مقالات وآراء

نصف الكذبة

ما إن نسمع كلمة تصحُّر حتى يقفز إلى الذهن الجغرافيا من صحراء و رمال و جفاف و عدم قابليتها للزراعة لأسباب بديهية و معروفة .. و في أبعد احتمال قد يخطر على البال مسألة التحول من حال إلى حال!؟
لعل هذا النوع من التصحُّر " بمعناه المباشر " أموره تحت السيطرة و علاجه طوع البنان .. خاصة عند توفر الرغبة و العزيمة و الإمكانيات .. وقليل من الصبر.
لكن الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أن هذه الآفة الفتاكة لا تقف عند هذه الحدود فحسب!؟ فالتصحُّر " بمعناه الواسع ".. يمكنه الوصول إلى كل شيء في الحياة تقريباً! ولديه القدرة " لضرب " أو احتلال العقول و الفكر و الاقتصاد و الإعلام و الفن و حتى القيم و المشاعر الإنسانية بدء من المحبة و ليس نهاية بالصدق و التسامح …
هذه الأنواع من التصحُّر " الكبير " خاصة و بعد تحولها إلى ما يشبه الوباء!!
تغدو بقوة الواقع و الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ إذا جاز التعبير .. عصية حتى على التوصيف أو الفهم فما بالك بمحاولة إدخالها إلى عيادة الطبيب! أو مخبر مختص!
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ .. أن التصحُّر قد بات هو السيد الأول و الأخير الذي يتحكم بكل مفاصل الشرق و أهله و صولاً إلى عروبتهم و جلابيبهم و عقالاتهم!
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ .. لقد نجح أهل الشرق كعادتهم و ببراعة نادرة ! من نقل " التصحُّر " المتعدد الأبعاد و الأوجه و الأحجام و القياسات إلى كل الكرة الأرضية! حتى في جزئها المائي!
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ لقد نقلت رياح الصحارى العاتية .. كثبان الرمال و أكوام التراب إلى الموسيقى و الأدب و القلوب و محطات التلفزة و حتى محطات الوقود و غرف النوم و المطابخ!؟
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أن أدمغة الناس و لكثرة متابعتهم لمحطات التلفزة المتشابهة تحولت و عن غير قصد منهم .. إلى شاشات مسطحة و بسماكات مختلفة!؟ لا تحتاج إلى أجهزة تحكم!؟
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أنه لا أحد يريد أن يزرع أو يُشارك في إعداد الطعام .. لكن الجميع يريد أن يجني و يأكل!؟
و لا أحد يريد أن يعمل .. لكن الجميع يريد أن يتساقط الذهب عليه كل مساء و صباح من كل حدب و صوب!؟ ولا أحد يريد أن يعطي .. لكن الجميع يريد أن يأخذ!؟ ولا أحد يريد أن يسمع أو يتعلم أو يفكر أو يقول " نصف الكذبة "!؟ و يبقون كما هم " على حطت يديك "!؟
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أنه لا أحد يريد أن يكون صادقاً مع نفسه أو مع أولاده في الحد الأدنى .. لكن الجميع يطالب بالصدق و الشفافية و الوضوح!؟
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أن الجميع يظن نفسه الأكثر ثقافة و وعياً وفهماً و حريةً و قدرةً و إنسانيةً و إدراكاً و تسامياً و حساسيةً و عطاء و حصانةً و رصانةً.. و حضوراً و أهميةً .. فقط لأنه مذيع أو صحفي أو فنان أو موظف .. أو تاجر مغطس بالذهب و الفضة و الألماس …!؟
و كأنهم " أنصاف آلهة أو أكثر بقليل!؟ " و فوق أي نقاش أو سؤال!؟
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أن الإنسان ينفق أولى سنوات عمره و طفولته و هو يحلم بأن يصبح شاباً يافعاً .. بينما يمضي كل حياته و هو يحن إلى تلك السنين و الأيام " الغضة " التي ذهبت و لن تعود أبدً!؟
الحقيقة أو " نصف الكذبة "!؟ أن كل شيء يضيع في الزحام و الضجيج المقنّع .. الكلام الأماني الأفكار الذكريات الصواب الأحلام و حتى المحبة و الأمل .. و لا يبقى سوى الغبار و صراخ الصدى .. و طعنات الظهر!؟
إذا كانت نصف الكذبة هي الحقيقة .. فماذا يمكن تسمية نصفها الآخر!؟

بواسطة
كاظم فاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى