اقتصاديات

«التسكيج».. هروب من عجز الاقتصاد أم الاقتصاديين؟

من حكومة مهمتها إدارة أزمة إلى حكومة مهمتها التسكيج.. تصدمنا تعريفات أعضاء الحكومة لمهامهم،
فما قاله النائب الاقتصادي عن هذه الحكومة في الندوة الحوارية التي أقامها مؤخراً المجلس الوطني للإعلام أثار موجة كبيرة من التساؤلات، حيث يرى أن برنامج حكومة إدارة أزمة لا يسمح لها بحل الأزمة وأنه لا أحد يملك الحل، وأن الحل يحتاج لشروط أخرى ومستوى معالجة آخر، وأن بيان الحكومة أصبح بحاجة لتغيير لأنه استنفد نفسه والمطلوب تطويره ووضع مهمات جديدة له، وهذا لا يعني أنه كان خاطئاً وإنما كان صحيحاً بلحظته التاريخية، ورغم ذلك يرى جميل أن الحكومة استطاعت حل بعض القضايا الآنية وتخفيف حدة الأزمة وإدارتها نسبياً ولكن دون إيجاد حل لها لأن ذلك غير ممكن.

يجعلنا هذا الطرح نقف بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على الأزمة متسائلين عن بعض هذه الحلول «الترقيعية» للتخفيف من حدة هذه الأزمة على جميع المستويات الاقتصادية والمعيشية والتجارية والصناعية… وأبرز النقاط التي يفترض أن يتضمنها «البيان الحكومي» الجديد بعد أن «استنفد نفسه».

حكومة لا توجه الاتهامات
يحتاج وسط الأعمال السوري وفق رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع إلى فريق اقتصادي منسجم، يعالج الأمور بتوازن، يحقق حاجة المواطن، وحيادي يتعامل مع المشاكل القائمة بموضوعيه، ولا يوجه الاتهامات إلى أحد، وخاصة أن كلف ومخاطر النقل البري داخل سورية ارتفعت على التاجر نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والقطع الأجنبي وانعكاس ذلك على عناصر تكلفة الأعمال التجارية والصناعية والخدمية والزراعية، ما انعكس في زيادة أسعار جميع المنتجات المحلية الزراعية والصناعية وخدمات النقل والشحن.
وخلال حديثه لـ«الوطن» أكد القلاع أنه يجدر بالفريق الحكومي المطلوب لإدارة الأزمة وخدمة وسط الأعمال أن يستطيع اتخاذ القرارات بالسرعة اللازمة ومتابعة تنفيذه وإزالة العوائق الإدارية والتمويلية والنقدية، وأن يملك الصدر الواسع للمذاكرة مع كل الأطراف لتأمين حاجات الوطن والمواطن، ووضع سلم أولويات للمواد الضروري استيرادها وسبل تمويلها، مشدداً على ضرورة وجود سياسة نقدية ثابتة وغير متذبذبة وضمن المتاح، والتعامل عن طريق المصارف المرخصة والقائمة بالعمل في سورية، وتدخل المصرف المركزي لتخفيض سعر الصرف عند الضرورة فقط، والطلب من المصارف المحلية (الخاصة والعامة) الدخول في عمليات بيع وشراء القطع الأجنبي.
وشدد على أهمية تمويل عمليات الاستيراد دون تمييز بين تاجر وصناعي عبر المصارف المأذونة بالعمل في سورية فقط، وتأمين المواد الأولية لزوم الصناعة وخاصة الدوائية منها والمواد الغذائية الضرورية، وضرورة حماية الطرق ووسائل النقل والمستودعات، والتركيز على رفع وتنشيط الكتلة السلعية من إنتاج زراعي، صناعي، ورشات صغيرة، لخلق نوع من التوازن مابين الكتلتين النقدية والسلعية ومنح هذه القطاعات أقصى درجات الدعم والتسهيل، وترشيد الطلب على القطع الأجنبي من خلال وضع سلم أولويات لتمويل المستوردات حسب ضروراتها (مواد أولية للصناعة، مواد أولية للصناعة الدوائية، مستلزمات الإنتاج، المواد الغذائية الأساسية…) ودراسة إمكانية رفع أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية.
وأكد القلاع أنه لا مانع من قيام الحكومة بفتح منافذ بيع في كل الأماكن بقصد توفير المواد وتخفيض الأسعار والأرباح، وهذا برأيه لا يضر التاجر الشريف والمستقيم ويقطع الطريق على كل الانتهازيين أينما وجدوا في الأسواق والمؤسسات.

لا نحلم بالكثير من الانجازات
يبدأ الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور عابد فضلية حديثه لـ«الوطن» بالبرنامج المطلوب من الحكومة بعد مرور عامين ونصف العام على الأزمة بالإشارة إلى أعضاء الحكومة أنفسهم، وخاصة أن النائب الاقتصادي كان قد أشار إلى أن أعضاء هذه الحكومة كانوا مختلفين في بدء تشكلها، فيقول: «نتوقع أن يكون أفراد الحكومة (تكنوقراطاً) أي من ذوي الكفاءة والخبرة والشفافية، ونحتاج لحكومة أفرادها منسجمين مع أنفسهم بالقول والفعل ومنسجمين مع بعضهم كأفراد حكومة ومتعاونين وعملهم متكامل لتحقيق الأهداف الموضوعة، وننتظر حكومة قرارات وإنجازات قبل أن تكون حكومة تصريحات ووعود، مؤيداً ما قاله النائب الاقتصادي عن إنه لا يوجد سياسات اقتصادية خلال الفترة الماضية، لذا فالمطلوب وضع سياسات وإستراتيجيات بأبعادها الثلاثة القصيرة والمتوسطة وطويلة الأمد، في إطار فلسفة جديدة تتناسب مع الواقع وبعيداً من الروتين والبيرقراطية.
وبخصوص البيان الحكومي، قال فضلية: «حينما أعلن عن البيان الحكومي كان سليماً وموضوعياً، لكن ليس من الطبيعي أن يكون سارياً حتى الآن مع مرور أزمة خانقة وحرب كبيرة، ويجب أن ننسى البيان الحكومي فالأزمة فيها يومياً متغيرات جديدة ومختلفة لذلك لن نعتب على الحكومة إن لم تعد تلتزم ببيانها الحكومي السابق، بل نعتب إن لم تتخذ أي جهة وزارية قرارها الصحيح بالوقت الصحيح حسب المشكلة، لأن السرعة في اتخاذ القرار قد تكون بأهمية اتخاذ القرار».
وعن المطلوب من البيان الحكومي والبرنامج الحكومي قال: «إن أردنا الابتعاد عن التنظير فلابد من الاعتراف بأن البلد يمر بتحديات كبيرة ونحن لا نتوقع من الحكومة ولا نحلم بأن تكون الانجازات كاملة ومكتملة وأن تحقق ما يريده المواطن، بل نريد الحد الممكن بالمقارنة مع ظروف الأزمة، والحد الممكن هو أن تكون الأفعال بمستوى الأقوال والانتباه لمستوى معيشة المواطن ولجم التضخم وتثبيت الأسعار وتوفير المواد الغذائية والضرورية والحفاظ على القوة الشرائية لليرة عبر الاهتمام بالاقتصاد الحقيقي والإنتاجي والحرص على تدوير عجلة الإنتاج بما يخدم المواطن، مؤكداً أنه لو التفتت الحكومة منذ بداية الأزمة إلى هذه المسألة لكانت الأمور أفضل من ذلك، لكنها اعتبرت أن المهم هو تأمين رغيف الخبز للمواطن فقط دون إنتاج المزيد من المواد الغذائية، فأهملت الإنتاج وركزت على التأمين عبر الاستيراد والتجارة، والتجارة تحرك المنتج فإن لم يكن لدينا منتج فماذا تحرك التجارة، لذا فمن المهم تأمين المنتج من الداخل وما ينقصه نستعين به من الخارج عبر الاستيراد وبذلك نكون حافظنا قدر الإمكان على قيمة العملة الووطنية وخففنا الطلب على دولار الاستيراد، بحيث يقلل من مستوى ارتفاع الأسعار كما حصل في الفترة الماضية.

ترويكا نقدية ومالية واقتصادية
يشير عضو مجلش الشعب ماهر حجار في حديثه لـ«الوطن» إلى ثلاثة محاور يفترض أن تعمل عليها الحكومة، أولها السياسة النقدية والثانية هي السياسة المالية والثالثة هي السياسة الاقتصادية، منوهاً بأنه لا توجد رؤية لحل الوضع الاقتصادي في سورية على أساس هذه المحاور الثلاثة، حيث يوجد بالسياسة النقدية تخبط من خلال التصريحات التي نسمعها والتشريعات التي نشهدها، والمطلوب وضع برنامج جديد لحل مشكلة سعر الصرف من خلال تحديد منهجية له، فهل نعتمد على سعر صرف ثابت أم مرن، فإن اعتماد سعر الصرف المرن لايزيد الطين إلا بلة، أما سعر الصرف الثابت فيحتاج لخطة عمل لهذا الانتقال. وإن حلت الحكومة سعر الصرف وثبتته عند مستوى معين تنطلق لبناء سياسة اقتصادية، فتذبذب سعر الصرف يؤثر في مستوى معيشة الشعب وكل مادة من مواد الاستهلاك الشعبي.
ومن حيث السياسة المالية، يؤكد الحجار أن مشروع الموازنة المقدم لمجلس الشعب يجب أن يتغير، لأن مشروع الموازنة الذي قدمته الحكومة الحالية للمجلس العام الماضي هو نسخ حرفي لمشروع الموازنة السابق، وبالتالي لم يكن لدينا أيضاً سياسة مالية، ولذا لا بد من إعادة النظر بهذه السياسة بشكل كامل، من خلال معرفة هل نحن بحاجة لتوظيف الدخل المالي للحكومة بالنفقات العامة أم توظيف جزء منه بالاستثمار؟
أما عن السياسة الاقتصادية، فالحجار يشير إلى أنه لا توجد كذلك سياسة اقتصادية، والمتبع حتى الآن في أوج الأزمة هو السياسة الليبرالية في الاقتصاد التي تعني تقزيم دور الدولة في الاقتصاد، حيث إن حجم الدولة في الأسواق لا يتجاوز اليوم 15% أن عملت أجهزتها ومؤسساتها بأقصى طاقاته، مشيراً إلى أنه إعادة دور الدولة للسوق يعوزه استعادة قطاع التجارة الخارجية، ويمكن القطاع الخاص بعدها أن يستورد لصالح الدولة دون السماح للتجار بالتحكم بلقمة الشعب، فالأزمة أثبتت أنهم فعلوا ذلك حيث تشير أرقام مديرية الجمارك كما قال أن أعلى سعر سمنة استوردها تاجر هو 137 ليرة في حين تباع في الأسواق بـ900 ليرة ما يدلل على أن هناك انتهازية لا تبرر ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن القول: إنه لا يوجد فريق اقتصادي ولا سياسات اقتصادية هو تعبير عن أنه لا توجد حكومة، وهذا كلام خطير جداً.

بواسطة
زهرة سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى