سياسية

عودة “الحرب الباردة”.. دور واشنطن كـ”شرطي العالم” انتهت على أعتاب الأزمة السورية

لا يمكن التقليل من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية وهي التي حكمت العالم كقطب واحد لأكثر من عقد من الزمن، ولكن شهد العقد الماضي تراجعاً كبيراً للدور والنفوذ الأمريكي، ومع الأزمات الكبرى التي تواجه
واشنطن وبشكل خاص منذ الإخفاق في لبنان والعراق وحالياً في سورية، بدأت معالم تخبط في السياسة الأمريكية في محاولة لجرّ العالم إلى سباق تسلح، وقد تجلى هذا واضحاً من خلال الإعلان عن نشر القطع الحربية البحرية الأمريكية في المحيط الهادي (ضد الصين)، والبدء بالمرحلة الأولى من الدرع الصاروخي (ضد روسيا)، فضلاً عن فتح باب التصعيد على كل الملفات الدولية المفتوحة وبشكل خاص الملف السوري الذي وصل التصعيد فيه إلى إجراء مناورات عسكرية في الأردن يتساءل المحللون: هل هي ضد سورية أم لحماية الكيان الصهيوني..؟!.
الحرب الباردة قائمة…؟
مع انهيار الاتحاد السوفييتي قامت دول الخليج برفع صادرات النفط وبدأت عملية محاصرة النفط الروسي، وتم إشعال الشيشان والهدف الرئيسي السيطرة على وسط آسيا وبالتحديد بحر قزوين، ولكن مع تغير خريطة استهلاك الطاقة إثر إلزام الاتحاد الأوروبي نفسه بمقررات قمة الأرض واتفاقية كيوتو استعاد الروسي عافيته من بيع الغاز، وعادت روسيا للإنفاق وبشكل خاص في القوقاز وفي العام 2002 حين تمّ الإعلان عن خط غاز نابوكو من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بهدف ضرب صادرات الغاز الروسي، بدأت فعلياً معالم حرب باردة، وهذه الحرب قائمة وآخر معالمها كان الصراع بين الدرع الصاروخي الأمريكي وصواريخ بولافا الروسية، إلى جانب نشر منظومات إسكندر الروسية فائقة السرعة، ومع الصين معالمها واضحة، فبعد التحرش الأمريكي بالصين في البحر الأصفر وبين الكوريتين كشفت الصين عن مدينة الصواريخ النووية وقبلها أسقطت قمراً صناعياً كمدخل لحرب النجوم وبدأت بنشر قطعها البحرية من البحر الأصفر وصولاً إلى بحر العرب، فضلاً عن الكشف عن صواريخ من المضادات البحرية لا تستهدف إلا القطع البحرية الأمريكية، وكذلك تغير عقيدتها القتالية، ولهذا يمكن القول إن الحرب الباردة هي حرب قائمة فعلياً وبأقل تقدير من إعلان تركيا عن خط غاز نابوكو واعتبار موسكو لهذا الخط عملاً عدائياً موجهاً ضدها بدأت معالم حرب باردة من ساحات أفغانستان وصولاً إلى الصراع على سورية.
لماذا التصعيد الأمريكي..؟
يتساءل الكثيرون.. ما هو سر التصعيد الأمريكي، وكيف يمكن قراءة الخطوات العملية ضد روسيا والصين من خلال السير في مشروع الدرع الصاروخي أو من خلال الإعلان عن نشر معظم القطع البحرية الأمريكية في المحيط الهادي خلال السنوات الثماني القادمة، ولقراءة التصعيد الأمريكي يجب قراءة الأرض التي يحدث عليها التصعيد، ففي السودان لطم سلفياكير خده بما دفعته عليه واشنطن بعد العمليات العسكرية بين الشمال والجنوب، وأعاد الأمريكي محاولة إشعال دارفور، وفشل، وفي الصومال رغم أن الأمريكي روّض قائد المحاكم شيخ شريف أحمد ولكن اليوم أصبح اسم المحاكم الإسلامية من الماضي، وظهرت حركة الشباب الصومالية وتدفع واشنطن 30 مليون دولار لمعرفة فقط أسماء قادة هذه الحركة، وبالتالي غارقة في التخبّط، وأما شمال وغرب إفريقيا فآخر فصولها دعم انقلاب عسكري في مالي لم تتجرأ على دعمه علناً فتحركت إفريقيا ومنعت تداعياته، وفي الشرق الأوسط لم تفلح في سورية سوى بالإعلان عن ساعات صفر مع كل ساعة صفر تحصد إخفاقاً جديداً وتزيد الفاتورة التي ستدفعها، وبالتالي التصعيد الأمريكي يأخذ شكل التخبّط أكثر منه الخطوات المدروسة ليس في هذه الملفات فحسب بل بكل الملفات.
مابين التصعيد والتراجع
لا يمكن قراءة التصعيد الحالي دون قراءة السياسة الأمريكية بالمنظور الأشمل، فما تقوم به واشنطن يوحي بمحاولة إدخال العالم في سباق تسلح جديد، ولكن السؤال الصحيح ليس عن سباق التسلح، فلا يمكن قراءة التصعيد الأمريكي ضد بكين وموسكو دون قراءة الواقع الأمريكي وهذا التصعيد ترافق وبعبارة أصح جاء بعد خطوات لخفض الإنفاق العسكري الأمريكي مالياً وعسكرياً وتجلى هذا الأمر واضحاً من خلال خفض موازنة الحرب الأمريكية وسحب ألوية مقاتلة من أوروبا، وعلى صعيد الناتو يأتي هذا التصعيد مع حسم فرنسا أمرها للانسحاب من أفغانستان ودخول منطقة اليورو في الخطر، فضلاً عن تآكل النفوذ الأمريكي من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا وآسيا وشرق أوروبا، ولهذا يجب ألا نسأل إذا كان التصعيد الأمريكي بداية سباق تسلح، ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح كيف يمكن الربط بين تقليص الإنفاق العسكري واتخاذ خطوات تنذر بسباق تسلح حقيقي، والأمريكي وحلفاؤه هم الحلقة الاقتصادية الأضعف التي ستنهار من أي سباق تسلح، وهل ما تقوم به واشنطن حرب نفسية أم تخبط في ظل انسداد الأفق أمام الأمريكي على كافة الصعد.
واشنطن تكرر نفسها..!
كل ما قامت به واشنطن أصبح مكرراً، ومع كل محاولة لاستنزاف روسيا والصين تزداد الديون الأمريكية وينحسر نفوذها، وتزداد موسكو وبكين وحلفائهما قوة، ويمكن اختزال السياسة الأمريكية بما أعلنت عنه الإدارة الأمريكية من مكافأة قيمتها 30 مليون دولار للحصول على معلومات عن قادة حركة الشباب الصومالية، ولم تتعلم واشنطن أن زوال شيخ شريف أحمد ومعه المحاكم الإسلامية لم يلغِ الصومال والشعب الصومالي، ولم تتعلم أن ذهاب المحاكم الإسلامية لم يدخلها إلى الصومال بل امتدت المواجهة ضد مصالحها إلى كينيا وأوغندا، ولهذا لا يمكن قراءة التحرك الأمريكي في المحيط الهادي سوى بتحضير واشنطن نفسها لما بعد الهزيمة في أفغانستان والفراغ الذي ستتركه في آسيا بالذات، ولا يمكن قراءة الدرع الصاروخي إلا بتحضير واشنطن نفسها لما بعد زوال نفوذها من شرق أوروبا على إثر فشل مشروع غازها نابوكو الذي سقط في سورية والسير قدماً في المشاريع الروسية في ظل تزايد الحاجة الأوروبية للغاز الروسي، فمن الواضح أن التخبط الأمريكي هو نتيجة حتمية للإخفاق الأمريكي، وأي سباق تسلح جديد سيؤدي الى انهيار الاقتصاد الأمريكي المثقل بالديون، وانهيار الاتحاد الأوروبي غير القادر على حمل نفسه دون سباق تسلح، فواشنطن لم تعد تخيف رغم أنها كالنمر الجريح وأكثر ما يمكن أن تقوم به هو حروب نفسية، تارة باسم ساعة الصفر وتارة باسم ساعة الواحد وباسم ساعة الـ ثاني!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى