مقالات وآراء

الشعار .. ستّار .. بقلم محمد طعيمة

أورلاندو زاباتا تامايو ، Orlando Zapata Tamayo , لن ينتبه أحد للاسم ، فلم يُنشر خبر واحد بالعربية عن إضرابه المستمر عن الطعام لـ85 يوماً إعتراضاً على سوء المعاملة في معتقله الكوبي ..

ولا عن مناشدات أمه لإنقاذ حياته ، حتى وفاته صباح الثلاثاء الماضي ، ليصبح أول معارض يتوفى لإضرابه عن الطعام منذ وفاة الشاعر بيدرو لويس بواتيل ، بمعتقله عام 1972 ..

ظهر الأربعاء، نفى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، مُعبراً عن أسفه وتعازيه لأسرته، أي تجاوزات حقوقية طالت زاباتا، قائلاً "لا يوجد سجناء تعرضوا للتعذيب". أسف كاسترو، دعمه بيان غير مسبوق من خارجية هافانا. الأسف والبيان يعبران عن حرج دولي، لم تجد كوبا مفراً من التجاوب معه، رغم تجاهلها المستمر للإنتقادات الدولية لأنتهاكها حقوق أكثر من 200 سجين سياسي، تصفهم رسميأً بـ"المرتزقة".. مرداف "القلة المًندسة" لدينا زاباتا ، 42 عاماً ، عامل بناء اعتقل عام 2003 بتهمة ازدراء السلطات والعصيان ، وحكم عليه بالسجن 36 عاماً ..

سجين ضمير، هكذا صنفته منظمة العفو. وصف يشاركه فيه الألاف في وطننا العربي. نفس "الهم"، لكن لم يهتم به أحد، عدا "جملة" على شريط أخبار (الجزيرة) تلت "جملة" عن تدهور صحة الناشط والمثقف السوري هيثم المالح بمعتقله. قرأت لأول مرة اسم زاباتا .. ومدة الإضراب ..

كان زاباتا سيصبح أيقونة للحرية لو كان معارضاً لحكومة "يمينية". حينها، ربما شاهدنا لقاءات مع أسرته ودموع أمه وبرامج وثائقية عن مسيرته كـ"مناضل أممي"، لكن شعار "معاداة الإمبريالية".. ستّار، ومن خلفه تنطلق رصاصات الشبهات في وجه من يُشير مجرد إشارة، مثلاً، إلى فساد عائلة تشافيز وتحكمها في مفاصل إقتصاد فنزويلا.. أو قهره للمعارضة، وأخرها إغلاق فضائيات معارضة له، بقانون فريد كونياً، لأنها لم تلتزم ببث فقرة "تشافيز.. فجأة"، التي "تفاجئ" المشاهد بفقرات خطابية له، في الوقت الذي يراه مناسباً، وهو قانون لو "فكر فيه" لانظام مبارك لـ"هاجت" الدنيا ..

مرآة الشعار عمياء، معه ننسى مقولة فولتير الخالدة "أختلف معك في الرأي.. لكني مستعد للموت دفاعاً عن حقك في ان تقوله". عربياً، تربت أجيال على "لا حرية لأعداء الشعب"، لكنا لا نتحدث فقط عن "أعداء"، ولا عن المختلفين معنا، بل أيضاً عمن يقفون معنا في نفس الخندق.. الداعم للمقاومة والمعادي للإمبرالية، لكن غضب السلطة أحاط بهم. موائمة للشعار، صمت كثيرون طويلاً على إنتهاكات صدام، وكرروها دائماً مع غزة ودمشق وطهران، رغم أن بين "المقهورين".. مقاومين "فعلاً" بدمائهم، ومعادين "فعلاً وتنظيراً" للإمبرالية، و"مؤسسين" لمنظومة دعم طهران للمقاومة وللمشروع النووي الإيراني ..

مقارنة بزاباتا، ستجد أخباراً متناثرة عن أقرانه في منطقتنا، لكن لعماء مرآة الشعار حججه المُبتكرة، "أحدهم" حينما "أحرجه" زميل صحفي طالباً تعليقه على سحل المحتجين على تزوير الإنتخابات لصالح نجادي، فاجأه بان المتظاهرين هم من "إحتكوا" بالأمن، وبأن ما فعلته شرطة الولي الفقيه لا يمثل عُشر ما تفعله شرطة مبارك.. هكذا كان تعليقه. منطق غريب، يُذكرك بالحجج الحكومية، "الفساد في كل العالم".. "حتى أمريكا فيها تعذيب"، وكأن الأصل هو تقبل إنتهاك الحريات.. في طهران كما القاهرة. حتى نظام "الكيلة والعُشر"، لم يكن ليُنصف نجادي، كان عدد الضحايا بين المتظاهرين، وقتها، قد تجاوز ألـ 25 شهيداً للحرية، والمعتقلين من "زملاءه" الكتاب والصحفيين بالعشرات.. بعضهم تعرض للإغتصاب، والصحف المغلقة أكثر من عشرين جريدة ..

نفس "الأحدهم" ملأ الدنيا صراخاً من أجل المعتقلين في سجون سلطة عباس، وهي جريمة، إلى درجة المطالبة بـ"قتالها كفئة باغية"، لكنه صمت تماماً على رصاصات طالت "رُكب" وأقدام مقاومين من كتائب شهداء الأقصى، وعلى تعذيب أقرانهم من الجهاد والديمقراطية والشعبية ومن حزب الله.. وعلى تصفية السلفيين الذين إختطفوا (شاليط)، وتصويرهم، تفاخراً، وهم ينزفون.. حتى الموت ..

الجريمة واحدة أيأ كانت العاصمة وشعار أو اسم من "يتحكم" فيها، والضمير الإنساني، ان اتسق فعلاً مع شعاره، لن يرى لون أو عرق أو جنس المقهور.. أو إنتماؤه السياسي ..

الجريمة واحدة، تخصم من الوطن كفاءات وأحلام، لكن الشعار يستر أنظمة.. ويفضح أنظمة شعار واقي، يُعمي البعض، ليصبح شعارهم: "العن أمريكا.. وأقهر شعبك". مُتجاهلين ان من يُهدر حرية المواطن.. يخنق فرص تحرر وتقدم الوطن ..

بواسطة
محمد طعيمة
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى