القضية الفلسطينية

فلسطين إلى أين ؟ بقلم محمد حيّان الأخرس

ما زلنا إلى الآن غير قادرين نحن أبناء هذا العالم العربي، وأبناء هذا العالم الإسلامي على اتخاذ أي قرار يمس جوهر المسألة الفلسطينية، ويحمل في ثناياه فكرة التحرر من بقايا العثمانية، وفكرة التحرر من جوهر الوجود اليهودي
الذي لا يمت في فكره إلا إلى الطوطمية، المعبأة بالحقد المبني على قاعدة العنصرية، والتي تتجسد قتلاً وتدميراً و كرهاً لكل ما هو غير يهودي… فاليهود وكما نراهم نحن على أرض الواقع، ما هم إلا التجسد الأخير لكل حالات ردة الفعل لذلك الشعور بالوحدة التي تتداخل بكل ثقافتها مع الحالة الغريزية للحيوان، والتي تسيرها الضحالة الروحية والفكرية، وبالتالي تتجسد هذه الأمور في أعمالها التدميرية كما نراها في فلسطين ولبنان… وما الفكر الجديد بكل تجسداته على أرض الواقع في العالم، إلا النقيض للثقافة اليهودية، هذا النقيض الذي يحاول الارتقاء بالفكر الإنساني نحو تجلياته الحركية، من خلال الفعل القائم على البناء والارتقاء بهذا الموجود الإنساني، نحو أعلى مستوياته التي ينبغي له أن يكون فيها. وينبغي الاعتراف بأن لا شيء موجود خارج إطار الحركة الإنسانية، وأن ما نراه على أرض الواقع هو تجسداتنا الثقافية والمادية التي تنضح منا.
وعود على بدء..
فالمسألة الفلسطينية بكل تخبطها الروحي من حيث تحديد نوع الارتباط الذي يجمع أبناءها ما هو إلا النهاية الفعلية لهذا الارتباطات، إذ أن الحركات الدينية وعلى اختلاف تصوراتها وتنوعها في فلسطين، لا ترى في الوجود الاجتماعي الفلسطيني سوى ثقافة الفرد القائمة على الإيمان بالله، و بالتالي فإن هذا الإيمان هو المحرك الأساسي لكل تصوراتها وآمالها وحركتها على أرض الواقع الفلسطيني، وما يجمع الشعب الفلسطيني هو الله الذي يجب أن توحد كلمته في النفوس جميعاً ضمن رؤية كل مذهب وكل دين وطائفة على حدا.. ومن يخرج عن تصور الطائفة أو ذلك الدين فإنما يخرج على الله ويستحق التكفير والقتل.. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يستمر هذا النمط من التفكير أبداً، وذلك يعود إلى أن هذا الصراع الفلسطيني، هو الصراع الأخير باتجاه الحداثة التي تسمح للفرد الاعتقاد بما يشاء، ولكن ليس خارج وحدة نظام الحياة والأرض والكون..ولذلك فالعالم أيضاً لا مفر له من هذه الحداثة التي قد تكون تتحققت في مكان ما على سطح هذا الكوكب، وتأخرت عندنا لأسباب معروفة تتعلق بالواقع السياسي والفكري في بلادنا.
وما الواقع الفلسطيني وكما يجسده الحراك السياسي المتخبط، والذي يدور حول نقطة واحدة بكل تصوراتها، ألا وهي الوحدة الوطنية، نقول أن هذا الواقع الفلسطيني ومهما كانت رؤيتنا له، فإنما يعلن بكل تناقضاته حالة واحدة لا غير، هي الوحدة الوطنية، تلك الوحدة التي يقر بها الديني والعلماني بشكلها الإعلاني.."كما يحدث الآن بالمفاوضات بين فتح وحماس." تماماً كما يقر بها غيرهم.. وهذا الإعلان، سواء أعجب من أعلنه من المتدينين و العلمانيين أم لم يعجبه، هو خطاب الحداثة التي لا مفر منه، ومهما كانت النوايا سيئة من قبل البعض، فإنه لا يستطيع في العلن سوى تبنيه، إذ أن هذا الخطاب الذي تأسست عليه تلك الوحدة كمفهوم، الذي هو خطاب خارج الطائفية والدينية والماركسية والعروبة..هو خطاب المواطنة بكل امتياز، والتي لا تقر بأية مشروعية للصراع، سوى مشروعية الصراع من أجل الأرض.
ولذلك نقول أن خطاب الوحدة الوطنية، هو الحل الأوحد لإنهاء كل حالات الصراع القائمة في الأرض الفلسطينية، وهو الخطاب المعزز من خلال تبنيه لمفهوم الأرض كجامعة وموحدة، ليطرح حق المقاومة كهدف أول وأخير لاسترجاع ما سلب من فلسطين التاريخية، وأن أي خطاب آخر يمسّ هذه الوحدة الوطنية، هو خطاب يخدم الوجود اليهودي على أرض فلسطين، قصد من طرحه أم لم يقصده.
وحين يتم توحيد هذا الخطاب، خطاب الوحدة الوطنية، ستكون " الدولة اليهودية" أمام انتفاضة فلسطينية لم ير العالم العربي شبيهاً لها على أرضه، إنها الانتفاضة المعلمة، والتي ستكشف زيف الواقع العربي بكل أممه، هذا الزيف القائم على الخطاب الديني، والخطاب الأثني، واللذين لم يعد لهما من وجود في صيغة الدولة الحديثة، بل هي اعتقادات فردية، تدخل من يؤمن بها الجنة بعد موته، ومن لا يؤمن بها فمصيره جهنم.. طبعاً بعد الموت.
ولذلك فإننا نرى أن الواقع الفلسطيني يمشي نحو هذا الاتجاه رغم كل التناقضات القائمة على أرضه، وأن ما يحصل الآن في فلسطين من صراع داخلي، بين حماس وفتح وغيرهما من فصائل وحركات، ما هو إلا التجلي الأخير لتبني مفهوم الوحدة الوطنية، لكل الشعب الفلسطيني الذي ملّ الصراع فيما بينها، هذا التجلي الذي هو أول النهاية بالنسبة للوجود اليهودي الزائف على أرضنا.
وتأكيداً على رؤية الصديق سامي الأخرس"1" الساخرة، في تطبيق الحد على من يكرر فعلته من قبل حماس، ونقول أيضاً أن ما يجري الآن في فلسطين هو النزاع الأخير لكل المقولات الفردية التي ترى الحياة حكراً لها، وحكراً لمصالحها النفعية كقادة السلطة وأعوانها، وأن الشعب الفلسطيني هو في حالة التحضير لانتفاضة واسعة، ولكن هذه المرة ضد كل من يدعي ملكية الحقيقة والخير لأشخاصه، وضد كل من يبيعه لليهود مقابل مصالح فردية من فتح وغيره..وأن العنوان الأفصح لهذه الانتفاضة" هو الوحدة الوطنية….. الأرض.."

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى