مقالات وآراء

يوم تتحرر سيناء.. والقاهرة . بقلم…محمد طعيمة

في منتصف الثمانينيات من عمرها، ورغم مرور 43 عاماً على رحيله، مازالت السيدة جيهان تنتظر عودة حبيبها/ زوجها، الشهيد مقدم أحمد زكي، من أرض الأحلام، ومازالت، كما (المصري اليوم) 10 مارس الماضي، تشعر بـ”شيء من الغيرة” تجاه شريكتها في حبه وقلبه.. أرض القمر.

نوبة رجوع، يتقدس معها اسمه.. وانتظارها، وأسماء مئات آلاف المصريين الذين احتضن تراب أرض الفيروز لحمهم، منذ ذهب الفرعون لتأديب المعتدين على قدسية.. سيناء، حتى نوبة رجوع الشهيد إبراهيم الرفاعي في 22 أكتوبر 1973.
"الواد المقدس طوى". عليه كانت أولى خطوات آدم.. وعلى جبله الأقدس اكتملت توراة موسى، وتجلى الرب، كما لم يفعل في مكان آخر، لـ"كليمه". تتلخص فيه مصر حين يقدمها القرآن الكريم مع البلد الأمين والبيت المعمور. كما في سور: يوسف، النور، طه، الأعراف، النازعات، مريم، يونس، النساء، القصص، النجم، النمل.
واد مقدس، يُخايل كل المشاريع القومية بالمنطقة. فهو جزء من خرائط أحلام: إسرائيل الكبرى، إيران الفارسية، تركيا الطورانية، وسوريا الكبرى، والسعودية.. التي سعى مؤسسها لضم سيناء إلى مشروع مملكته عام 1920، وربما لهذا السبب أُلغي، أو أُجل، مشروع الجسر الذي يربط البلدين فوق البحر الأحمر. وفي الأفق المشروع الغربي، القديم الجديد، لرفع الحدود بينها وبين غزه ،.
وعليه تمحورت شروط الكتلة الصلبة حين أُستطلع رأيها في كامب ديفيد. قيل إنها طلبت ثلاثة شروط، أولها: تطوير منظومة تتوافق مع قراءتها لشكل الحروب المقبلة. الثاني: ثلاثة أنفاق تربط أرض الفيروز بالوادي الأم، لم يتحقق منها سوى (الشهيد أحمد حمدي)، ومتأخراً عن موعده. الثالث: خطة "قومية" لتعمير أرض القمر وتوطين ما بين 4 ـ 5 ملايين مواطن فيها.
هل كان السادات سيلتزم بما اُتفق عليه؟. رغم موقفي السلبي منه أعتقد أنه كان صادقاً فيما تعهد به، المشكلة فيمن خلفه. فبعد 28 عاماً على عودة الوادي المقدس إلى حضن الوادي الأم، تبدو المسافة بينهما أبعد مما كانت أثناء احتلاله. ومع الإهدار العمدي لأبسط حقوق أهلنا في سيناء والانتهاك الوحشي لمقدساتهم الاجتماعية، تحول حلم الدمج القومي إلى بذور كراهية ترويها سياسات اللانظام المُتحكم في أرض الأحلام وأرض الأم، لنري "غضبٌ يورثُ السوداءَ/ حقدٌ يأكلُ الأسوارَ التي تعلو ببطءٍ". كما قصيدة الشاعر السيناوي سالم أبوشبانه "العالمُ يتربَّصُ بي!"، المُهداة للأديب المعتقل منذ ثلاث سنوات (مسعد أبوفجر).
أسوار تعلو ببطء، بأيدي اللانظام، بدلاً من أنفاق تربط شرايين مصر الآسيوية بأوردة مصر الإفريقية. أسوار تقف أمام مطالب مصريو سيناء، البديهية جداً، حق المواطنة.. أقل كثيراً مما يتمتع به السعودي الوليد بن طلال، ورفع عصا الشرطة الغليظة عن أجسامهم، واحترام خصوصيتهم الثقافية، وعودة شبه الجزيرة إلى الإدارة المباشرة من الكتلة الصلبة، التي أجادت دائماً التعامل معهم. إجادة أفرزت الفضيحة التي منيت بها إسرائيل على أيديهم، السيناوية والكتلة. دعت تل أبيب لمؤتمر إعلان استقلال سيناء، وحشدت وسائل الإعلام العالمية لسماع بيان تأسيس الدولة الوليدة على لسان من اعتقدت أنهم خونة، ففاجأها شيوخ الوادي المقدس، في بث مباشر وأمام كاميرا المخرج الإيطالي الشهير مارسيلوني، بإعلان تمسكهم بمصريتهم.. أرضاً وبشراً، فيما عُرف وطنياً بـ"مؤتمر الحُسنة" 31 أكتوبر 1968، ودفعوا الثمن.. اعتقال فوري لـ120 من مشايخ وشباب سيناء، على رأسهم الشيخان بن خلف وسالم الهرش.. والمحامي (سعيد لطفى عثمان)، رئيس الجمهورية المُتوقع، الذي رحل بعد 30 عاماً من المؤتمر.. منسياً.
يقول السيناوية إن الكتلة الصلبة هي أفضل من تعامل معهم، ومنذ سنوات تطلب هي تسلم ملف تعمير الوادي المقدس، كما كشف زملاء مقربون منها.. كتابة أو أثناء برامج الاحتفال السنوي بعيد تحريره. لكن اللانظام يصر على تعميق "الشرخ" بين ضفتي القناة، بتعطيل تعميرها وبخنق أي محاولة تواصل بين سيناء وأمها، كما إصراره على استمرار اعتقال (أبوفجر)، الذي نجح فعلا في خلق جسر تواصل بين البدو وأهلهم في القاهرة.
لانظام يتسق مع ذاته. هو نفس الأداء، تدمير شرق القناة.. تدمير غربها. عندما نتحرر منه، ستمنح القاهرة "وزير تعمير سيناء" سلطات رئيس الجمهورية، كما فعلت مع تأميم القناة وبناء السد العالي.
حينها فقط، نعقد مؤتمر "حُسنة" جديد، يحضره (أبوفجر) وأقرانه، نعيد فيه الاعتبار لسعيد لطفي عثمان وزملائه في منظمة سيناء العربية، ونقدم لأهلنا بالوادي المقدس التهاني بتحرره.. هو والقاهرة. 

بواسطة
محمد طعيمة
المصدر
زهرة سورية /حلب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى