سياسية

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في إسرائيل وسط أمواج من التحولات في السياسة

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في إسرائيل وسط أمواج من التحولات في السياسة الفرنسية والدولية، زيارة لا تشبه سابقاتها، قبل وبعد توليه الرئاسة. إنها على ما يبدو زيارة فرنسية بامتياز، على خلاف ما سبقها من الزيارات.

الزيارات السابقة للرئيس ساركوزي للدولة العبرية حملت كل التأييد وكل الدعم للدولة والكيان، حملت شبه ولاء وشبه ازدواجية في الانتماء وفي تقييم المصالح، حملت ساركوزي ولم تحمل بالتأكيد كل فرنسا.
اليوم تأتي الزيارة وكل المناخ قد تغير، وكل الحقائق، عند ساركوزي، صارت أوضح، وكل المصالح، التي تحكم سياسات الدول والشعوب، صارت على الطاولة. فإسرائيل لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح ساركوزي كرئيس للجمهورية الفرنسية ولا مصالح فرنسا.
واستمرت في سياساتها العدوانية واغتصابها للحقوق الوطنية الفلسطينية وللقوانين الدولية آخذة من الولايات المتحدة مثالا وقدوة لا من الأعراف والمبادئ الفرنسية. وإسرائيل لم تف بوعد قطعته للرئيس الفرنسي ولوزير خارجيته، بل استمرت بالتنكيل بالفرنسيين حتى الدبلوماسيين منهم وهم يقومون بعملهم الدبلوماسي. وفرنسا تساهلت ومارست سياسة (ضبط النفس) وإخفاء الحقائق والوقائع.
وعندما زار ساركوزي إسرائيل في السابق، كان يعتقد أن نفوذ باريس في الشرق الأوسط سيتعزز بعلاقة تآمرية مع الإسرائيليين، بعد أن فشلت سياسة الصداقات التكاذبية مع بعض قادة العالم العربي التي مارسها الرئيس شيراك من قبل. وكان يعتقد أن بوابة العلاقة الجيدة مع واشنطن تبدأ برضا تل أبيب. وكان يعتقد أن الإسرائيليين بحاجة له وهو بحاجة لهم في علاقة جدلية، ثبت عقمها بعد عام.
وقد استبق ساركوزي زيارته لإسرائيل باشارتين واضحتين، يأمل أن تكون القيادة الإسرائيلية قد تلقفتهما، الأولى عدم مشاركته باحتفالات الذكرى الستين للتأسيس- النكبة حيث كان مقررا حضوره بامتياز والثانية مسارعته للمصالحة مع سورية متلقفا حدثا طارئاً ليبني عليه ما هو دائم.
اليوم يزور ساركوزي دولة الكيان المغتصب، وقد تغير كل شيء. هو اليوم في تل أبيب ليقول ما لم يقله سابقا، ليقول لهم إن الاستيطان ليس خرقا فاضحا لكل الأعراف والقوانين الدولية وللحقوق الإنسانية بل إنه خطر على إسرائيل نفسها وربما خطر على أصدقائها أو من يدعون ذلك بمن فيهم الولايات المتحدة وأوروبا. وإنه لن يستطيع بعد اليوم الدفاع عن إسرائيل إذا ما استمر الاستيطان فهو بذلك يعرض مصالحه ومصالح بلاده لخطر كبير ويضعها في موقف لا تحسد عليه.
وهو هناك ليقول لهم إن التفاوض مع الفلسطينيين يعني حكما ومنطقيا التفاوض مع كل الفلسطينيين بمن فيهم حركة حماس، فالمطلوب للسلام ليس تفاوضا إيديولوجيا بل سياسي وعزل حماس يعني بالتأكيد عدم الرغبة بالوصول إلى الحد الأدنى من النتائج. وهو يقول بالتالي: إذا أرادت إسرائيل التوصل إلى سلام حقيقي ففرنسا تملك بعض مفاتيح هذا السلام والولايات المتحدة تملك بعضها فقط وليس كلها.
وهو في تل أبيب ليقول لهم إنني قد أكون يهوديا إلى الأبد لكنني لا أستطيع أن أكون صهيونياً في كل زمان ومكان. وهذه الرسالة الأهم التي يمكن أن تصل للإسرائيليين بوضوح.
وفي تل أبيب تقول المصادر العليمة سيكون ساركوزي عنيفا وحازما مع القيادة الإسرائيلية حيث إنها الفرصة الأخيرة له ليحدد موقفا حازما، فالأحداث تتسارع ويتهاوى الكثير مما كان يعتقد البعض أنها ثوابت نهائية. فالإدارة الأميركية تتهاوى مواقف وأشخاصاً وإسرائيل تسارع الخطا نحو سلام مع سورية كيفما اتفق، ومشاريع تحالفات ما سمته الإدارة الأميركية قوى الاعتدال العربي وتبنته بعض العواصم التي لم تنضج عادت لتتفكك وليغني كل على ليلاه. ومن ثم فإن ساركوزي سيطالب تل أبيب بموقف نهائي من كل الملفات المطروحة قبل انعقاد القمة المتوسطية.
فساركوزي يعرف أن نجاح القمة المتوسطية في الثالث عشر من الشهر القادم متوقف على موقف ومدى التزام إسرائيل. موقف والتزام ينقذ ساركوزي وينقذ حلفاء إسرائيل المتوسطيين. في الوقت الذي فقدت فيه الإدارة الأميركية السيطرة على الموقف في الشرق الأوسط وغضت النظر عن مشاريع كثيرة كانت تعتبرها مصيرية وإستراتيجية ومفصلية في المصالح الأميركية.
كلام ساركوزي عن الاتحاد من أجل المتوسط مع الإسرائيليين سيكون صريحا للغاية ومختصره إذا لم تستطيعوا خلال ستين عاماً أن تكونوا جزءا من الشرق الأوسط فعليكم أن تساهموا بسلام متوسطي هو بوابتكم إلى هذا الشرق، فسفاراتكم في عمان والقاهرة وممثلياتكم التجارية في عدد من الدول لم ولن تثمر من دون سلام عادل ودائم لامتصاص الغضب العربي.
هذا الكلام الذي بدأ ساركوزي يردده أمام من يلتقي بهم من الإسرائيليين وحلفائهم سوف يقوله بشكل واضح ومبرمج في تل أبيب ولا يبدو واثقا من أن الإسرائيليين سيتقبلون تراجعا عن إستراتيجيتهم العدوانية خاصة في هذا الوقت الذي تعاني فيه إسرائيل من الداخل أزمة هوية حقيقية تهرب منها إلى الأمام بمفاوضات سلام مع سورية وباستمرار للاستيطان وبقبول لوقف إطلاق النار مع (الإرهابيين).
هذه الأزمة الوجودية يراهن عليها بعض الفرنسيين لينتزعوا موقفا ينقذ اتحادهم المتوسطي، حيث إنه لن يضير إسرائيل أن تقبل بقليل لربح الكثير.

بواسطة
سي _السيد
المصدر
الوطن السورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى