مقالات وآراء

بشار الأسد رئيساً خط أحمر … فليستمر القتال

حين يقتلع سوري قلب سوري آخر لا يتأثر أصحاب المصالح الكبرى في العالم، فيستمر التفاوض ويستمر القتال.
حين يذبح سوري سورياً آخر لا ينتبه أولئك الذين يعقدون الصفقات تحت جنح الليل فلا بأس إن استمر القتال. حين تدمر سوريا وتصبح بلدات وأحياء كثيرة فيها ركام ولا ينقطع حبل المصالح فليستمر القتال. بات الدم السوري بخس الثمن إلى أقصى حد. لا شيء يوازي قتل البشر وتدمير الحجر، سوى الحقد الذي قد لا تمحوه السنون.
من يتسنى له الوصول إلى وثائق التفاوض أو إلى بعض الغرف المغلقة، يخرج يائساً أكثر من أي وقت مضى، ومقتنعاً بأن الحل ما يزال بعيداً، وأن دماً كثيراً سيراق قبل أن تصل المصالح إلى مرحلة الصفقة الكبرى التي يجب أن تشمل ملفات كثيرة.
الآن وقد تجدد الكلام عن «جنيف 2»، قد يفرح رب عائلة سوري بأن من بقي من أولاده ورزقه قابل للنجاة. قد يرقص قلب أم بأن ابنها الجندي في الجيش أو المقاتل في إحدى المجموعات المسلحة المعارضة سيعود يوماً بغير كفن. لكن الواقع في مكان آخر. لا تزال الحرب في أوجها، والمعركة شرسة وطويلة.
بالأمس قالت موسكو إن دمشق وافقت مبدئياً على «جنيف 2»، لكن في كلمة «مبدئياً» كل التعقيدات. والطريق للتفاوض لا يزال مزروعاً بالألغام.
فعلى أي أساس مثلا سيتم التفاوض بشأن موقع رئيس الجمهورية الذي يشمل أيضاً قيادة الجيش والقوات المسلحة؟ هل يظن أحد فعلا أن الرئيس بشار الأسد سيسلم الموقع للشيخ احمد معاذ الخطيب أو لغسان هيتو أو لرياض الشقفة؟ دمشق رافضة رفضاً تاماً أي تنازل عن صلاحيات الرئيس. ومن يرد مفاوضتها تنصحه بالاعتماد على الصلاحيات الحالية التي ينص عليها الدستور. روسيا تساندها في ذلك، وتقول إن من يقرر مصير الرئيس هو الشعب (بالأحرى من نجا من هذا الشعب)!.
دمشق ترفض، ورئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني يجرجر خلفه اللجنة الوزارية العربية والأمين العام لجامعة العرب ليقولوا في القاهرة قبل يومين: «لا بد للحكومة الانتقالية من أن تتمتع بسلطة تنفيذية كاملة، بما في ذلك السيطرة على القوات المسلحة»… في تلك الأثناء بالضبط كانت القوات المسلحة تتقدم في القصير لتحسم على الأرض ما تؤمن بأنه سيغير قواعد اللعبة.
يريد خصوم الأسد من «جنيف 2» أن يساهم في تنحيته بالسياسة ما داموا عجزوا عن ذلك بالقوة. وهو مصمم على البقاء بالقوة ما دامت السياسة خضعت لرياح الخارج، وأن جزءاً كبيراً من هذا الخارج فرح بتدمير سوريا.
من هنا يأتي الشرط السوري الثاني للذهاب إلى «جنيف 2». لا بد من وقف العنف أولا، ووقف تصدير السلاح إلى الجماعات المسلحة، لا بل لا بد أيضاً من وضع آلية تمنع الدول التي تصدر السلاح من الاستمرار في ذلك.
ثم مَن يفاوض مَن؟
معظم المعارضة كان قال بعدم التفاوض مع الأسد وطالب برحيله أو بإسقاطه أو بقتله. جزء من هذا «المُعظم» قبل الآن بالتفاوض شرط أن يكون ذلك مقدمة لنقل الصلاحيات إلى الحكومة. حتى الآن لا تعترف السلطة السورية فعلياً بالمعارضة ككيان موحد. وزادت قناعتها بأن المعارضة معارضات مع تفكك المعارضة إلى أجنحة داخل أجنحة، كما أن السلطة السورية تعتقد أن المعارضة ما عادت تمون على المسلحين وأن «جبهة النصرة» هي صاحبة الشأن الأبرز، ولا بد إذاً من القضاء عليها لأنها «إرهابية».
المعلومات تفيد بأن دمشق تقبل بحضور «الائتلاف الوطني السوري» المعارض ولكنها تشترط حضور الأطراف المعارضة الأخرى وأطياف من المجتمع السوري ورجال دين، وتصر على أن يكون مستقبل سوريا واضحاً لجهة التعددية والمدنية. أما الحكومة الانتقالية المؤقتة فهي مرفوضة رفضاً تاماً. تردُّ اللجنة الوزارية العربية بالقول إن «الائتلاف» محوري في التفاوض المقبل.
حين يتم التشديد على «الائتلاف» وبمن فيه من «مجلس وطني»، ففي خلفية التشديد إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين. واضح من النقاشات الداخلية لـ«الائتلاف» أن القلق كبير من إضعاف «الإخوان» ومن توسيع المعارضة لكي تشمل أطرافاً لا توافق «الإخوان» رؤيتهم للحل.
ثم من هي الدول التي يجب أن تحضر مؤتمر «جنيف 2»، روسيا ودمشق تريدان إيران، وبعض الدول الأخرى تجاهر بالرفض، كفرنسا مثلا، لكن المعلومات تفيد بأن واشنطن أبلغت سراً إيران بقبول حضورها، وطهران تريد أصلا الحضور. كما أن دمشق وموسكو ترغبان بإشراك دول «البريكس» لكي يكون في المؤتمر ما يوازي «أصدقاء سوريا».
لماذا إذاً أعلنت موسكو قبول دمشق المبدئي للمشاركة في «جنيف 2»؟
أهمية الإعلان أنه جاء قبل موقف المعارضة. فـ«الائتلاف» كان ينتظر أن ترفض دمشق ذلك، خصوصاً أنه غير متحمس للذهاب لاعتقاده بأن ثمة صفقة تطبخ بين الأميركيين والروس. في الإعلان الروسي ما يحمل المعارضة مسؤولية عدم تلبية شروط السلام، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي فاقت تصريحاته في شهر واحد كل ما صرح به وزير الخارجية السورية وليد المعلم منذ عام. وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن لافروف ونظيريه الاميركي جون كيري والفرنسي لوران فابيوس سيلتقون في باريس الاثنين المقبل. وكان لافروف وكيري بحثا في اتصال هاتفي، أمس، «الموقف في سوريا في سياق مؤتمر دولي لتسوية سلمية في البلاد».
المعارضة محرجة تماماً في الوقت الراهن. فالتقدم العسكري للجيش السوري يؤثر على المعنويات. والفراغ في رئاسة «الائتلاف» بات يعمق الخلاف، وتجميد «الحكومة المؤقتة» جاء بضغوط كبيرة من بعض الدول، الأمر الذي يدفع المعارضة للاعتقاد بأن ثمة مناخات دولية وعربية تتغير.
تقول مصادر شاركت في النقاشات الداخلية لـ«الائتلاف» مؤخراً إن المعارضة محرجة حيال جنيف، فإن هي شاركت من دون الحصول على ضمانات بأن لا يكون للأسد ورموز النظام وقياداته «المتورطة في الدماء»، على حد قولها، أي دور، فسوف تزيد الغربة بين المعارضة ومؤيديها في الداخل، وإن لم تذهب فسوف تواجه إحراجاً دولياً كبيراً. ألم يقل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بضرورة تأسيس معارضة أكثر قوة ومصداقية في الداخل السوري؟ أليست وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون من قرر وقف «المجلس الوطني» وإذابته في «الائتلاف»؟.
ثمة شعور لدى بعض المعارضة بأن بوادر إنشاء تيارات بديلة قد بدأت فعلياً، وإلا فماذا يعني «المؤتمر التأسيسي للقطب الديموقراطي في القاهرة»؟، وماذا يعني «اللقاء التشاوري في مدريد»، وماذا يعني المؤتمر المقبل في دمشق؟. وبعض هذه المعارضة يتساءل عن سر الذهاب إلى السعودية بدل قطر ما دامت الرياض ما كانت يوماً متحمسة فعلا للإخوان المسلمين.
وفي الأوراق السرية التي تجمعت عن الأميركيين والروس بشأن مؤتمر «جنيف 2»، فإن «الائتلاف» المعارض يضع شروطاً عدة للمشاركة في المؤتمر، أبرزها «المعارضة هي التي توافق على الأسماء التي يرسلها النظام للتفاوض، الحكومة الانتقالية تكون كاملة الصلاحيات، المفاوضون من النظام يجب أن يتمتعوا بصلاحية القرار داخل المؤتمر، والأهم من كل ذلك الحصول على ضمانات مسبقة بأن لا مكان للأسد ولا للمقربين منه أو المسؤولين عن المجازر في أي تركيبة سياسية مقبلة».
يبدو من خلال الشروط والشروط المضادة، أن عقد «جنيف 2» لا يزال بحاجة إلى ضغوط هائلة من قبل موسكو وواشنطن، ولكن اجتماع «أصدقاء سوريا» في عمان، ثم سعي أميركا وقطر وتركيا لتحريك لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، كل ذلك يضيف إلى العقبات، عقبات كثيرة، ناهيك عن أن «جبهة النصرة» لا تعرف أصلا لا «جنيف واحد» ولا «جنيف 2».
وسط استمرار هذا التأزم على المستوى السياسي، وبروز اختراقات في بعض الاتصالات السورية الرسمية مع عدد من الدول الغربية والعربية، يسود اعتقاد بأن السلطة السورية ليست على عجلة من أمرها للحوار أو التفاوض، ما دامت شروط هذا الحوار لا تلبي الشروط السورية. الحسم العسكري سيبقى إذاً سيد الموقف. الدم السوري بخس الثمن.

بواسطة
سامي كليب
المصدر
السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى