مقالات وآراء

الأمم المتحدة ونظامها العقيم

لم نعد نعول على الأمم المتحدة أن تكون صمام الأمان بين مختلف دول العالم فتمنع الحروب قبل إندلاعها وتنهيها بعد نشوبها لكن الأمم المتحدة التي نشأت عام 1945، بهدف نبيل وهو حفظ السلام والأمن الدوليين،
قامت على تنظيم فاسد، ويرجع الفساد فيه إلى أن مجموعة الدول الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية صاغت قانونها لصالحها «أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين والاتحاد السوفيتي » وهي الدول الخمس الرئيسية التي يتكون منها مجلس الأمن، إلى جانب عشر دول، ويتم انتخابها كل عامين. والمصيبة هنا أن هذه الدول الخمس لكل منها حق الفيتو، أي الاعتراض على مناقشة أو إصدار أي قرار، وبالتالي فإذا كانت هناك رغبة أو مصلحة لإحدى هذه الدول الخمس في أي أمر يعرض على مجلس الأمن، فإنه يتوقف بسبب هذا الفيتو، أما الجمعية العامة التي تتكون من كل دول العالم والتي تتجاوز المائة والخمسين دولة فإنها تجتمع مرة واحدة كل عام في جمعية عامة ليس لها أي تأثيرأو فعالية في أحداث العالم!
فإذا استعرضنا الخمسين سنة الماضية، وهي عمر تلك المنظمة الدولية، وجدناها تحدث جعجعة ولا نرى منها أي طحن، كما يقول المثل العربي! فهي لم تحسم المشكلات التي تظهر وتتفاقم بين الدول كما أن منظماتها المنبثقة عنها لا تتعامل مع الشعوب بصورة مباشرة كمنظمات الغذاء والزراعة والصحة والتربية والثقافة.. إلخ، إنها تجلس في أماكن رائعة داخل عواصم البلاد المتقدمة مثل نيويورك، وباريس، ولاهاي، ثم تصدر قرارات، وعندما يصل الأمر إلى التنفيذ تتحول المسألة إلى مهزلة، ومن ذلك مثلاً أنهم عندنا يقررون إغاثة دولة متضررة من الزلازل أو غيرها فإنهم يرسلون إليها أكياسا وعلبا، ما يلبث التجار في تلك الدول أن يستولوا عليها، ويقوموا ببيعها للناس بدلاً من توزيعها عليهم بالمجان كما هو مقرر! أما مناطق النزاع المشتعلة فهي كما هي، لم تنجح الأمم المتحدة بجلالة قدرها في أي واحدة منها: منطقة كشمير بين الهند وباكستان، وأراضي فلسطين المحتلة منذ ستين عاما، والثورة في تايلاند، والانفصال في أسبانيا، وغيرها كثير..
المشكلة التي تواجه الأمم المتحدة ومجلسها للأمن أن الحروب مازالت تقوم وتخمد دون تدخل فعال من الأمم المتحدة، وأي دولة قادرة، وعينها بجحة، تستطيع أن تقتطع من جارتها جزءا ولا تستطيع الهيئة الدولية الموقرة أن تفعل شيئا.. فقط مجرد زيارة من السيد الأمين العام، وهو الآن أضعف من تولوا المنصب، أو بيان يصدر من مكتبه بضرورة إيقاف الاعتداء، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه!!
هل أتجنى على الأمم المتحدة؟ لا يبدو ذلك فهناك عدة قرارات صدرت من مجلس الأمن «القوي والحازم» ضد إسرائيل ولصالح الفلسطينيين ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ بسبب عناد إسرائيل وإغضاء الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعني الرضا بما تفعله!
وها أنا أكتب هذه السطور، والأزمة الأخيرة قائمة بين روسيا وجورجيا، ومن ورائها أمريكا وأوروبا، ولم تتدخل الأمم المتحدة ولا أمينها العام، أما الذي قام بمحاولة التهدئة فهو الرئيس الفرنسي ثم المستشارة الألمانية.. وطبعا المشكلة لا يمكن أن تطرح على البحث في مجلس الأمن لأن الدول المختلفة لكل منها حق الفيتو!!
والنتيجة أن هذه المنظمة الدولية التي نشأت في قلب الحرب العالمية الثانية، وكاد هدفها كما قلت نبيلاً جدا قد قعدت بها أنظمتها العقيمة عن العمل الجاد والتأثير الإيجابي في حياة الدول والشعوب، وبالتالي فإن العالم بحاجة إلى شيء جديد، ينظم مسيرته بصورة متعادلة، أو على الأقل متوازنة، لأن العدالة المطلقة لا يوجد لها مكان على ظهر هذه الأرض المسكينة..

بواسطة
أمجد طه البطاح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى