال، فصورة المرأة فيه لا تختلف في دلالاتها النهائية عن صورة المرأة في «أهل الراية» سوى في الشكل، إلا أن المعنى واحد، وهو إظهار صورة المرأة المدللة اللاهثة وراء المال، والضعيفة أمام رغباتها، والعاجزة عن استثمار تعليمها للترقي الاجتماعي، فيكون البديل الترقي عن طريق الإغواء بالجسد. ‏

صبايا 2

أهل الراية 2

والحقيقة أن ما أصاب الدراما السورية من أمراض ليس خاصاً بها، بل هو طابع عام للدراما العربية التي تتحرك في إطار ديني وأخلاقي وعرفي ورقابي صارم يحرم أكثر بكثير مما يحلل، ما يدفع صناع الدراما للتماهي مع عقلية الرقيب لتسويق أعمالهم وضمان عرضها. ‏

إلا أن ذلك كله لا ينفي أهمية وجرأة بعض المسلسلات المعروضة حالياً، والتي قاربت في موضوعاتها مناطق تعد من المحرمات والمسكوت عنها في الثقافة العربية، أذكر منها على سبيل المثال مسلسل «لعنة الطين»، الذي دخل منطقة ليست محرمة فحسب، بل ومجرم الحديث عنها بالعرف الاجتماعي والسياسي، وأقصد بذلك مناقشته لبعض المعتقدات الدينية لدى بعض الطوائف الإسلامية بشكل عقلاني دون إصدار أحكام، أو تحريم، أو تسفيه، أو نيل، وهذا كسر لروتين مضامين المسلسلات العربية، وتمرد على قوانين ومتطلبات السوق الدرامية، المفصلة غالباً على مقاس الطلب الخليجي، ومحاولة للولوج إلى مناطق جديدة من الأفكار، وشرائح مختلفة من المشاهدين بما يحملون من هواجس وتعقيدات وطموحات غالباً ما تجاهلتها الدراما العربية لصالح الهجمة على سوق الإعلان الفضائي، وهو سوق يخاصم القيم والأعراف والتقاليد، ويمجد قيمة واحدة جوهرها المنافسة واقتصاد السوق. ‏

لعنة الطين

في الإطار ذاته يأتي مسلسل «ما ملكت أيمانكم»، الذي أظهر وكشف واقعاً عربياً حقيقياً غير مزيف، تحالفت فيه قوى الفساد مع قوى دينية واقتصادية لديها أجندات وجداول أعمال مطلوب تحقيقها في مجتمعات مهددة في اقتصادها وثقافتها وتراثها تحت وطأة بطش مفاهيم عولمية تسعى لتكريس ثقافة الفكر الأوحد، والاستهلاك باعتباره رمزاً لسلام العيش والرفاهية. ‏

وقد استهدف هذا التحالف كما بين المسلسل الحلقة الأضعف في المجتمع، أي النساء ليرسم صورة مختلفة لهن تخرجهن من قالب المثالية والتضحية والتفاني، إلى قالب أكثر واقعية يصبحن فيه أميل للشر تحت وطأة الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ودون محاولة لكسب التعاطف معهن، بل العكس صحيح، فقد تعاطف صناع المسلسل مع الظالم ضد المظلوم لمجرد إحساسه بالذنب، أو تردده بداية في اقتراف الجرم، وهو منطق غير معتاد في الدراما العربية، التي لطالما انتصرت العدالة في نهاية المطاف، ولطالما مهدت للتوبة والندم بعد ارتكاب الأخطاء. ‏

إلا أن مقاربة الواقع بكل مظالمه ليست السبب الوحيد في المنطق الدرامي الجديد، بل هي أيضاً الخوف من إدانة الطرف الظالم مادام يمثل قوى دينية، هي في العرف الاجتماعي فوق المساءلة، ورمز للطهارة العصية على الخطأ، ولكن ليس على الإغواء، الذي كان سبباً في خروج سيدنا آدم من الجنة. ‏

ما ملكت أيمانكم

مسلسل أخير في هذه العجالة يستحق التوقف، وأعني بذلك « وراء الشمس» والذي لا يقدم بسام كوسا في أفضل حالاته كما يظن الجميع، رغم الأداء الشديد الواقعية للحالة المرضية، إلا أنه أداء في النهاية لا يخرج عن إطار التجسيد الشكلي للشخصية، ولا يشي بقيمة وأهمية وعبقرية ممثل مثل بسام كوسا، وهذا أمر أترك نقاشه إلى مقالات قادمة لا تقف عند حداثة الموضوع الذي يعالجه المسلسل وأهميته، وهو عالم ذوي الاحتياجات الخاصة وعوائلهم، والتعقيدات التي يعيشونها، ويعانون منها، ورغم رفضي للمنطق الذي يدافع عنه المسلسل في عدم إجهاض الجنين المثبتة إعاقته، إلا أنني مع منطقه في حق ذوي الاحتياجات الخاصة بحياة طبيعية ينالون فيها حصتهم من الحب والاهتمام والرعاية من جميع المؤسسات الاجتماعية بما فيها حقهم في إعلام يدافع عن احتياجاتهم، ويقربهم من قلوب وعقول المشاهدين، وهو أمر يحسب للمسلسل بغض النظر عن قالبه الفني، وشطط بعض طروحاته. ‏

وراء الشمس

نقطة أخيرة تميز دراما هذا العام، هي العناية بالموسيقا التصويرية، وأغاني التترات، وهو عنصر فني هام لم يأخذ حقه من الاهتمام في الدراما السورية حتى الآن، إلا أن بعض مسلسلات هذا العام تميزت بموسيقاها وأغاني تتراتها، مثل مسلسل «وراء الشمس»، و«كليوباترا»، و«أهل الراية» و«ما ملكت أيمانكم»، وهذا أمر يعكس تغيراً في المزاج الفني السائد، وفهماً أفضل لحدة المنافسة على جمهور لم يعد غافلاً ولا سلبياً، ولا مستسلماً لكل ما يقدم له، إذا كان يستهين به.. ولا يرتقي بأدواته إلى الحدود التي تمنع المشاهد طوعاً من تغيير القناة إلى أخرى أكثر إبهاراً وإثارة. ‏

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى