مقالات وآراء

الأزهر إذ ( يبارك) جدار غزة .. بقلم الباحث هشام منور

لم يكن ( الأزهر) لينال هذه المكانة الرمزية في العالم العربي والإسلامي لولا دوره الديني والعلمي والوطني في صدّ العدوان ، وقيادته ، في كثير من الأحيان ، لركب مقاومة المحتل ومدافعة الطغيان ..

حتى غدا الأزهر واحداً من أعرق مؤسسات التعليم الديني في العالم العربي والإسلامي، كما أن لمواقفه وفتاواه وقعاً كبيراً في نفوس المسلمين الذين لطالما التفوا حول مشيخته وأيدوا فتاواه ومواقفه. 

إلا أنه ومنذ أن تمّ إلحاق تلك المؤسسة الدينية العريقة بهياكل ومؤسسات الدولة الوطنية الحديثة، تراجعت مكانة الأزهر وهيبته لصالح هيمنة السياسيين عليه وتوجيه مواقفه بما يخدم الرؤية الرسمية لنظام الحكم في القاهرة. وبدا وكأن مشيخة الأزهر قد رضيت لنفسها بأن تكون مجرد "دمية" في أيدي موجهيها من الساسة الرسميين بعد أن تمّ كفّ يده عن ممارسة دوره الوطني، وانسحب من الحياة السياسية إلى ظلّ الدولة التي هيمنت عليه وعلى جميع مرافقه ومواقفه (فتاوى الحجاب والنقاب وجواز عقد صلح مع "إسرائيل"). 

وفي خضم الحصار الذي يرزح تحته شعب شقيق وجار للشعب المصري، وفي ظل حالة الاستياء التي عبرت عنها نخب المجتمع المصري وسواده، على حد سواء، لم تكن مشيخة الأزهر لتنأى بنفسها عن هذا السجال، أو لتقاوم محاولات استغلال مكانتها الرمزية في قلوب المصريين والعرب والمسلمين، فما كان من الأزهر إلا أن أعلن تأييده لحكومته في عزمها بناء جدار فصل عنصري فولاذي جديد على حدود مصر الشرقية مع قطاع غزة. 

فقد أفتى مجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر بمشروعية قيام الحكومة المصرية بناء جدار فولاذي على حدودها مع قطاع غزة، مبرراً ذلك "بالأخطار التي تتهدد أمنها (مصر) وتتسلل إليها من الأنفاق المحفورة أسفل الحدود". 

الأضرار التي يتحدث عنها نص الفتوى العتيد تتمثل في "تهريب المخدرات وغيرها مما يهدد ويزعزع أمن واستقرار مصر ومصالحها". فهل أصبح همّ شعب محاصر أن يقوم بتهريب "المخدرات" إلى جارته الكبرى (مصر) للإضرار بشعبها المساند له؟، أو كأن أهل غزة قد باتوا "مترفين" من توفر المواد الغذائية والتموينية وأضحوا يفكرون بتهريب المخدرات لجني مكاسب مادية سريعة؟!. 

المجمع اعتبر في بيانه أن هذه الأنفاق التي تهرب منها المخدرات مما يزعزع أمن مصر ويهدد مصالحها "تهديداً لا مفر من مقاومته، وعليه فإن هذا العمل (الجدار) الذي تقوم به مصر تأمر به شريعة الإسلام التي كفلت لكل دولة حقوقها وأمنها وكرامتها". ونسأل: وهل تأمر الشريعة الإسلامية ببناء جدار لخنق شعب محاصر أصلاً لا يجد سوى المخاطرة بأرواح أبنائه لتهريب بعض المواد التموينية الأساسية لحياة أكثر من مليون ونصف؟!. 

الطريف في الأمر، أن فتوى الأزهر قد سلبت الشعب المصري حق الاعتراض على حكومته في بناء الجدار، واعتبره أمراً محرماً ومحظوراً، ويبدو أن النظام المصري ماض في استغلال "الدين" لتسويغ مواقفه السياسية وتبرير "جريمته" في بناء جدار فولاذي يحاصر شعباً ذنبه الوحيد أنه رفض الخنوع أو الخضوع لعدوه ومحتل كامل أرضه.

بواسطة
هشام منوّر
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى