مقالات وآراء

يوم الأرض .. يوم الأمة

هو يوم الأرض, أو اليوم الفلسطيني, أو اليوم العراقي الأحوازي, يومنا في كيليكيا والأسكندرون..والجولان…و. يومنا السوري على امتداد الجغرافيا التي تسكن قلوبنا وأرواحنا والذاكرة …
وليس الهدف المناسبة والاحتفال بها, بقدر ما هو الهدف من تحويلها إلى عقيدة حقيقية تنبض داخل صدورنا, وتتحول إلى إيمان يحرك العقول والقلوب والسواعد, إيمان الإنسان المجتمع الذي لا وجود له خارج إطار أرضه التي أنجبته وجعلته.
فالأرض في مفهومنا ليست فقط تلك القطعة التي نعيش عليها, بل هي الحياة كاملة, هي الأمة مكثفة ومختصرة, وهي المستقبل لنا ولأجيالنا التي لم تولد بعد.
داخل الأرض التي تخصنا تتحول حياتنا إلى وجود كامل حقيقي وغير مزيف, وتتحول آمالنا إلى رسالات تنير للبشرية كما أنرنا للبشرية من قبل، فمن أرضنا انطلق قدموس باحثاً عن أخته أوروبا، ليعلم ما يطلق عليه الآن ((العالم الغربي)) الأبجدية، ومن أرضنا أيضاً خرجت أساطيل الكنعانيين نحو العالم فاتحة بذلك كتاب التجارة العالمي، وخرج زينون الكنعاني لينشر رسالة العقل و الأخلاق والتوافق مع الطبيعة ((الرواقية)) ومن سومر وأوروك الرافدين كانت أول الديمقراطيات في التاريخ وأول الملاحم والأساطير، ومن هناك خرج المعلمون البابليون نحو العالم لينيروا درب البشرية بأول الديانات التوحيدية, وليضعوا أول التشريعات القائمة على مفهوم الحرية، أليس نارام سن وحمورابي .. منا؟؟
ومن فلسطين الشام كانت المسيحية الموحدة الجامعة الرد الطبيعي على الاحتلال الروماني لأرضنا, لتصل فيما بعد إلى روما نفسها وتحتلها, ولكن أي احتلال؟..
ومن الشام انطلقت الفتوحات الإسلامية خالعةً عنها اللباس البدوي الذي أتت فيه من العربة, مؤسسةً لتاريخ ولحضارة جديدة في العالم, أوليس من يخرج عن المسيحية والإسلام اليوم هو خارج عن التوحيد…؟ ولو أردنا أن نستفيض فلن تسع السطور كل الذي خرج من هذه الأرض إلى البشرية من رسالات.
ولأن الجهل بعلم الاجتماع كان الداء العضال لهذه الأمة, كان الارتباط بالطائفة أو العشيرة أو القبيلة أو الدين والعرق هو الأساس لمعظم الحركات التقدمية والرجعية, أو ما شئت من تسميات. وكان إسقاط مفهوم الأرض من أدبياتها أو عدم إعطائه حقه الأول في نشوء الأمة، السبب الأساس في سيطرة الغرباء الطامعين على أرضنا. فحين تكون الطائفة أو القبيلة أو العرق هي الأهم, تصير الأرض تحصيل حاصل لنشوء الأمة, ولا غرابة حينئذ أن يقاتل المسلم الشامي أو الفلسطيني مثلاً في أفغانستان, بدل أن يحارب اليهود في فلسطين, ولا غرابة أيضا ً حين يرى الموارنة في لبنان أنهم أمة خارج هذه الأمة, والأمر ينطبق على السنة و الشيعة و الأكراد في العراق والدروز في لبنان, ولا غرابة أيضاَ حين نطوّع علم الاجتماع لمفهوم القبيلة والعرق والدين, ضاربين بعرض الحائط العلم والتاريخ والجغرافيا, ولا غرابة حين ننكر العلم ونقول بصفاء العرق والقبيلة والعشيرة, ونقول بأن من أسّس وكوّن هذه الأمة هو الدين أو هي الطائفة، وكأن هذا الدين كان قبل أن تكون الأرض، وقبل أن تكون الجماعة اللذان أنتجتاه عبر تاريخهما الطويل, وأنتجا معه لغة هي لغته, وتاريخ هو تاريخ الجماعة على هذه الأرض.
ولأن يوم الأرض هو يوم الأمة , كان لزاماً علينا نحن أبناء هذه الأرض الأمة أن نكون أوفياء لها , وأن نكون ملتزمين بالدفاع عنها وتحريرها من مخالب الطامعين, لأنه لا وجود للعرق على هذه الأرض, ولا ديمومة للطائفة أمام بقاء الأرض التي هي ليست أرضنا فقط بل أرض أجيالنا التي لم تأت بعد, لأنه ومنذ البدء كانت الأرض والجماعة ودورة الزمان الطويلة التي تعود إلى ما قبل التاريخ الجلي، والتي أنتجت لغة وثقافة وأدياناً وحضارة و.. و ..و . وليس العكس .
بالتعاون مع موقع أوروك الجديدة

بواسطة
محمد حيّان الأخرس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى