سياسية

ناثان براون: هناك خطة أمريكية لحل الدولتين

احتل الصراع العربي ـ الإسرائيلي مكانة خاصة على أجندة إدارة الرئيس أوباما الشرق الأوسطية، باعتباره مفتاح حل قضايا المنطقة
منذ اليوم الأول لباراك أوباما في البيت الأبيض، مختلفًا بذلك عنإدارتي الرئيس بوش الابن وكلينتون اللتين لم تهتما بالصراع العربي ـ الإسرائيلي خاصة الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلا في آخر سنة لكل من الإدارتين في البيت الأبيض.

تقوم مقاربة إدارة أوباما للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، الذي يُعارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نيتنياهو" وحكومته الإسرائيلية. هذا الاهتمام الأمريكي بحل الدولتين حلاًّ للصراع كان جليًّا في أكثر من محفل ولقاء للرئيس باراك أوباما، آخرها لقاؤه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن الأسبوع الماضي ومن قبله الرئيس الإسرائيلي "شمون بيريز" في زيارته لواشنطن لحضور المؤتمر السنوي لمنظمة "أيباك AIPAC". وكانت تلك المقاربة الأمريكية جلية أيضًا في كلمة نائب الرئيس "جون بايدن" ـ التي كانت صادمة لكثيرٍ من الإسرائيليين ـ أمام المؤتمر السنوي لأيباك، وأخيرًا في حوار وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" مع قناة الجزيرة بثتها في التاسع عشر من مايو الجاري، التي أكدت فيها هيلاري على التزام إدارة أوباما بحل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

وعن حل الدولتين نشر الموقع الإلكتروني لمؤسسة كارنيجي للسلام الدوليCarnegie Endowment for International Peace حوارًا مع "ناثان براون Nathan Brown" في الثامن عشر من مايو الجاري عن حل الدولتين، معوقاته، وما يجب على إدارة أوباما اتخاذه للدفع بهذه المقاربة قدمًا. وبراون باحث غير مقيم في مؤسسة كارنيجي، وأستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية ومدير برنامج الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، وله عديدٌ من الإسهامات في السياسة الفلسطينية وسيادة القانون والأنظمة الدستورية في العالم العربي، وله أربع كتب حول السياسات العربية من بينها "السياسة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو" صدر في عام 2003. وفيما يلي نص الحوار.

ما المقاربة الحالية لإنجاح حل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟

يمكن التفاوض من أجل حل الدولتين في حال توافر: قيادة فلسطينية قادرة على إدارة الأمور، غياب حماس من الساحة الفلسطينية، توقف الحرب الأهلية الفلسطينية، وتوقف الاستمرار في بناء المستوطنات التي أدت إلى ما نحن عليه الآن.

فعلى الرغم من تزايد الجهود الدبلوماسية والمفاوضات من أجل حل الدولتين كحل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلا أنها لم تحقق تقدمًا على هذا الصعيد. فالمشكلة ليست في فكرة إقامة دولة فلسطينية بجوار أخرى إسرائيلية، وهو حل يُؤيده المنخرطون عليه. ولكن المشكلة في سوء الأمور على أرض الواقع، والجهود الدبلوماسية التي تتجاهلها.

وعقبات حل الدولتين معلومة لكثيرين والتي تتمثل في: غياب الإرادة لدى طرفي الصراع (الفلسطيني والإسرائيلي) للتأثير على مجتمعاتهما من أجل حل وسطي، فضلاً عن غياب الثقة بينهما. بالإضافة إلى الفوضى داخل الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية، والتحركات المتأنية من أجل تطويع الأمور على أرض الواقع من أجل حل الدولتين. وفي النهاية تزايد خيبة الأمل من إخفاقات الإدارة الأمريكية السابقة في تحقيق انفراجة في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

هل من المكن أن تحل الانتخابات الانقسام الفلسطيني أو تجرد حماس من السلطة؟

أي حل طويل المدى يحتاج إلى قيادة فلسطينية فاعلة وقوية. وهذا يحتاج إلى تسوية بين الحركتين الفلسطينيين الفاعلتين على الساحة الفلسطينية (حركتي فتح وحماس). وهو أمر من الصعب تحقيقه. البعض داخل واشنطن ورام الله يرون الانتخابات كحل للانقسام والصدع الفلسطيني، وهزيمة حركة حماس التي تُسيطر على قطاع غزة، أو للتوصل إلى اتفاق فلسطيني مع الطرف الإسرائيلي. ولكن هذا الخيار (الانتخابات) لم يعد خيارًا واقعيًّا. الانتخابات ممكنة بعد التوافق على حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وهي الحالة الوحيدة التي يمكن إجراء الانتخابات في أعقابها، وهذا لن يحدث بين عشية وضحاها، أو بدون دعم خارجي.

وهو الأمر الذي يفرض على المجتمع الدولي لاسيما الولايات المتحدة ومصر المزواجة بين العصا والجزرة، من أجل إرغام القادة الفلسطينيين لتقديم اختياراتهم من سياسيين كاختيارات سياسية للمدى الطويل وليس من أجل حكومة وحدة وطنية على المدى القصير.

كيف تختلف مقاربة الرئيس أوباما للصراع عن السياسات الولايات المتحدة السابقة؟

تُشير كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" والجنرال "كيث دايتون" ـ المسئول الأمريكي عن مراقبة تدريب قوات الأمن الموالية للرئيس محمود عباس ـ إلى أن الإدارة تنطلق من النقطة التي انتهت عندها إدارة بوش، مستخدمة المساعدات لتقوية الحكومة الفلسطينية في رام الله، ومتجاهلة حكومة حماس في قطاع غزة. ومساعدة حكومة رام الله لتحقيق نجاح يمكنها من تحقيق اختراق في مفاوضات حل الدولتين.

وبالرغم أن السنتين الماضيتين لم تظهرا تقدمًا في الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلا أنهما أظهرتا أن هناك مساعدة تقدم إلى الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورئيس حكومته "سلام فياض"، ورغبة في التخلص من حماس. والتحرك الدبلوماسي من أجل حل الدولتين سيفتح الباب أمام مستقبل مظلم.

هل من الممكن أن تستخدم الإدارة التزامها بالمساعدة بإعادة بناء قطاع غزة كوسيلة لاستئناف عملية السلام؟

لن تخلق المساعدات الاقتصادية الرفاهية في القطاع أو في الضفة الغربية في ظل الأحوال الراهنة، أو تقوض صعود حركة حماس، وتراجع التأييد الشعبي للسلطة الفلسطينية برئاسة "محمود عباس". فمنذ عام 1994 أسهم دافعو الضرائب في الولايات المتحدة وأوروبا والدول الأخرى بـ14 بليون دولار لبرامج متعددة لتثبت للفلسطينيين أن مستواهم المعيشي سيتحسن في ظل قيادة معتدلة راغبة في التعاون مع إسرائيل. هذه الجهود لن تؤتي ثمارها إلا في حال توافر زخم سياسي ودبلوماسي داعم لها.

عندما تنهار الجهود الدبلوماسية فإن ثمار المساعدات لن تنهار فقط، إنها مستهدفة. ففي غزة فإن عملية البناء والتدمير هي عملية عبثية.
فالميناء والمطار ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية ومجموعة من المباني الحكومية التي بنيت بتمويل دولي قصفت عند اندلاع الحرب الأولى في 2001 ومرة أخرى في يناير. من الممكن أن تخفف أموال المعونات من أسوأ آثار الصراع، ولكنها لا تستطيع أن تفعل كثيرًا ما دام الصراع مستمرًّا.

ما الخطوات الواقعية التي من الممكن أن تتبعها إدارة أوباما لتعزيز التقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

إنه من المهم الاعتراف بأن المحادثات بين إسرائيل وحماس بدأت في السنة الأخيرة لإدارة بوش. تتناول المحادثات بعض القضايا المألوفة من قبيل: شروط الانسحاب الإسرائيلي، ووقف الأعمال العدائية، ودور القوات الدولية، وإطلاق سراح السجناء، وتدفق السلع، ودوريات الحدود، وتوريد الأسلحة. ولكن المفاوضات الآن يتخللها أعمال العنف بدلاً من أن تطرح بديلاً.

الخطوة الأولى لعملية سلام حقيقة تتمثل في إقرار وقف إطلاق النار يقوم على أساس المصلحة المشتركة لكل من إسرائيل وحماس لتجنب القتال. وخلافًا للاتفاقات السابقة فإن الاتفاقية الجديدة ينبغي أن تكون واضحة وربما مكتوبة. ويجب أن يجعل الوسطاء الدوليين ، سواء من جانب دول عربية أو أوروبية، وقف إطلاق النار أكثر جاذبية للحفاظ على الجانبين، وذلك من خلال إغراء حماس بفتح معبر رفح الحدودي مع مصر؛ وتطالب إسرائيل ببذل جهود جادة لوقف توريد الأسلحة إلى حركة حماس.

وتتمثل الخطوة الثانية في توسيع وقف إطلاق النار على المدى القصير لهدنة عملية لاستمرارها لمدة لا تقل عن خمس إلى عشر سنوات. وتقدم المفاوضات على اتفاق تهدئة بين إسرائيل والدول العربية في نهاية حرب 1948 سابقة لإمكانية هدنة مماثلة على الصعيد الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

من شأن الهدنة أن تسمح لحماس بأن تدير وتحكم بحرية، وإلى أن تعيش إسرائيل في مأمن من الهجمات الصاروخية وغيرها من الهجمات ضد المدنيين. هذه الفترة لا يمكن أن تسمح لأي من الطرفين باستخدامها لفرض تغييرات دائمة: إذ يتعين على إسرائيل قبول حقيقي لتجميد الاستيطان، وعلى حماس قبول العيش مع دوريات دولية لحظر الأسلحة.

هل الجانبان كلاهما مستعدان لقبول الهدنة؟

تشير حماس إلى استعدادها للتفاوض على هدنة لسنوات، ولكن مدة الهدنة مبهمة وغير واقعية، والتي تغذي الشكوك الإسرائيلية. وحتى الآن لم تختبر مواقف حماس التفاوضية النهائية. وفي حقيقة الأمر لا يعرف القادة أنفسهم بالتحديد ما يجب عليهم قبوله. يسمح اتفاق قصير المدى لوقف إطلاق النار للدبلوماسية الدولية بوضع حماس على المحك، ووضع الهدنة التي من شأنها أن تكون أكثر واقعية.

ما المخاطر السياسية التي تشكلها هذه الخطة للإدارة أوباما؟

تثير الجهود الأمريكية لإشراك حماس انتقادات حادة لأنها تنتهك فرضًا طويل المدى على التفاوض مع منظمة "إرهابية". ولكن السؤال المهم هو ليس ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدخل في مناقشات رسمية مع الحركة الإسلامية، ولكن ماذا تقول الولايات المتحدة وتفعل عندما تحاول بلدان أخرى التحدث مع حماس؟. حول هذه النقطة، حدث تحول في إدارة بوش في سنتها الأخيرة عندما أيدت الوساطة المصرية بين فتح وحماس.

كيف تشجع الولايات المتحدة التوصل إلى حل طويل الأجل لهذا الصراع؟

تتمثل المهمة الأولى في تشجيع محاولة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني القادر على اتخاذ القرارات. والذي يعني التسامح والمصالحة بين حماس وفتح، طالما أنه يؤدي في المدى البعيد إلى الانتخابات وتداول السلطة أكثر من تقاسم دائم للسلطة والشلل.

المهمة الثانية هي العمل من أجل مواجهة كل جانب مع ضرورة اتخاذ قرارات صعبة. في مواجهة خيارات كل من الإسرائيليين والفلسطينيين لديهم عادة اختيار "كل ما سبق". فإسرائيل تسابق لبناء المستوطنات في الوقت الذي نتحدث فيه عن حل الدولتين؛ ففي الوقت الذي تتبنى فيه حماس المقاومة الدموية وفي الوقت ذاته تُتابع الجهود الدبلوماسية وحكم قطاع غزة. على المدى القصير، فإنه غالبا ما تعني أن السياسيين يحافظون على الخيارات. ولكن على المدى الطويل، كان الإخفاق من نصيب أي عملية دبلوماسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى